بسم الله الرحمان الرحيم، تتوالى في مغربنا أخبار الاغتصاب، وتتنوع الجريمة وتتنوع الضحايا، فمنهم الأطفال والعجائز، وذوو الاحتياجات الخاصة، ومنهم تلاميذ المدارس... ويتنوع مرتكبوها، حتى ذكر منهم القريب الذي كان أولى الناس بالرعاية والعطف، وذكر منهم الشيخ الكبير الذي كان أولى بالعفة والرحمة بالصغار، ومنهم المكلف بالرعاية والتربية كالمدرس والمربي ... وتنوع مسرح الجريمة بين البيت ووسائل النقل والشارع العام... ومما يزيد الفواجع ألما للضحايا نشر صورهم وتبادلها في الهواتف الذكية من قبل الأيادي الغبية، وكثرة هذه الجرائم وبشاعة بعضها، وبلوغ بعضها أقصى درجات الفحش، يستدعي تنويع أساليب العلاج، وقبله تنويع طرق الوقاية، ومنها استثمار الوازع الديني، وأحكام الشريعة التي يمكن تطبيقها طبعا، ولأن أغلب من يتحدث في الموضوع في وسائل الإعلام عن الظاهرة يقصد إلى استبعاد الطرح المستند إلى الفقه الإسلامي، وهو الفقه الذي عاش به المسلمون قرونا طويلة وما يزال يقدم في كل المجالات أجوبة لمشاكل الإنسان رغم أنف خصومه الذين يرونه فقها ماضويا لم يعد صالحا إلا للنقد أو النقض، ومن هذه القضايا التي قد لا يتصور هؤلاء أن الفقه الإسلامي والمالكي خاصة قد أعطاها تكييفا خاصا وله تصور في الوقاية منها وعلاجها قضية الاغتصاب، وأفردت الفقه المالكي باعتباره الفقه المعتمد في بلدنا رسميا، والمفترض أن يكون مصدرا للتشريع القانوني والاجتهاد القضائي، وقبل ذلك أن يكون الموجه العام للثقافة المغربية، وأن يحضر تصوره لقضايا المجتمع في وسائل الإعلام الرسمية لا أن يبقى حبيس السادسة، ولا يتجاوز إعماله في أغلب الأحيان أحكام العبادات. سأتناول الموضوع من وجهة نظر علماء المذهب المالكي الراسخين، فليس من بنات أفكار الإسلام السياسي، أو الإسلام الوهابي كما يحلو لكثير من الرافضين للإسلام نسبة ما لا يعجبهم من أحكام الشريعة. أولا: الاستدلال بالقرآن على اعتبار الاغتصاب بالقوة من الحرابة : ذكر مفسرو المالكية في تفسير آية الحرابة كما اشتهر وصفها عند أهل العلم اعتبارهم الحرابة في الفروج أفحش من الحرابة في الأموال، وآية الحرابة هي قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (المائدة33). قال ابن العربي في أحكامه وهو من أهم مصادر التفسير المالكي : المسألة الرابعة : في تحقيق المحاربة وهي: إشهار السلاح قصد السلب ، مأخوذ من الحرب، وهو استلاب ما على المسلم بإظهار السلاح عليه ، والمسلمون أولياء الله بقوله تعالى : "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا. " وقد شرح ذلك مالك شرحا بالغا فيما رواه ابن وهب عنه : قال ابن وهب : قال مالك : المحارب الذي يقطع السبيل وينفر بالناس في كل مكان، ويظهر الفساد في الأرض وإن لم يقتل أحدا ، إذا ظهر عليه يقتل ، وإن لم يقتل فللإمام أن يرى فيه رأيه بالقتل ، أو الصلب ، أو القطع ، أو النفي ، قال مالك: والمستتر في ذلك والمعلن بحرابته سواء . وذكر في تحقيق المحاربة أربعة أقوال: الأول : ما تقدم ذكره لمالك . الثاني : أنها الزنا والسرقة والقتل ، قاله مجاهد . الثالث : أنه المجاهر بقطع الطريق والمكابر باللصوصية في المصر وغيره ، قاله الشافعي ومالك في رواية والأوزاعي . الرابع : أنه المجاهر في الطريق لا في المصر ، قاله أبو حنيفة وعطاء (أحكام القرآن .2/94) ذكر القاسمي وابن كثير في تفسيرهما للآية قول مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ويأخذ ما معه: إن هذه محاربة. ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول. ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل. قال ابن عطية في تفسير الآية: "واختلفوا فيمن هو الذي يستحق اسم الحرابة؛ فقال مالك بن أنس رحمه الله: المحارب عندنا من حمل على الناس السلاح في مصر؛ أو برية؛ فكابرهم عن أنفسهم؛ وأموالهم؛ دون نائرة ولا دخل ولا عداوة؛ وقال هذا القول جماعة من أهل العلم؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه؛ وجماعة من أهل العلم: لا يكون المحارب إلا القاطع على الناس في خارج الأمصار؛ فأما في المصر فلا."( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز3 /155) قال ابن العربي:"أما قول مجاهد(سبق قوله في الحرابة أنها الزنا والسرقة والقتل) فساقط ، إلا أن يريد به أن يفعله مجاهرة مغالبة ، فإن ذلك أفحش في الحرابة ... ولقد كنت أيام تولية القضاء قد رفع إلي قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأخذوا وجيء بهم ، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين، فقالوا: ليسوا محاربين، لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج . فقلت لهم : إنا لله وإنا إليه راجعون، ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وبنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج، وحسبكم من بلاء صحبة الجهال، وخصوصا في الفتيا والقضاء." (أحكام القرآن .2/95) قال القرطبي في تفسير الآية بعد ذكر تفسير مجاهد للمحاربة بالزنا والسرقة: "وليس بصحيح، فإن الله سبحانه بين في كتابه وعلى لسان نبيه أن السارق تقطع يده، وأن الزاني يجلد ويغرب إن كان بكرا، ويرجم إن كان ثيبا محصنا، وأحكام المحارب في هذه الآية مخالف لذلك، اللهم إلا أن يريد إخافة الطريق بإظهار السلاح قصدا للغلبة على الفروج، فهذا أفحش المحاربة، وأقبح من أخذ الأموال وقد دخل في معنى قوله تعالى : ويسعون في الأرض فسادا."( الجامع لأحكام القرآن 6/108) وهذا الكلام من القرطبي أشبه بكلام ابن العربي الذي عد الحرابة في الفروج أفحش من الحرابة في الأموال. وهذا الاستنباط بعموم الآية لكل أنواع الحرابة في الأموال والأعراض، واعتبار الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، هو الذي يتصل بموضوع الاغتصاب، فيكون في حكم الحرابة إذا صاحبه اختطاف أو تهديد بالسلاح، أو وقع بالعدوان في الطرق على المسافرين أو التجار، وسبق تعجب المفسر المالكي الكبير ابن العربي من قصر بعض أهل العلم الحرابة على الأموال دون الفروج في قضية اختطاف المرأة، وكيف أغلظ في وصفهم بالجهل. ومما يلاحظ كذلك قول الإمام مالك بالحرابة في المصر والبرية، أي بتعبير عصرنا في المناطق الحضرية والمأهولة بالسكان وفي المناطق غير المأهولة، كما نقل عنه ذلك ابن عطية وابن العربي وغيرهما : قال مالك بن أنس - رحمه الله -: المحارب عندنا من حمل على الناس السلاح في مصر؛ أو برية؛ فكابرهم عن أنفسهم؛ وأموالهم... بمعنى كل من أخاف الناس وهددهم في أرواحهم أو أموالهم أو أعراضهم يشمله وصف الحرابة داخل المدن وخارجها. ثانيا : الاغتصاب في موطأ الإمام مالك وشروحه : عقد الإمام مالك للاغتصاب بابا سماه: باب القضاء في المستكرهة من النساء . قال فيه رحمه الله :الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيبا : أنها إن كانت حرة : فعليه صداق مثلها ، وإن كانت أمَة : فعليه ما نقص من ثمنها ، والعقوبة في ذلك على المغتصِب ، ولا عقوبة على المغتصَبة في ذلك كله "( الموطا: كتاب الأقضية ، باب القضاء في المستكرهة من النساء) وروى عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قضى في امرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها . قال الزرقاني في شرحه:"وأجمعوا على أن المغتصِب المستكرِه عليه الحد إن شهدت البينة عليه بما يوجبه أو أقر ، وإلا فالعقوبة والصداق عند مالك والليث والشافعي والزهري وقتادة"(شرح الزرقاني على الموطإ 4/16)) ويقصد بالحد حد الزنا ، ويقصد بالبينة الشهود، وهي أهم وسيلة لإثبات الجريمة، أو إقرار الجاني ، وأضاف حالة عدم وجود البينة ولكن ثبتت الجريمة، فالجاني يعاقب وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي بالتعزير، وهي عقوبات تقديرية تقل عن الحدود وقد تقدر بالجلد أو السجن أو النفي أو غير ذلك مما يراه القاضي مناسبا بحسب الجريمة والمجرم، فيجمع له بين العقوبة التعزيرية والصداق وهو نوع من التعزير المالي. قال الباجي رحمه الله في شرح الموطأ :المستكرَهة إن كانت حرة : فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد ، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث ، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال أبو حنيفة والثوري : عليه الحد دون الصداق . والدليل على ما نقوله : أن الحد والصداق حقان : أحدهما لله، والثاني للمخلوق ، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها... . ونقل قول مالك وسواء كانت حرة مسلمة أو ذمية أو صغيرة افتضها...، وذكر حكم الصغيرة التي مكنت رجلا من نفسها إن كانت تخدع فلها الصداق، وذكر تفاصيل في إثبات الاغتصاب وأن أقوى أدلته البينة بشهادة أربعة شهود، وذكر بعض القرائن كإدخال الرجل المرأة غصبا إلى بيته والخلوة بها وادعاؤها الاغتصاب، وما يعتبر من القرائن وما يشترط من اليمين وغيره، بحسب عدد الشهود ، وذكر تمييز الفقهاء عند عدم البينة بين اتهام الصالح وغيره، وأن المُكرَهة (المغتصَبة ) لا عقوبة عليها ..."(المنتقى شرح الموطأ 5 / 268 ، 271 ) . فيلاحظ دفاع المالكية على تشديد العقوبة على المغتصِب وجمع العقوبتين معا: الحد والصداق، واعتبار الجريمة سواء كانت الضحية كبيرة أو صغيرة، مسلمة أو ذمية وهو لفظ يطلقه الفقهاء على أهل الكتاب الذين يعيشون وسط المجتمع المسلم ولا يحاربون المسلمين، فتصان أموالهم وأعراضهم، وهذا من أجل مظاهر التسامح أوالبر والقسط بتعبير القرآن. كما يلاحظ اعتبارهم الصغيرة التي تخدع في حكم المغتصبة وإن وقع الجماع بالرضى الظاهري منها، وهذا حال الكثيرات من الضحايا ممن يغرر بهن المحتالون، كما يلاحظ انتباه العلماء المالكية إلى اتهام الصالحين بالاغتصاب، وهو تمييز ذكي اعتبارا لسوء النية في بعض الحالات التي يكون فيها الاتهام بقصد الإضرار بالمتهم بدون حجة. كما يلاحظ استثناء المغتصبة من حد الزنا اعتبارا لكونها مكرهة والإكراه مما يمنع المؤاخذة في الفقه الإسلامي . فقد أباح الله للمكره على الكفر النطق به فقال: مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (النحل 106) وفي الحديث: "رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه." رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما، ومن المحدثين من صححه، ومنهم من حسنه لكثرة طرقه وإن كان في بعضها ضعف. قال ابن عبد البر رحمه الله في شرح الموطأ :"وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد ، أو أقر بذلك ، فإن لم يكن : فعليه العقوبة (يعني : إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه ، وعدم وجود أربعة شهود ، فإن الحاكم يعاقبه ويعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها ، وذلك يعلم بصراخها ، واستغاثتها ، وصياحها .... ولا نعلم خلافا بين العلماء أن المستكرَهة لا حد عليها إذا صح استكراهها بما ذكرنا وشبهه وذكر خلاف العلماء في اجتماع الصداق والحد في عقوبة المغتصب ثم قال: والصحيح في المسألتين وجوب الصداق ... لأن حد الله تعالى لا يسقط به حق الآدمي وهما حقان واجبان ، أوجبهما الله تعالى ورسوله ، فلا يضر اجتماعهما. " ( الاستذكار 22 / 125،126 ) ويتضح من كلام علماء المالكية حديثهم عن المستكرَهة بوصف عام وهذا لا يعني المغتصبة بالقوة فقط، بل يشمل كل مكرهة على الجماع بأي وسيلة تم بها الإكراه والإجبار، ويعتبر إكراها كل تهديد أو تخويف بإنزال ضرر على نفس المكرهة أو مالها أو أقاربها، وأصناف كثيرة من هذا النوع لا حديث عنهن في الإعلام المكتوب أو المرئي، لأن أغلبهن يعانين من الابتزاز والاستغلال في صمت ولا يتجرأن على البوح خوفا من نزول وعيد المكرِه بهن، فلنا أن نتصور حجم الكارثة في مجالات العمل المختلفة حيث تكون المكرَهة تحت سلطة المكرِه، وتعلم يقينا قدرته على إلحاق الضرر بها. وإذا كان الحقوقيون يرفضون الحدود الشرعية عموما ومنها جلد الزاني وقتل القاتل، ويعدونها عقوبات قاسية ووحشية ... رأفة بالجناة المجرمين، ومسايرة للمواثيق الدولية والقيم الكونية لحقوق الإنسان كما يصفونها، فما عليهم إلا الاستماع للجمعيات المتخصصة في مساعدة الضحايا والدفاع عنهم، أو الاستماع للضحايا أو أقاربهن، أو أقاربهم إن كانوا ذكورا، لعلهم يشعرون ببعض الألم الذي يحسون به، ويسمعون مطالبتهم بتشديد العقوبة، كما طالب بذلك كثير منهم وهم يروون مآسي فلذات أكبادهم، ولإثبات عجز العقوبات القانونية الوضعية المخففة في معظمها يكفي الاطلاع على إحصاءات الاغتصاب في مجموعة من الدول الغربية المصدرة لتلك القوانين، وكيف تصل حالات الاغتصاب إلى عشرات الآلاف كل عام، ويصل معدلها إلى اغتصاب في كل دقيقة في بعض البلدان الأوروبية كفرنسا، وكيف تسجل أكثر الأرقام في الدول الغنية المعتبرة جنة في الأرض كالسويد والدانمارك...والأرقام الصادمة متاحة على شبكة الإنترنت لمن أراد التفصيل... وكم نشرت هناك من أخبار الاغتصاب في القطارات والحدائق العامة... ذكرت هذه الدول لأن صنفا من هؤلاء عندما يناقش بعض مواضيع المرأة يتجه شرقا ليعطي أمثلة من الدول العربية، ويتجاهل واقع المرأة في أوروبا وما تعانيه من تحرش واغتصاب، وكأن المرأة الغربية تعيش السعادة المطلقة ولا تعاني من أي مشكلة، أو أن القوانين الوضعية قد صانت لها كرامتها وضمنت لها كل حقوقها. الخلاصة من هذه المقاربة المالكية للموضوع يمكن استخلاص بعض الأساليب الوقائية والعلاجية: إعمال الوازع الديني المرتبط بالقرآن والسنة النبوية في التوعية والتحسيس، لما لهما من الأثر في توجيه السلوك، لأن المقاربة القانونية وحدها لا تكفي، وكذا التوعية الإعلامية المجردة من الدين تفتقر إلى الحافز، فمن المستغرب أن تصر الحملات التحسيسية وحملات التوعية على تهميش منهج الإسلام في محاربة الفواحش عموما والاغتصاب خاصة، فهل أصبح من الحرام القول بأن الزنا حرام أو الاغتصاب حرام؟ اعتبار الفقهاء المالكية بعض صور الاغتصاب كالمصحوب بالخطف والتهديد بالسلاح من الحرابة مما يمكن لوزراة الأوقاف تعميمه في تأطير الأئمة والخطباء ليتم توظيفه في خطبهم ودروسهم الوعظية في المساجد، والتأكيد على اعتبار الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال. هذه الحالات مما ينبغي تشديد العقوبة فيه خاصة إذا اجتمع الخطف والاغتصاب والقتل، فيمكن للمشرع الاستفادة من الفقه المالكي في تشديد العقوبة ما أمكن. تقرير الفقهاء المالكية للعقوبة المالية وهي صداق المثل بالإضافة إلى الحد، مما يمكن للاجتهاد القضائي أو للمشرع اعتماده لتعديل القوانين الجنائية لمزيد من الزجر بأن تضاف مثل هذه العقوبة على الأقل إلى العقوبة السجنية ويمكن تركها لتقدير القضاة حسب حال المغتصِب وحال المغتصَبة. العقوبة التعزيرية التي يتحدث عنها الفقهاء المالكية وغيرهم عقوبات تقديرية بقصد تحقيق الردع والزجر للمجرمين، ويختلف تقديرها بحسب خطورة الجريمة والمجرم، وظروف ارتكاب الجريمة، ويمكن للقضاء الاستفادة منها في تشديد العقوبة على الاغتصاب عموما واغتصاب الأطفال خاصة، وألا يكتفى بالعقوبة السجنية لأنها لا تحقق الردع في كثير من الأحيان. أما الحدود الشرعية التي يتحدث عنها علماء المالكية وغيرهم، فقد أصبحنا في زمن يكاد يكون الحديث عنها جريمة في فقه علماء وخطباء حقوق الإنسان، وفقهاء الحداثة والعلمانية... في الوقت الذي لا يخجلون فيه من الدفاع عن الحرية الجنسية وما يسمونه العلاقات الرضائية، ويجعلون منها حلا للتحرش والاغتصاب كما فعل سعيد لكحل في مقاله الأخير:"التحرش الجنسي..جريمة تغذيها الإيديولوجيا الإسلاموية" الذي نسب فيه التحرش الجنسي للإيديولوجيا الإسلاموية، ولما أراد الاستدلال ذكر وقائع في الشارع العام صدرت من شباب لا أدري من أين ثبت له أنهم إسلامويون بالمعنى الذي يقصده؟ وذكر من باب الشماتة والرداءة الأدبية رموزا للدعوة لفقت لهم التهم، ويعرف تفاصيل قصصهم ولكنه لبس على القراء، وذكر منهم بالاسم طارق رمضان الذي ذكر بعض خبره الذي يسوقه الإعلام، وتعمد السكوت على البعض الآخر، والقضية ما تزال أمام القضاء الفرنسي، ولكن القاضي لكحل قد أصدر حكمه بالإدانة مسبقا، وذكر قصة أخرى تتعلق بزواج...ولا أدري كيف صح عنده الاستدلال بقصة من تزوج على التحرش الجنسي في الإيديولوجيا الإسلاموية؟ أم أنها الإيديولوجيا العلمانوية التي تبيح الزنا وتحرم الزواج؟ وله ولغيره أن يقارن بين الاغتصاب في فرنسا وغيره من الدول الإسلامية ليعلم ما فعلته الإيديولوجيا العلمانية بالفرنسيات والسويديات و...وأي الإيديولوجيتين تغذي التحرش والاغتصاب؟ *باحث في الدراسات الإسلامية