أثارت حادثة إقدام مغاربة أثناء نشاط جمعوي بإيطاليا على "ستر" الجزء السفلي من تمثال يعود إلى مئات السنين الكثير من الجدل، ما قض مضجع بلدة هادئة بأقصى شمال الساحل الغربي من البلاد. وقام جمعويون مغاربة منضوون تحت لواء الكونفدرالية الإسلامية، التي تحظى بعناية رسمية مغربية، بوضع إزار أحمر على تمثال القائد العسكري الإغريقي "إباميندوس"، المتواجد بمسرح بلدة "كايرو مونتينوتي"، نواحي مدينة صافونا. ونظم النشطاء المغاربة ملتقى حول حوار الأديان حضرته شخصيات رسمية بارزة يتقدمها محافظ إقليم صافونا وقنصل المغرب بطورينو، إضافة إلى ممثل الكنيسة الكاثوليكية. وطالبوا المشرف على التحف الفنية بنقل لوحة تجسد امرأة عارية، ليقوم ببث استغرابه في مواقع الاتصال الاجتماعي، حيث عرفت صورة التمثال الذي يبدو كأنه قد تم إلباسه "مئزرا" انتشارا واسعا وصل معظم وسائل الإعلام الإيطالية. وحاول رئيس الجمعية المغربية المنظمة للملتقى التقليل مما حدث، نافيا أن تكون له علاقة ب"التعصب الديني" الذي ذهبت إليه معظم التعليقات؛ "بل كان تنظيميا محضا، وذلك لخلق أجواء مغربية داخل فضاء المسرح، مستوحاة من الصحراء"، حسب تعبيره. ولم يستطع الفاعل الجمعوي المغربي إيقاف الجدل الذي صاحب صورة التمثال المغطى، وحتى تبريره لم يكن مقنعا، إذ وصف زعيم حزب رابطة الشمال، ماتيو سالفيني، والذي يسعى حاليا إلى تشكيل الحكومة المقبلة لإيطاليا، ما حدث بأنه "الجنون بعينه". وخص نائب رئيس تحرير صحيفة "إلكورييري ديلا سيرا"، ماسيمو غرامليني، عموده اليومي لحادثة "إلباس التبان للفن"، مع حرصه على أن الذين يقفون وراء ما حدث (الجمعويون المغاربة) يقدمون أنفسهم على أنهم "مسلمون معتدلون". واستغرب كيف أن هؤلاء المنظمين اختاروا ذلك المكان رغم أنهم يعلمون أنه لا يلائم "خصوصياتهم"، سواء كانت دينية أو غيرها؛ مضيفا: "أي محاولة لحجب أو تغيير رموز فنية لشعب آخر ولو "بإلباسها تبانا" ستعتبر في آخر المطاف استفزازا وعدم احترام لأصحاب ذلك الفن؛ هذا إن لم ير فيها البعض تحديا لهم". الناشط الإسلامي عبد الوهاب رفيقي، الملقب بأبي حفص، قال لهسبريس، تعليقا على الحادثة إن "هناك خصومة قديمة ومتوارثة، بين الفقه الإسلامي ومختلف أنواع التعبير، من رسم ونحت وموسيقى، مما ساهم في تخلف المسلمين الذين لم يدركوا إلى اليوم أنه يجب تغيير هذه العقليات، وعلى الناس إقرار مصالحة مع التعبيرات الحضارية". وأضاف أبو حفص "في الوقت الذي كانت فيه الحضارة الإسلامية في أوجها كانت هذه التماثيل والأشكال التعبيرية موجودة، وتم التعامل معها، بشكل مرن جدا، وكانت هناك مساهمات من المسلمين في هذا المجال، قبل أن يغزو الفكر الوهابي العالم بنسخته المتشددة جدا، تجاه كل ما هو فني تعبيري". وعبر المتحدث عن أسفه، لحدوث هذه الواقعة، وخصوصا في ندوة حول الحوار بين الأديان، موردا أنه " كان على هذه الهيآت، تقديم عربون وحسن نية للتعبير عن الاستعداد للتعدد والتعايش، من خلال تجاوز هذه الخلافات والتفاصيل الجزئية، التي لا تمثل الجوهر الذي ينبغي الاجتماع حوله". وفي الصدد ذاته، أوضح أبو حفص، أن "هذه الحادثة نوع من الاعتداء على حقوق الآخرين، وليس من حق أحد، أن يفرض توجهه الفكري على الآخر، وإلا على أي حوار نتحدث، إذا كان هناك نوع من الإلزام، ومن المفروض مراعاة الآخرين وثقافتهم وألا نعتدي عليها بمثل هذه التصرفات". وأعادت حادثة تغطية التمثال من قبل الجمعويين المغاربة إلى الأذهان الجدل الذي صاحب زيارة الرئيس الإيراني إلى مدينة فرينسي (فلورانسا) سنة 2016، بعدما أقدمت السلطات البلدية على "حجب" العديد من التماثيل العارية المتواجدة ببعض الأماكن التاريخية بالمدينة؛ وهو ما رأت فيه العديد من الأوساط نوعا من "الانبطاح" للإسلام المتشدد الذي يحرم تواجد أمثال هذه المجسمات التي تؤرخ لمرحلة هامة من تاريخ الفن في الدول الغربية.