ضبطت أمينة المرزاق إيقاعها المهني على التعليم العالي بالإمارات العربية المتحدة، مفاخرة بمغربيتها وهي تعلن، أمام كل معارفها، بأن أول جامعة في العالم شيدت على تراب وطنها، وكانت وراء هذه الخطوة امرأة من أمتها. انطلقت هذه الفاعلة الأكاديمية من بيئة قروية نحو مراتب التعليم العالي بأكثر من بلاد، مبينة أن كل ما يبتغيه المرء يدركه إذا أخذ الدنيا غلابا. انطلاقة النخيلة ولدت أمينة المرزاق بضواحي العاصمة المغربية، في قرية النخيلة بمنطقة زعير، وبالفضاء ذاته استهلت مشوارها الدراسي قبل أن تنتقل إلى الرماني عند بلوغها المرحلة الإعدادية. التحقت أمينة بمدينة الخميسات من أجل استيفاء تعليمها الثانوي، وبعاصمة زمور ستنال شهادة الباكالوريا قبل أن تلتحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة. أقبلت المرزاق على دراسة الأدب الإنجليزي، مخصصة أولى سنوات هذا التكوين العالي في عاصمة منطقة الغرب، ثم استكملت المشوار بمدينة الرباط حتى نالت الإجازة. حلم الهجرة "كأي من شباب تسعينيات القرن الماضي كنت أحمل حلما أوروبيا، لم يكن الدافع ماليا لأن أسرتي لم تكن تبتغي من سفري الرقي بوضعها الاقتصادي، بل كان الرهان دراسيا صرفا"، تعلن أمينة المرزاق. كانت فرنسا هي وجهتها الأولى لإتمام تكوينها العالي، حيث أقبلت على مجال الاستثمار الدولي في تلقي المعرفة الأكاديمية، لكنها لم تكمل المشوار بسبب ظروف عائلية اضطرتها إلى العودة إلى المملكة. بعد مدة قصيرة ستتجه المرزاق صوب الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحديدا إلى سياتل بواشنطن، التي لم تغادرها إلا بعد نيل دبلوم في التدبير، وبعد ذلك ستحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال بالديار السويسرية. بلوغ الاندماج تؤكد أمينة أن التمكن من خلفية ثقافية شديدة، والوصول إلى نضوج فكري بمعية الانفتاح على المجتمعات خارج الحدود، يجعل المهاجرين المغاربة يعانقون اندماجا سلسا في دول الاستقبال. "الاندماج هو أن يتقبلك الناس لا العكس، هذا منطلقي الذي جعلني أحقق أهدافي الدراسية خارج الوطن، لذلك أحرص على القيام بأبحاث قبل كل هجرة حتى أجهز نفسي، وأتكل على أصدقاء لي في تسهيل الشهور الأولى بكل وسط جديد"، تكشف المرزاق. وتوضح هذه المنتمية إلى شريحة "مغاربة العالم" أن التحدي الحقيقي، الذي خاضته، تجلى في ترؤس إدارة بمجال التعليم وسط البيئة الإماراتية قبل عقدين من الآن. وتضيف: "استلزم ذلك إثبات الوجود بإبراز الإمكانيات إلى أن تأتى التوفيق". استقرار في الإمارات اختيار الخبيرة الاقتصادية المغربية الإقامة بدبي جاء بحكم فتح فرع في الإمارات من لدن الجامعة الأمريكية التي ارتادتها، وما جلبه ذلك من عرض عمل لها في هذه المنشأة الأكاديمية. بقيت أمينة في هذا البلد الخليجي، رغم إغلاق المؤسسة التي لازمت الاشتغال فيها منذ أواخر تسعينيات الألفية الماضية، وتأتى ذلك بعد حصولها على وظيفة وسط الطواقم المشرفة على أداء "جامعة دبي". "الخبرة المهنية لم تكن إشكالا في مساري، لكن تقبلي من لدن الغير كان يستوجب التعبير عن امتلاك القيمة المضافة، التي يبتغيها محيطي الاجتماعي في الإمارات، بدءًا بنيل اعتراف المسؤولين في العمل"، تقول أمينة المرزاق. جامعة دبي ثبتت الأكاديمية المغربية في "جامعة دبي" لمدة تخطت 16 عاما، ولا تتردد في المجاهرة بأن هذه المؤسسة التعليمية واحدة من بين الرائدات في مجال التعليم العالي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتواكب خريجيها مهنيا مدى الحياة. تأسست "جامعة دبي" سنة 1997 لتتبع الغرفة التجارية والصناعية للإمارة، وتشرف على توفير طاقات خبيرة في "البيزنس"، كهدف لبدء اشتغالها، ثم غدت سباقة إلى حيازة شواهد اعتراف دولية أعلت شأنها في العالم. تسعى هذه المؤسسة إلى أن تغدو من أفضل 100 جامعة في العالم بحلول سنة 2035، ويشتغل كل مسؤوليها على بلوغ هذه الغاية في الموعد المحدد، أو حتى استباق ذلك. مهام عديدة بدأت أمينة المرزاق مهامها في "University of Dubai" عبر الاهتمام بشؤون الطلبة، وما يتصل بذلك من أنشطة للمنخرطين في التكوينات، وبعد ذلك مرت إلى مهمة تدريب وتوظيف الطلبة. وتتولى المرزاق مسؤولية قسم الخريجين، وهي تحرص على مواكبة مخططات إيجاد وظائف لمن أتموا تعليمهم العالي في "جامعة دبي"، وما إلى ذلك من تكوين مستمر، والارتقاء بالمميزات الشخصية والمهنية، وغيرها من المواكبات المماثلة. تصاحب أمينة أنشطة رابطة خريجي الجامعة، التي يرأسها فخريا الشيخ محمد جمعة المكتوم، وتضم 2500 من الطلبة السابقين، متعاطية من هذه المسؤولية مع البرامج المساعدة ل"جامعة دبي" ومن أطرتهم في الماضي. بلا عبث "مجال عملي يجعلني راضية عن مساري، وأنظر بإيجابية كبيرة إلى تجربتي كمهاجرة نحو أوروبا وأمريكا، وأيضا لاستقراري في دبي"، تقول المرزاق قبل أن تؤكد أن هدفها، منذ بداياتها، هو المساهمة في إحداث تغييرات لصالح الغير ولو كانت بسيطة. وكشفت أمينة أن الأقسام الثلاثة التي تشرف عليها في "جامعة دبي" تجعلها سعيدة بمساعدة مئات الطلبة سنويا، سواء داخل المؤسسة الأكاديمية أو خارجها، وأنه يبهجها بلوغ عدد كبير منهم مناصب مرموقة بالإمارات وببلدان غيرها. "لا أراني أعيش عبثا في هذا الزخم من الأداءات التي أحبها من أعماق قلبي، ويذكي ذلك تعلمي المستمر ممن يحيطون بي. أحس بأني أخضع لتطور مستمر، وحين رجوعي إلى الوطن أود نقل خبرتي إلى غيري ولو تطوعا "، تسترسل المغربية المقيمة بدبي. نجاح مضاعف تنظر "ابنة النخيلة"إلى الهجرة، من منظار خبرتها، كمصدر للتحديات والصعوبات التي ينبغي أن يتخطاها ذوو الطموحات والأحلام، وترى أن خوض هذه التجربة لن يفي بالغرض إذا ما تم تركها للعشوائية. تقر المرزاق بأن الفرص المتوفرة حاليا في المملكة المغربية قادرة على جعل الناس يعانقون نجاحات مختلفة، وأن "النجاح متاح بالضعف في الوطن لمن يستطيعون تحقيق أي نتيجة إيجابية خارج البلد الأصل". "مهاجرو الغد أنصحهم بتحديد الأهداف والوجهات قبل الانطلاق، كما ينبغي عليهم أن يتذكروا انتماءهم إلى المغرب أينما حلوا، ومع وعيهم بكونهم واجهة لوطنهم الأم ينبغي أن يحطموا الصور النمطية"، تختم أمينة المرزاق.