قد يعتبر العديدون أن خوض تجربة عمل في مجال مغاير للتخصص الدراسي يزيد احتمال الفشل المهني، بينما خديجة حميوي، المزاوجة بين التكوين القانوني والاشتغال الإعلاني، تعاكس ذلك. وصلت هذه المغربية إلى ما يتخطى "دزينة أعوام" من الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخلال هذه الفترة أثبتت، حقا، أن السير بثبات على سكة التطور يمنح التجربة الكافية للتميز في أي عطاء. تخصص في القانون تنحدر المغربية خديجة حميوي من أصل أمازيغي ذي صلة بمدينة خنيفرة، الكائنة وسط جبال الأطلس المتوسط، حيث قضت سنوات النشأة حتى بلوغ ربيعها 18 من العمر. استغرقت خديجة 12 سنة في الدراسات الابتدائية والإعدادية والثانوية بخنيفرة، ثم التحقت بمدينة مكناس من أجل التعليم العالي، مقبلة على كلية الحقوق في جامعة مولاي إسماعيل. لم يفتر إقبال حميوي على التعليم الجامعي بنيل الإجازة في العلوم القانونية بالعاصمة الإسماعيلية، إذ قصدت العاصمة الرباط من أجل المواصلة في السلك الثالث من التخصص نفسه، وتحديدا "القانون المدني المعمق". تقول خديجة حميوي: "حصلت على شهادة الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس دون التمكن من الاشتغال في المغرب، لأنني خضت تجربة الهجرة مباشرة بعد ذلك". فكرة الرحيل ترى المرأة نفسها أن رحيلها بعيدا عن الوطن كان مزيجا بين الحلم والصدفة، حيث كانت تخبر أسرتها، وهي في سن مبكرة، أنها "تتوقع السفر خارج البلاد عند الكبر"، وتضيف باسمة: "لا أذكر ذلك، لكن عائلتي ثابتة على ما جرى". "توقف مشروع عمل في المغرب بشكل دفعني صوب دبي كحل مؤقت فقط، فقد كنت أبتغي نيل تجربة مهنية في الإمارات العربية المتحدة بلا أي مخطط للاستقرار"، تقول حميوي عما جرى سنة 2005. ظفرت خديجة حميوي بعقد عمل في إمارة دبي قبل حزم حقيبتها بالمملكة، مصاحبة 23 يدا عاملة مغربية في هذا التنقل، الذي كان يخفي لها مستقبلا مغايرا لكل انتظاراتها البدئية، بعيدا عن تخصصها الدراسي. عائق الإنجليزية تنفي "ابنة خنيفرة" أي ذوق للاغتراب في الإمارات العربية المتحدة منذ قدومها، وتزيد: "الانطلاق كان مع بنات بلدي، رفقة مغربيات في سكن خاص بالشركة المشغلة لنا، وهذه الألفة ساندت تحقيقنا للاندماج شيئا فشيئا". أما بخصوص الصعوبات المهنية، فإن خديجة تربطها بعدم ضبط التواصل بالإنجليزية عند المستهل، وما أفرزه من إنتاج مهني خجول لم يتم التخلص منه حتى التمكن من هذا اللسان السائد في معاملات بلد الاستقبال. ثبات على التطور تكشف حميوي أنها التحقت بدبي كبائعة في مركز تجاري، بلا أي خبرة في هذا الأداء الذي لازمته مدة سنة ونصف، ثم انتقلت إلى إدارة التسويق بشركة مغايرة، متخصصة في خدمات الإشهار. وتضيف المغربية عينها: "هذه الشركة علمتني وأعطتني الدفعة التي كنت أحتاجها من أجل الثبات على مسار التطور، خاصة أن ميدان التواصل أعجبني ووجدته مناسبا لتكويني البعيد عن العمل المؤسس على جهود بدنية". استمرت هذه المحطة في مشوار خديجة 4 سنوات كاملة، ثم التحقت بعارض خدمات مماثلة، حيث تشغل اليوم منصب مديرة عامة لهذه الشركة، التي تعد من كبريات دبي في الدعاية والإعلان. الأداء العملي يتصل عمل المنتمية إلى صف الجالية المغربية في الإمارات، من خلال الشركة التي تديرها، بعدد من الوسائط الإشهارية، أبرزها لوحات الإعلانات المتوسطة شوارع البلاد التي تستقر بها، وغيرها من اليافطات المعتلية أعمدة أو مباني. تشرف خديجة على تفاصيل التعاقدات مع الإدارات المانحة حق استغلال الفضاءات العامة في الإشهار، كما تسهر على خلاصات التفاهم مع ملاك خواص لعرض المنتجات الإعلانية، ثم متابعة الاتفاقات مع زبناء الشركة. يضاف إلى التزامات حميوي اليومية ما يتطلبه الأداء من تسيير المستخدمين نحو أنجع مردود، في مجالات المبيعات والتصاميم والإنتاجات المطبوعة، وما يقتضيه ذلك من تدخلات لتحييد أي إشكالات مرصودة. تشبث بالخيارات تعتبر المتخصصة في العلوم القانونية أن مسارها المهني البديل يرضيها بما وصلت إليه في إمارة دبي، وأن ارتقاءها في هذا المسار تم بخطوات متثاقلة خلّفت دراية عميقة بما تتطلبه كل أشواط التدبير. بحماسة شديدة تقول خديجة: "وصلت إلى ما تمنيته من نجاح، ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لقمت بالخيارات نفسها حتى أبلغ ما أنا عليه اليوم، لكنني كنت سأحرص على إتقان الإنجليزية في الوطن حتى أختصر الزمن". تتمنى حميوي أن تواصل مراكمة الفلاح المهني مستقبلا، وأن تزيد من ألق اسمها في سوق الدعاية والإعلان بإمارة دبي، وكل تراب الإمارات العربية المتحدة، وصولا إلى إنشاء فرع في المملكة المغربية وبلدان أخرى. جنة الحالمين "دبي بلد الفرص التي تستلزم وجود القادرين على استثمارها من أجل تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، دون إغفال هؤلاء منح قيمة مضافة لهذه الحاضنة المرحبة بكل الحالمين"، تعلق الفاعلة في ميدان الإشهارات. وترى خديجة أن المقبلين على الهجرة عموما، وعلى الالتحاق بالإمارات تحديدا، مدعوون لحيازة مستوى تعليمي جيد، لا يستثني اللسان الإنجليزي، ومراكمين مدارك عن فضاء عيشهم الجديد بناء على أبحاث مسبقة. "الثورة التكنولوجية تضع نصائح وافرة أمام المهاجرين الجدد، والتراكم جعل عدد الجالية المغربية كبيرا في معظم بلدان العالم، حيث لا يتردد هؤلاء في مد يد العون لأبناء وطنهم حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه المستجدات، التي لم تكن تتوفر لرعيل الهجرة السابق، ينبغي الارتكاز عليها أيضا"، تختم خديجة حميوي.