تثير الفوضى الإقليمية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط العديد من الأسئلة؛ لعل أهمها هو مآل هذه الصراعات الساخنة على هذه المنطقة الاستراتيجية والحيوية التي تتكدس داخلها القوى العالمية، حيث تسعى كل منها إلى نيل قطعة من هذه الكعكة، فضلا عن مستقبل التمدد الشيعي الإيراني الذي لم تجد له بعد الدول العربية السنية ترياقا يحد من انتشاره السلس والسريع. عاد الصراع الإيراني والسعودي، أحد أبرز الصراعات الإقليمية بالمنطقة، بشكل قوي خلال السنوات الأخيرة، لتصبح الحرب الباردة الشيعية السنية والتي تتصدر طهران والرياض الأدوار القيادية بها، تخضع لاحتمالية تحولها إلى مواجهة عسكرية على أرض الواقع. لقد ألفنا أن تلعب إيران دور الضحية في منطقة الشرق الأوسط وأن تلبس عباءة التسامح والسلم، خاصة خلال عهد روحاني. كان الخطاب، الذي ألقاه الرئيس الإيراني خلال اجتماع بالجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 سبتمبر من السنة الماضية، مثيرا للغاية؛ فقد دافع، خلاله وباستماته، عن البرنامج النووي بعد انحراف مجرى هذا الملف فور صعود الرئيس ترامب إلى سدة الحكم بالولاياتالمتحدةالأمريكية. هذا الأخير الذي وصف الاتفاق النووي بالمحرج لتاريخ الولاياتالمتحدة، كان اللافت في خطاب روحاني ذاك، قوله بأن "إيران لا تريد إحياء إمبراطوريتها التاريخية، كما لا تريد فرض مذهبها أو تصدير ثورتها بالسيوف".. نعم، كان محقا روحاني بقوله ذلك؛ لأن تنفيذ الأجندة التوسعية لإيران يتم بسلاسة وسلمية دون قطع الرؤوس أو حرق الأبدان، كما هو حال تنظيم الدولة الإسلامية، التغلغل الشيعي بمنطقة الشرق وشمال إفريقيا بل بإفريقيا والعالم بأسره يتم بكل هدوء وانسيابية ولا حاجة إلى حمل السلاح لتشييع الدول السنية؛ فتصدير الثورة الخمينية ليس حديث العهد بل تم عبر مراحل لأزيد من أربعة عقود ليصل اليوم الى ما هو عليه. إن المد الشيعي ضارب بأطنابه في العديد من الدول العربية السنية، إذ أصبح يشكل هاجسا أمنيا دينيا ممتدا عبر الزمان والمكان وللحيلولة دون استمراره. يستلزم ذلك وضع استراتيجيات متعددة الأبعاد، من أجل تعطيل الماكنة الإيرانية الشيعية التي أضحت تشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار الدول السنية. وجدت إيران الصيغة المناسبة للعب دورها داخل رقعة الشطرنج الجيوسياسية بدهاء استراتيجي كبير، لتنجح نوعا ما في أن تشكل ذلك الهاجس السياسي والديني للدول العربية ذات الأغلبية السنية، لما تثيره من تهديد لأمنها القومي وكذا الروحي، لتتجسد كخطر مقبل من شأنه زعزعة الاستقرار السياسي الذي تنعم به هذه الدول، خاصة الأنظمة الملكية مثل السعودية والأردن والمغرب. ولعل الصورة التي جمعت الملك محمد السادس مع كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس اللبناني سعد الحريري والتي غزت مواقع التواصل الاجتماعي وكل المنابر الإعلامية في الآونة الأخيرة أبرز مثال على لقاء تاريخي بالأراضي الفرنسية وثق بصورة لها أكثر من دلالة ومعنى. ولعل دلالتها السياسية والروحية بالأساس تتجلى في امتصاص قوة إيران السياسية والروحية وتغلغلها الشيعي، الذي يعتبر كالنار التي تلتهم الأخضر واليابس بالبلدان العربية السنية؛ حتى وإن كانت لبنان والسعودية الأكثر تضررا من ذلك الثقل الإيراني إلا أن المغرب ليس في منأى عن الخطر الشيعي أبدا. لا يمكن إنكار أو تجاهل ما لإيران من نفوذ بمنطقة الشرق الأوسط وكونها قوة إقليمية، إذ تستمد قوتها عبر العديد من الاعتبارات سواء أكان موقعها الاستراتيجي والجغرافي اللذان يجعلانها كبوابة تجارية، ونقطة رابطة ما بين الشرق والغرب، أو لتوفرها على أحد أبرز الاقتصادات استقرارا –نسبيا- في العالم، بالرغم من العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضتها عليها القوى الكبرى لا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية، ناهيك عن قدرتها الكبيرة على تأمين صناعة عسكرية محلية، واستفزازها للقوى الغربية باعتبارها قوة نووية قد تتحول لقوة ردعية مستقبلا. لذلك، فالخطر الإيراني لا يمكن حصره في الاعتبارات الطائفية أو الدينية فقط، بل هو خطر كائن يجعل من هذه الدولة قوة إقليمية نافذة تتوفر على مؤهلات اقتصادية وسياسية واستراتيجية، لتترك الدول العربية السنية المتوجسة في حيرة من أمرها أمام دولة تسعى جاهدة إلى استرجاع أمجاد إرثها الفارسي عبر بوابة الشرق الأوسط. *طالبة باحثة بسلك الدكتوراه تخصص علوم سياسية – جامعة محمد الخامس كلية الحقوق أكدال