عندما وقف مارك زوكربيرك، مؤسس موقع "فايسبوك"، على بُعد خطوات مني داخل القاعة 216 بمجلس الشيوخ الأمريكي؛ قررت أن أتوكل على الله، وأتوجه إليه، وأهمس في أذنه برسالة اعتقدت أنها في غاية الخطورة والأهمية.. لكن وقبل ثوان من إقدامي على هذا الفعل الفاضح.. تأملت المكان والحضور، ثم قررت أن أنزوي بنفسي في أحد أركان القاعة، وأكتب رسالتي بهدوء قبل أن أتوجه نحو الشاب الثلاثيني وأبلغه فحواها. حاولت الاتصال بأبي في المغرب، لأطلب منه النصيحة في هذا الشأن، فتذكرت أنه مات رحمه الله. ثم قلت معي نفسي: -لا مفر منها.. إنها أمي، ستكون هي الأقدر على تسليحي بنصيحة يستوي فيها النصح بالدعوة الصادقة.. ثم تذكرت أنها ماتت رحمها الله هي كذلك.. نظرتُ إلى خلق الله من حولي عساني أرى بينهم من يسعفني بنصيحة أفك بها عقدة لساني وأنا أكلم هذا العقل المدبر لإمبراطورية "فايسبوك" العظيمة، فلم تقع عيني على أحد. يا إلهي، كيف أبدأ؟! وهل يجوز أن أخاطبه بلقب يليق به؟ أم أترفع قليلا حتى لا يحس بأنني أتوسل مودته أو أتملق له؟ ترددت قليلا ثم كتبت: نص الرسالة: المحاولة الأولى (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد سعيد الوافي بن محمد بن محمد إلى مارك زوكربريك بن...) ثم توقفت عن الكتابة، بعد أن تذكرت أنني لا أعرف اسم أبيه.. اقترب مني أحد الزملاء الصحافيين الأمريكيين.. فسألته عن اسم أب مارك زوكربيرك، مؤسس "فايسبوك".. فحملق في وجهي، وقال لي بلغة إنجليزية عامية: - What The F…?!! ما الذي يجعلك تبحث عن اسم أبيه بحق السماء؟ ربما هو نفسه لا يتذكره بعد ما شاهده اليوم من جموع جاءت تتدافع بغية التلذذ والتمتع برؤية وجهه الأصفر. - طيب شكرا.. شكرا.. لا يهم.. تنصلت من زميلي بأدب وهدوء، وعدت إلى رسالتي.. يجب عليّ أن أكتب بسرعة، قبل أن تبدأ الجلسة وتضيع عليّ فرصة إبلاغ رسالتي. نص الرسالة: المحاولة الثانية (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد سعيد الوافي الإنسان إلى مارك زوكربريك الإنسان .. أحييك بتحية الإسلام التي لا أعرف غيرها، فأقول لك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اعلم، يا سيد زوكربريك غفر الله لك، أنك سلبت البشرية راحتها وملكت على الشباب والشيب عواطفهم واستبدلت لهم حقائقهم وأصولهم وأسماءهم بعناوين وألقاب لا تمت إليهم بصلة وبمناصب وشواهد لا أصول لها ولا جذور.. اعلم، غفر الله لك، أنك قطعت أوصال حياتنا؛ فبتنا لا نعلم من نحن.. هل نحن ذلك الآخر الذي تخيلناه واخترنا له اسما جميلا يليق بمقام موقعك المثالي؟ أم نحن ذلك الأصل الذي يكتوي بنار غلاء الأسعار ووطأة الضرائب وجبروت أولياء أمورنا؟ لقد مللنا العيش باسمين وبعنوانين وبوظيفتين؛ فلا نحن نرضى بما كنا، ولا أنت بقادر على أن تحوّل أحلامنا إلى حقيقة.. السيد المحترم مارك زوكربيرك، مؤسس موقع "فايسبوك".. تقول لك السيدة السالكة.. واسمها في "الفايسبوك" حنونة البونبونة: إنه، وبسبب موقعك، فقد طلّقها زوجها الحقيقيّ، بعد أن اكتشف أنها متزوجة في فايسبوكك برجل أعمال ثريّ من دولة عربية شقيقة.. وإنها باتت لا ترضى أن يناديها سكان الحي باسم السالكة؛ لأنها كرهت هذا الاسم، بعد أن استمتعت باسم حنونة البونبونة.. وتقول لك السالكة: إنها لا تنام الليل من كثرة المعجبين بها كحنونة البونبونة وما أن تشرق شمس النهار حتى يخدش سمعها صوت الباعة وأصحاب الدكاكين ورواد المقهى، فتكتشف أنها مرغمة على العودة إلى السالكة بنت المحكوك؛ فلا الليل يطول ومعه يطول حلمها الجميل، ولا موقعك بقادر على فك عقدتها ونقلها من واقعها البئيس إلى حياة سطرتها في كلمات على صفحة هاتفها الجوال. كما تريد منك أن تؤكد لها أن الصور التي أرسلتها إلى زوجها الآخر لا توجد ضمن صفقة المعلومات التي باعتها شركتك إلى مؤسسة كامبريدج أناليتكا. أما ليلي الطويلة، واسمها في "الفايسبوك" موي طوطو الصحافية، فمشكلتها أعظم بكثير؛ لأنها في أمسّ الحاجة إلى شهادة منك تثبت أنها إعلامية متميزة وإلا فإن معجبيها الذين غررت بهم بسببك سوف ينفضوا من حولها وتظل وحيدة بلا صديق ولا رفيق.. وتؤكد لك أنها قررت أن ترفع ضدك قضية بتهمة بيع الأوهام.. وتقول لك العانس إنها صدقت بخطاب وأزواج يطرقون بابها... ويقول لك الطبال إنه اختار لنفسه في موقعك اسم الفنان الوسيم.. ويقول لك العشاب البسيط المحترم إنه وقع لنفسه دكتوراه في الصيدلة على موقعه.. ويقول لك الشعب إنه بات يصدق بأنك أنت المسيح الدجال بل وكأنك علامة من علامات الساعة.. ويقول لك الديوت إن موقعك حوّله إلى مصلح اجتماعي وتحفة نادرة.. ويقول لك الضعفاء لقد تخيلوك مرشدهم نحو الخلاص، فمن هم ومن هؤلاء ومن أنت؟ ويقول لك طلبة الجامعات إنهم يتنافسون لجمع علامات الإعجاب ليس في الكلية ولكن في موقعك.. فمن هم؟ ومن نحن؟ وهل أنت أنت؟ أم أنت ذاك الذي رسم لهم الدنيا بلون أزرق؟ فاعجبوا بالصورة وربحت أنت المليارات ثم نشرت غسيلهم في مزاد انتخابي زهيد). أكملت كتابة رسالتي وخطوت نحو السيد مارك، فهالني منظره وهو يقاوم الجموع لكي يفوز بجرعة هواء تمنعه من الاختناق.. اقتربت منه وهمست في أذنه.. هالو مستر مارك.. عند لك رسالة.. أريدك أن تسمعها.. فأجابني: – هل عندك صفحة على "الفايسبوك"؟ قلت له: نعم.. فاقترح عليّ أن أنشرها في صفحتي ثم أعمل معه شير.. أو طاغ.. أو جيم.. أو قلب أحمر أو وجه مبتسم أصفر أو.. أو.. ووعدني أنه سوف يسجل إعجابه حتى لا تنتهي الرسالة.