الشريعة عند المثقف العربي والغربي تتلخص في أمرين اثنيين هما: تطبيق الحدود، وميراث المرأة، وخاصة قوله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين"، إذا كان هذا هو المثقف في للشريعة، فهذا المفهوم عرف تحريفا آخر من طرف عموم الناس؛ إذ أصبح شائعا عند كثير من المسلمين أن الشريعة والالتزام بشرع الله إنما هو أداء للصلاة، وصيام شهر في العام، وحج بيت الله الحرام، وما سوى ذلك فلا دخل للشرع فيه. إن مفهوم الشريعة انحرف عند كثير من المسلمين اليوم؛ إذ أصبح يعتقد أن الشريعة هي التوجه إلى الله ربا ومعبودا، والاستكبار عن نهجه في أمور الحياة، فالشريعة هي مزاج شخصي لا دخل له بأمور الحياة العملية، ولا دخل لها في مجالات الحياة الحيوية كالسياسية والاقتصاد والاجتماع والفكر والعلم والأدب والطب والفن... هذا التجزيئ لمفهوم الشريعة عند عدد من المسلمين أظنه يماثل التضييق والتقزيم والحيف الذي تعرض له من قبل الغرب. على المسلمين أن يعلموا أن الاسلام دين استوعب الحياة كلها بتشريعاته، فنظم علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقة الناس بعضهم ببعض، أفرادا وجماعات. إن مدلول الشريعة واسع؛ فالشريعة كلمة تتناول الشعائر التعبدية التي تعرف باسم العبادات، وتشمل العمل القلبي، والسلوك العملي، وليس المراد بالشريعة التي أمرنا باتباعها الشعائر التعبدية فقط، كما هو المفهوم السائد اليوم، بل الأمر أشمل وأوسع من ذلك. إن الدين الحق لا يمكن ابتداء أن يكون عقيدة مفصولة عن الشريعة؛ فالالتزام بالشريعة–فى دين الله الحق–هو مقتضى العقيدة ذاتها. مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ بحيث لا تكون الشهادة صحيحة وقائمة إن لم تؤد عند صاحبها هذا المعنى، وهو الالتزام بما جاء من عند الله في سائر أمور الحياة. لقد انحرف هذا المفهوم عند الناس، وانتقلنا من مرحلة الجهل بالمعرفة بعدما كان الإنسان جاهلا لهذه المفاهيم، إلى فترة أخطر وأمر وهي مرحلة المعرفة الجاهلة، ومقتضاها امتلاك الناس لعدد من المفاهيم المشوهة الصادرة من مصانع الغرب، المسوقة من طرف الإعلام كما يشتهي العم سام. فهذا التحريف الذي لحق هذا المفهوم شبيه بالتحريف الذي أدخلته الكنيسة والمجامع المقدسة على دين الله المنزل؛ وذلك بعزل العقيدة عن الشريعة واتخاذ الدين عقيدة فقط، وترك القانون الروماني يحكم الحياة. إن الدين المنزل من عند الله كان دائماً عقيدة وشريعة في الوقت ذاته: عقيدة في الله الواحد الفرد الصمد، الذي لا شريك له ولا ولد، وتنظيمات تنظم حياة الناس في الأرض فى إطار أوامر الله ونواهيه، إن الدين يأتى لإصلاح الأرض وإقامة حياة الناس بالقسط. ومن سمات هذه الشريعة أنها تقوم على العدل، لأن الله –سبحانه – ليست له مصلحة ذاتية يطلبها من وراء تلك الشريعة، وهو الغني الحميد، ثم شريعة تتسم بالرشد، لأن منزلها – سبحانه – هو اللطيف الخبير، الذي يعلم حقيقة النفس البشرية التي خلقها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} سورة الملك. فهذه معركة جديدة فتحت أبوابها تجاه علماء الأمة، وهي معركة المفاهيم المغلوطة... فبعد مفهومي الإرهاب والحداثة، وغيرهما من المفاهيم، توغل العدو إلى مصطلحات جوهرية في ديننا من قبيل الشريعة، وأفرغها من محتواها ثم أخرجها للناس، ولكن أكثرهم لايعلمون...