يبدو أن التصعيد السياسي و الدبلوماسي و أسلوب إدارة الأزمات الهجومي الذي اتبعته حكومة السي ( عباس الفاسي ) الاستقلالية المطعمة بالاشتراكيين في المغرب قد رسم بدايات صعبة لخطوات حكومة تحاول قيادة المغرب في أصعب فترة تحول تاريخية يعيشها هذا البلد الذي حقق في عقد من الزمن خطوات تحول متسارعة غيرت من معالم التجربة السياسية وأنتجت واقعا حركيا متميزا على المستويات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية ، وفي ظل سلطة مستقرة رغم كل عوامل الاضطراب المحيطة بالوضعين الإقليمي والدولي . "" ولعل تدهور ملف التوصل لحل حاسم في قضية الصحراء المغربية يظل بمثابة المفتاح السحري في تجدد الأزمة السياسية الداخلية التي أعقبت تصعيد النزاع التاريخي مع أسبانيا بشأن ملف الجيبين الشماليين ( سبتة و مليلية ) و الذي يبدو إن إقدام الحكومة الاستقلالية على فتح ملفيهما قد أدى بالضرورة وبحكم المصالح لفتح الملف الصحراوي المجمد من جديد و فتح كل الجروح خصوصا بعد إنعقاد مؤتمر جبهة البوليساريو في منطقة ( تيفاريني ) الصحراوية المنزوعة السلاح والذي خلف تداعيات صعبة انعكست مؤثراتها الخارجية سلبيا من خلال سحب الرباط لسفيرها في السنغال على ضوء موقف الحزب الإشتراكي السنغالي المعارض المؤيد لمواقف البوليساريو والذي اعتبرته الدبلوماسية المغربية عملا عدائيا سنغاليا ضد السيادة المغربية!! وهو تصرف اتسم بالاستعجال و الخفة و عدم الرزانة ، فالحزب الإشتراكي السنغالي يمثل المعارضة و ليس الحكومة و لا يجوز أخذ آراء المعارضين و إعتبارها مواقف رسمية!! وهو درس خائب في الفن الدبلوماسي لا أدري كيف أن الدبلوماسية المغربية العريقة إنساقت إليه رغم التجارب التاريخية الثقيلة التي تمتلكها تلك الدبلوماسية! فمن الواضح أن تهديدات البوليساريو بإعادة إنتهاج أسلوب حرب العصابات لا يعبر عن حقيقة ميدانية بقدر ما يعبر عن تهديدات لفظية في ضوء عملية تشابك الملفات الإقليمية و أصابع مدريد ليست ببعيدة عن ما يحصل في الصحراء المغربية التي لا يمتلك المغرب الرسمي أي حل لها أبعد من حل الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه الملك محمد السادس و الذي يمثل السقف الأعلى لأي تنازل مغربي و هو بمثابة خط أحمر مغربي لايمكن الذهاب لما ورائه لأنه يعني بصراحة الكارثة الحقيقية . فالمغرب و منذ عام 1975 رسم خطوط الإرتباط الأبدي بالصحراء و كل المشاريع و الإنجازات التي خطتها الإدارة المغربية هناك لا يمكن أن تضيع هباءا ثم أن موقف الصحراويين و قبائلهم لا ينسجم بالمطلق مع مواقف جبهة البوليساريو و لا زعيمها السيد محمد عبد العزيز المراكشي الذي يمثل الجيل القديم من القادة الثوريين الذين لا زالوا يعيشون على أنغام الصراعات و الشعارات القديمة و الأصابع الأسبانية التي تعزف اليوم اللحن الصحراوي و تشرب حليب الناقة لا يمكن أن تكون بديلا عن الحضن المغربي الدافيء ، و عودة الحرب العسكرية العنيفة في الصحراء هي اليوم مجرد أحلام لا تساندها وقائع ميدانية ، فالإتحاد السوفياتي لم يعد موجودا و كوبا المترنحة بزعيمها السائر في طريق الإنقراض ليست هي كوبا السبعينيات التي كانت أياديها الطويلة تمتد لأنغولا و موزمبيق و الجزائر و الصحراء المغربية ، فالعالم قد تغير و أسس الصراع و منطلقاته قد تغيرت هي الأخرى ، و أقصى إحتمال للتصعيد الذي قد يحدث في الصحراء لا يثير سوى الإزعاج و ليس الرعب ، صحيح أن الإقتصاد المغربي يعيش تحولات بنيوية في ظل تصاعد الغلاء و إرتفاع أسعار الخدمات و السلع و تكاليف الحياة وهو ما يلقي بكلكله على القطاع الأكبر من المغاربة إلا أن الوضعية تظل في المستوى المقبول و المحتمل خصوصا و إن إدارة الصراع الدولي الراهن لا تسمح أبدا بإندلاع نزاع عسكري شامل في الصحراء ، كل التهديدات لا تعبر سوى عن مواقف نفسية و رجع صدى لأدوار دول أخرى في المنطقة يهمها كثيرا خلط الأوراق و إستعمال أدوات الضغط ، و يبقى الحل السياسي ضمن إطار المفاوضات الأممية من خلال المظلة الدولية أو التفاوض المباشر هو الحل الأنجع و الأسلم لحل معضلة و معاناة إنسانية طالت أكثر مما ينبغي و آن آوان تصفيتها نهائيا ، وفي جميع الأحوال فقد أثبتت الدبلوماسية المغربية بأنها ليست بمستوى الإرادة الملكية أو الطموح الملكي الذي يظل أرفع شأنا و أعلى قدرا من المستوى الضعيف الذي ظهرت به ، فملف الصحراء التاريخي بحاجة لإرادة حديدية لا تعرف الكلل و لهجمة دبلوماسية راقية و متقدمة يبدو أن الحكومة المغربية الحالية لم تتوصل لحل معادلاتها بعد...!.