يبدو العرض السياسي الحالي لحزب الاستقلال مؤصلا وعميقا، من الناحية العلمية والنظرية؛ لكنه - في نظري المتواضع- ما زال باهتا وهزيلا من ناحية الممارسة والعمل الميداني والتنظيمي، خاصة على المستويات المحلية والجهوية. وهذا أمر يضع الاستقلاليين في الامتحان.. ملاحظات من روح النقد الذاتي يواجه الاستقلاليون، اليوم، تحديا كبيرا يتعلق بإثبات وجودهم الفعلي داخل المشهد السياسي المغربي من جديد؛ لأن الوضع الحالي لحزبهم وللأحزاب المغربية عموما صار مشوها وضبابيا وموصوفا بالفشل والجمود من لدن عامة الشعب، أولئك الذين كثرت انشغالاتهم وتبعثرت نواياهم وإراداتهم بشكل معقد وصعب التفكيك... وقد أصبحت الأحزاب المغربية، بكل تلويناتها، تنعت اليوم بالدكاكين السياسية والمحلات التجارية التي لا تخدم المصلحة العامة بقدر ما تخدم مصالح فئة معينة من الأشخاص النافذين بأشكال شتى غالبها يرتبط بسلطة المال أو سلطة الجاه.. هذا الواقع أضحى معجزا ومعيقا للدور الأساسي المنوط بتلك الأحزاب ألا وهو الوساطة في تدبير الشأن العام بتفويض من الشعب عبر مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والترابية، ومن خلال ذلك أضحت البنية العامة للدولة مختلة وأصبح المواطن فاقدا للثقة في مؤسساتها.. إن الاستقلاليين اليوم مطالبون مثلهم مثل غيرهم من المنتمين إلى الأحزاب السياسية المغربية بإعادة الثقة في العمل الحزبي النبيل المبني على الوضوح في الوسائل والغايات العامة المحققة لتنمية البلاد، وهذا أمر لا تكفيه شعارات رنانة عابرة في ندوات خاصة أو عامة أو في محطات تنظيمية شكلية أو في صيحات انهزامية أو انتصارية لسياق انتخابي معين.. هذا الأمر يتطلب نهضة حقيقية تمس ذهنية المناضل الاستقلالي، وتجعل منه كائنا سياسيا حقيقيا وفاعلا وقادرا على طرح آرائه بكل جرأة وحرية ممكنة فيما يدور ويجول في حزبه وفي بلده وعلى اتخاذ المواقف التي يختارها بتحرر من التصنيفات الجاهزة الموسومة بالتبعية ل"فلان" صاحب المال أو ل"فرتلان" صاحب الجاه أو سمسار "فلان" أو مخبر "فرتلان"... إن المعركة الحقيقية التي يجب على المناضل الاستقلالي الانتصار فيها اليوم – فرديا- قبل الادعاء بقدرته على المساهمة والوساطة في تمثيل الشعب والإجابة عن انشغالات أفراده هي امتلاكه القدرة والحق في التعبير عن أفكاره والجهر بها والدفاع عنها ما دام مقتنعا بها في كل لحظة حزبية أو حياتية دون أن يصنفه الآخر بالتبعية العمياء ل"فلان" أو "فرتلان"، فهي معركة الأفكار والمواقف في مواجهة أنانية الأشخاص وحاجاتهم الخاصة.. فعندما يصبح للفكرة تأثير أكبر من الشخص في حزب الاستقلال وفي كل الأحزاب السياسية المغربية، وعندما يتحرر انتماؤنا الفعلي إلى الأحزاب من التبعية والخوف والتخوف من المبادرة والاجتهاد، حينها سوف يكون لنا مستقبل جدير بالافتخار.