قال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني إن الخلاف بين المندوبية السامية للتخطيط وبين الحكومة حول أرقام سوق الشغل في المملكة "يدل على أن المصداقية في المرجعيات الإحصائية مفقودة"، وأن هذا التباين والتضارب في الأرقام "نابع من أسباب سياسية والخوف من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المقلقة بالبلاد". وكان أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، قد صرح بأنه طلب لقاءً مع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، لاطلاعه على "الاختلالات الكامنة" وراء الأرقام التي أعلنتها وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصادي الرقمي مؤخراً. ورغم أن الحليمي دافع عن الأرقام الصادرة عن مؤسسته وأكد أن "الإحصائيات عملية جادة تتطلب الخبرة والانضباط لمعايير دولية تعرف تطورات مستمرة يجب مواكبتها"، أشار عمر الكتاني، في تصريح لهسبريس، إلى أن "المندوبية بدورها سبق أن وقعت في خلاف حاد مع مؤسسة البنك الدولي حول أرقام البطالة؛ إذ صرحت بوجود مليون عاطل بينما أكدت المؤسسة المالية العالمية أن الرقم يصل إلى ثلاثة ملايين". ويرى الخبير الاقتصادي أن أرقام التشغيل بالمغرب تُشكل للمسؤولين في الدولة حساسية كبيرة؛ "وذلك بسبب الخوف من إعطاء معطيات قد تمس بالتوازنات الاجتماعية وتؤثر على الشركاء الاقتصاديين وجلب الاستثمارات". وزاد الكتاني مُوضحاً: "عندما تكشف المؤسسات الدولية أرقاماً مغايرة عن أرقام المؤسسات الوطنية ويقر الملك محمد السادس بأن النموذج التنموي فاشل، فلا شك في أن الوضع أكثر بكثير من هذه الأرقام التي يتم تقديمها بين الفينة والأخرى، وأن فكرة العام زين لا تخدم المصلحة العليا للوطن". وبعد أن أكد أن التشغيل يعد أحد المشاكل الكبرى المسجلة الآن في المغرب، دعا الباحث في الشؤون الاقتصادية الحكومة إلى القيام بإصلاحات جذرية وتعبة جماعية لإعادة النظر في كل التوجهات الاقتصادية والعادات الاستهلاكية. وأوضح الكتاني في تصريحه أن المرور إلى هذه المرحلة "يتطلب قراراً سياسياً من أعلى السلطات في البلاد، لأن بعض اللوبيات الاقتصادية غير مستعدة للمشاركة في هذا المسلسل بفضل تعودها على اقتصاد الريع والامتيازات". سياسة الحكومة، بحسب المصدر ذاته، "يجب أن تتوجه اليوم إلى القطاعات الاجتماعية، من قبيل التعليم والصحة وبناء السكن الاقتصادي والاستثمار في النقل والمواصلات، وتوفير مشاريع اجتماعية تراعي خصوصية كل منطقة على حدة". وللقيام بهذه القفزة النوعية في مجال التشغيل، شدد أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط على أن "الحكومة يجب أن تكون قوية ومدعومة من قبل الملك محمد السادس ومن السلطات المحلية والعمال والولاة بمختلف أقاليم وجهات المملكة، لأن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي ونموذج آخر يُريده عاهل البلاد". يشار إلى أن الجدل بين الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط تجدد بسبب الأرقام التي قدمها مولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة، أمام المجلس الحكومي الأسبوع الماضي، موردا أن قطاع الصناعة خلق 46 ألف منصب شغل صاف في العام الماضي، فيما أرقام المندوبية أشارت في السابق إلى أن الرقم لا يتجاوز 7000 منصب شغل. وأوضحت وزارة الصناعة والتجارة أن هذه الإحصائيات الخاصة بالتشغيل في القطاع الصناعي استقتها اعتماداً على أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.