لا يزال فن نحت التماثيل يقاوم الزمن في أسواق مدينة تارودانت القديمة؛ لكن يبقى حضوره على المستوى الوطني ضعيفاً، ويقتصر ممتهنوه على بعض المدن، منها آسفي والصويرة وتارودانت وأكادير. داخل سوق تارودانت القديمة، الممتد على مساحة شاسعة، يجلس العربي الهار، أحد النحاتين المعروفين في المنطقة، داخل محله ينحت فيه يومياً العشرات من التماثيل، الصغيرة والكبيرة، ذات الأوجه والتعابير والأشكال المختلفة. ولا تنتشر هذه الحرفة في المغرب كثيراً؛ لكن أهل تارودانت يعرفونها جيدًا، فقد كان اليهود المغاربة أول من بدأ النحت في نواحي تارودانت على حجر الكلس والرخام والألباستر، قبل عقود من الزمن، وورثها الحرفيون هناك عنهم. ويظل حضور النحت في المغرب ضعيفاً مقارنة مع بقية الفنون، ونادراً ما تنظم معارض خاصة بالفنانين في مجال النحت. ولعل ذلك الحضور الضعيف مرتبط بدافع الخلفية الدينية التي تحرم التماثيل، وهذا ما يتجلى في خلو أغلب البيوت المغربية منها. بدأ العربي الهار حرفة نحت التماثيل في سن مبكرة، كان عمره حينها لا يتجاوز عشر سنوات حين تعلم أولى تقنيات النحت، وبقي وفياً لشغفه الطفولي لعقود من الزمن؛ حتى بات، اليوم، معروفاً في منطقة تارودانت ضمن النحاتين المعدودين على رؤوس الأصابع. خصوصية فن النحت تكمن في كون جل مراحلها تعتمد على اليد، بالاستعانة بآليات تقليدية، وتبقى حرفة فردية تحتاج إلى الكثير من الدقة والصبر والإلهام؛ فكثيراً ما تكون التماثيل التي تصنعها يده مرتبطة بالتقاليد المحلية الأمازيغية، والتاريخ والدين، إضافة إلى الرموز الإفريقية، وكثير من أعماله تدخل ضمن الفن التجريدي. كل من يقبل على العربي في محله يستقبله بابتسامة عريضة، لا يعارض تصوير ما يعج به المكان الضيق، فعلى باب محله توجد لوحة ترحيب بالإنجليزية، وينخرط بتلقائية في عملية النحت باستعمال آلية تقليدية ويبدأ في شرح أطوار عملية النحت بدون طلب. يقول الهار، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هذه صنعة ورثتها عن أجدادي؛ لكن أصلها يعود إلى اليهود، تعلمتها في حدود 1969 – 1970.. ومنذ ذلك التاريخ، وأنا أعمل في النحت، حيث أحصل على حجر الكلس من الجبال القريبة". يصنع ابن تارودانت تماثيل تقليدية وعصرية يبلغ عددها سنوياً الآلاف، ويتلقى أيضاً طلبات خاصة، ويوجد المغاربة من ضمن زبنائه. كما يلفت محله انتباه السياح الأجانب، الذين يقبلون على مدينة تارودانت المعروفة بحرفها التقليدية وأسوارها القديمة. وأشار النحات المغربي إلى أن "تماثيله غالباً ما تصور النساء، خصوصاً الأمازيغيات قديماً. كما أصنع تماثيل عبارة عن مجموعة من الأفراد، إضافة إلى الأقنعة التي يعتقد أنها تذهب العين والحسد، إضافة إلى تماثيل الحيوانات المختلفة". وخلال السنوات الماضية، لم تفلح مساعي المجتمع المدني من أجل إشعاع هذا الفن بتارودانت، حيث احتضنت الملتقى الدولي لفن النحت في نسخته الخامسة سنة 2011 بمشاركة الفنانة المغربية المعروفة إكرام القباج رفقة جمعية "أرت بوان"؛ لكن لم يستمر هذا النشاط منذ تلك الفترة. ويشير سفيان بنحمد، الفاعل الجمعوي بالمدينة، في حديث لهسبريس، إلى أن إقبال المغاربة على هذا الفن يبقى ضعيفاً بسبب اعتبار التماثيل تدخل ضمن الأصنام التي يحرمها الدين الإسلامي، وأضاف أن عدد النحاتين حالياً في تارودانت لا يتجاوز الخمسة. وكان قد شارك في الملتقى الدولي للنحت في مدينة تارودانت سنة 2011 فنانون معروفون في فن النحت من مختلف بلدان العالم، خصوصاً تركيا واليونان وبلجيكا وإيطاليا ومصر. وكان الملتقى مناسبة لتبادل التجارب مع النحاتين المغاربة، المنتشرين في مدن تارودانت والصويرة وتطوان وأكادير. وكما لا يقبل المغاربة على المنحوتات والتماثيل، لا تحبذ السلطات هذا الفن. وهذا يتجلى، حسب بنحمد، في غياب منحوتات في المدن المغربية؛ فقد قال الفاعل الجمعوي إن جمعية "آرت بوان" واجهت عراقيل عدة من أجل إنجاز مشاريع في هذا الصدد في مدينة تارودانت.