بعد أن عرض وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد كولومب مشروع قانون حول اللجوء والهجرة، والمعروف باسم: " مشروع قانون الهجرة المنضبطة وحق اللجوء الفعال"، على مجلس الوزراء؛ سيتم طرحه بحلول شهر أبريل على البرلمان في صيغته النهائية لمناقشة بنوده؛ ويأتي مشروع هذا القانون، بعد قانون حق الأجانب في عام 2016، وإصلاح نظام اللجوء في عام 2015. يواجه مشروع القانون الجديد انتقادات عديدة وواسعة من مختلف مكونات اليسار الفرنسي الذي وصفته بالقانون اللاإنساني، واعتبرته ماكينة لترحيل المهاجرين، وبالتالي فهو يُسجل تراجعاً واضحاً عن الحقوق، لأنه يهدد مقومات دولة حقوق الانسان. كما اعتبر اليسار الفرنسي وزير الداخلية الفرنسي الحالي جيرارد كولومب بأنه ينتهج سياسة أكثر تشدداً من سياسة نيكولا ساركوزي حين كان على رأس الداخلية، والذي سعى إلى تطبيق ما يعرف بمبدأ "الهجرة المختارة" والقبول بذوي الكفاءات بما فيهم أولئك الذين كانوا في وضع غير قانوني. لكن مع الوزير الحالي جيرارد كولومب ، أصبح التشدد هو سيد الموقف، إذ يتضح أن هناك عملية تشديد في الاجراءات المتعلقة بالحصول على بطاقة الإقامة بما في ذلك طلبات اللجوء، ويتضمن مشروع القانون عقوبات قاسية لمن يدخل الحدود الفرنسية بطرق غير شرعية. وقد اعتبرت الجمعيات والهيئات التي تعنى بملفات المهاجرين والمنظمات الحقوقية والنقابية، أن نص مشروع القانون صارم وغير متوازن على الاطلاق، وأنه يسعى إلى الرغبة في الردع والفرز. إضافةً إلى مجموعة من الانتقادات الأخرى، خاصةً تلك المتعلقة بالتدابير التي تحد من إمكانيات الاستئناف. وقد أثار هذا المشروع جدلاً وسجالاً حتى داخل غالبية الرئيس إيمانويل ماكرون؛ حيث اعتبره البعض قاسي وقمعي، مما جعل النائب البرلماني جان ميشال كليمان وهو ضمن الفريق البرلماني للأغلبية الرئاسية "الجمهورية إلى الأمام"، يُعبر عن امتعاضه الشديد من مشروع القانون ، وهو يتحدث داخل الجمعية الوطنية بأن : " الأكثر ضُعفاً هم من سيعاقبون. ليس من المحظور إضافة لمسات إنسانية إلى نص القانون". وقد يؤدي هذا الاختلاف حول نص مشروع القانون، إلى انقسامات داخل الأغلبية البرلمانية التابعة للرئيس؛ مما قد تدفع بإيمانويل ماكرون، باللجوء إلى استخدام الفصل 3/49 من الدستور الفرنسي 1958، الذي يتيح للحكومة تبني مشروع قانون بالقوة، دون اللجوء إلى موافقة البرلمان، والتصويت عليه، حفاظاً على وحدة صف الأغلبية المتمثلة في حزب "الجمهورية إلى الأمام"، والمكونة من شتات اليسار واليمين والوسط. وكان رئيس الوزراء إدوار فيليب قد دافع عن النص مؤكدا أنه "يندرج في سياق أوسع هو سياق سياستنا للهجرة واللجوء" التي "تقوم على مبدئين هما الإنسانية والفاعلية". كما وصف وزير الداخلية الفرنسي جيرارد كولومب، نص المشروع بأنه "متوازن تماما" و"منسجم مع القانون الأوروبي"، ولا يزال "أقل بكثير من الإجراءات التي تم اتخاذها" في دول مثل المانيا وإيطاليا والسويد. وسعى جيرارد كولومب خلال مختلف المناسبات والمحطات على توضيح الأهداف الثلاثة الرئيسية " لمشروع قانون الهجرة المنضبطة وحق اللجوء الفعال"، وهي: 1) تشديد حماية عدد معين من الأشخاص ومنحهم الأولوية بحكم المخاطر المحدقة بهم، على سبيل المثال، الأشخاص المعرضون إلى عقوبة الإعدام أو التعذيب في وطنهم. 2) التقارب بين الإجراءات الفرنسية والحقوق والممارسات الأوروبية. 3) تكييف القانون الفرنسي مع الواقع. ويتضمن مشروع قانون الهجرة المنضبطة وحق اللجوء الفعال" خمسة محاور تهدف إلى ضبط الهجرة وتطوير مراكز اللجوء، حيث ستعمد السلطات إلى إنشاء 7500 مركز جديد، والتصدي للهجرة غير القانونية والعمل على جذب الكفاءات. كما يهدف إلى تقليص المدة اللازمة لدراسة طلب اللجوء إلى ستة أشهر، وإلى تسهيل عملية الترحيل إلى الحدود بالنسبة للمهاجرين الذين تم رفض طلب إقامتهم ، وزيادة مدة الاحتجاز القصوى إلى تسعين يوما (وصولا إلى 135 يوماً في حال الاعتراض) لتقريب التشريعات الفرنسية من معدل القانون الأوروبي الذى يتيح تحديد مهلة بين 6 و18 شهراً. ومن النقاط الأكثر إثارة للجدل التي يحتوي عليها مشروع قانون الهجرة الجديد، كالتالي: 90 يوماً عوض 120 يوماً لتسليم ملف طلب اللجوء: إذن مشروع القانون الجديد يحد من الزمن ويجعله ضئيلاً؛ إذ يجد طالب اللجوء نفسه في سباقٍ مع الزمن، فعوض أربعة شهور لإرسال طلبه.، أصبحت ثلاثة شهور. أسبوعين عوض شهر من أجل تقديم الطعن: في حالة ما إذا تم رفض طلب اللجوء من المصلحة المختصة، فإن المعني مضطر لتقديم الطعن في القرار في غضون أسبوعين بدل شهر. ومن أجل الحصول على موعد مع المصلحة المختصة بالبت في طلبات الإقامة، لا يمكن الحصول على الموعد قبل مرور شهر على أقل تقدير، وهنا مربط الفرس. زيادة مدة الاحتجاز الإداري من 45 يوماً إلى 90 يوماً وحتى 115 يوماً: وهذا سيتيح للحكومة الزيادة في عدد المرحَلين بأكثر من الضعف، نظراً لتمديد مدة الاحتجاز. 24 ساعة فترة الاحتجاز الإداري للتحقق من الإقامة القانونية: وهذا الأمر سيخول للشرطة مزيداً من الصلاحيات ويعززها، حتى تسمح لهم بملاحقة المهاجرين في وضع غير قانوني بسهولة أكبر؛ كما يحق للسلطات الفرنسية أن تحتجز الأجنبي 24 ساعة بدلا من 16 الساعة، وذلك من أجل التحقق من إقامته بشكل قانوني. لكن في المقابل، يرى اليمين الفرنسي والمتمثل على الأخص في "الجمهوريين" ، برئاسة لوران فوكييه ؛ واليمين المتطرف والمتمثل في "الجهة الوطنية"، التي سيصبح "التجمع الوطني" حسب رغبة زعيمته مارين لوبين، على أن نص مشروع القانون الجديد هو جد متساهل، ولا يرقى إلى انتظارات الشعب الفرنسي. وفي هذا الصدد قال النائب غيوم لاريفيه، عن حزب "الجمهوريون"، إنه يتضمن "تصحيحات تكنوقراطية صغيرة" لكنه لا يلحظ "التحول الضروري في سياسة الهجرة". هكذا بات المجتمع الفرنسي منقسماً أمام نص مشروع قانون يراه البعض شديد التساهل فيما ينعته البعض الآخر بالتشدد، فيما وصفته الحكومة في منزلة بين المنزلتين، إذ اعتبرته على أنه نص متوازن. *باحث في سلك الدكتوراه.