بوتيرة متصاعدة يتحدث مسؤولون مصريون عن بديل محلي محتمل لموقع "فيسبوك" العالمي للتواصل الاجتماعي؛ لأسباب منها "الحد من الجرائم الإلكترونية"، و"حجب الأفكار المتطرفة"، و"القضاء على تضليل الرأي العام"، في مقابل تخوفات من المساس بفضاء الحريات وحدوث تصادم مع التطور التقني. فقبل أيام أعلنت السلطات المصرية عن قرب إطلاق "فيسبوك مصري"، غير أن خبيرا في أمن المعلومات شكك، في حديث للأناضول، في قدرة السلطات على السيطرة على الفضاء الإلكتروني، بينما اعتبر سياسي مصري طرح "فيسبوك" محلي "رسالة تمس الحريات". إقبال متزايد تجربة الصين هي الأبرز في حجب موقع "فيسبوك"، منذ عام 2009، وإنشاء مواقع اجتماعية خاصة بها، بعيدًا عن تلك المعروفة عالميًا. بينما تحجب كوريا الشمالية وحكومات عدة شبكة الإنترنت بشكل دائم أو مؤقت، لا سيما خلال فترات العنف المجتمعي والانتفاضات الشعبية أو لأبعاد دولية. وتشهد مصر زيادة لافتة في أعداد مستخدمي منصات التواصل، وفي مقدمتها "فيسبوك"، حيث بلغت نسبة مستخدميه نحو 88.6 % بين الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 عاما، وفق إحصاء حكومي. وتفيد إحصاءات غير رسمية ببلوغ عدد مستخدمي "فيسبوك" في مصر عامة نحو 34 مليون، أي حوالي 37 % من عدد السكان البالغ 94 مليون نسمة داخل البلاد. ونهاية يونيو 2017، أعلن مارك زوكربيرغ، مؤسس "فيسبوك"، أن عدد مستخدمي الموقع بلغ ملياري شخص، أي نحو ربع سكان العالم، البالغ عددهم 7.5 مليارات نسمة. ** حماية استقرار الدولة في 12 مارس الجاري، أعلن وزير الاتصالات المصري، ياسر القاضي، في تصريحات صحفية، عن قرب تدشين بلاده "فيسبوك" خاص بها. القاضي تحدث، في تصريحات صحفية، عن طرح بلاده "برامج أخرى (لم يحددها)" كي "يكون لديها القدرة على حماية بيانات المواطنين وحماية استقرار الدولة"، دون تفاصيل. وتطرق الوزير إلى "انتهاء السلطات من مشروع جرائم المعلومات الإلكترونية لمكافحة الإرهاب، والذي يستهدف تقنين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعتبر منابر لنشر الفكر المتطرف". وقال إنه "بعد ثورة 25 يناير (كانون ثان 2011) تمكنت جماعات متطرفة (لم يسمها) من استقطاب أصحاب الفكر غير السوي، عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة". بلا تضييق على الحريات مؤخرا، وافق مجلس الوزراء المصري على قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتمت إحالته إلى مجلس النواب (البرلمان) لمناقشته وإقراره. وكشف النائب أحمد بدوي، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في البرلمان، عن أن مصر ستبدأ بحث آليات تنفيذ وإنشاء "فيسبوك" مصري، عقب إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تجرى داخل البلاد أيام 26 و27 و28 مارس الجاري. وشدد بدوي، في تصريحات صحفية، على امتلاك المصريين القدرة على تنفيذ وتطبيق الفكرة، دون تفاصيل. وحول احتمال إغلاق موقع "فيسبوك" العالمي، حال إقرار وتطبيق "فيسبوك مصري"، قال بدوي، إن الأمر "محل دراسة، ولم يتم البت فيه حتى الآن"، مشددًا على الالتزام ب"عدم التضييق على الحريات". وفي أواخر 2017، تقدم نواب مصريون بمشروع قانون لإنشاء "فيسبوك" محلي يتم تسجيل الدخول فيه ببطاقات الرقم القومي (الهوية)، بهدف الحدّ من إنشاء حسابات وهمية تضلل الرأي العام، وتضر بالأمن القومي، وفق المشروع. ويتواصل هذا الطرح منذ سنوات، وخاصة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك (1981: 2011)، حيث كان موقعا "فيسبوك" و"تويتر" في صدارة وسائل الحشد والتأييد لها. كما كان "فيسبوك" فاعلاً في الأحداث التي تلت الثورة، وعبره سعى مختلف الأطراف المتصارعة في البلاد إلى تجييش حلفاء، فضلاً عن تدشين كل منهم ما عُرف إعلاميًا ب"كتائب إلكترونية"، وهي مجموعات افتراضية تستهدف الدفاع عن مصالح أطراف ضد أخرى. ونهاية فبراير الماضي، أصدر النائب العام المصري، نبيل صادق، قرارًا ب"متابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، في ضوء "ما تلاحظ مؤخرًا من محاولة قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن". رسائل تخويف الإعلان عن مشروع تدشين "فيسبوك" محلي أثار انتقادات ومخاوف بين قطاعات من المصريين. السياسي المصري، مجدي حمدان، نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية (ليبرالي)، وضع هذا الطرح الرسمي ضمن "رسائل التخويف وإشغال الرأي العام بقضية فرعية بعيدًا عن الأزمات والوعود التي لم تتحقق". وقال حمدان، في حديث للأناضول، إنه "من الصعب اتخاذ هذه الخطوة؛ بسبب أمور فنية ومالية كثيرة". وتوقع توجه المدونين إلى "تويتر" و"سناب شات"، وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، حال أقرت بلاده تطبيق فيسبوك محلي، وإغلاق الموقع العالمي. واعتبر حمدان أن "الدولة تعلم تمامًا أن ذلك الطرح مقدر له عدم النجاح قبل أن تبدأ فيه بصورة فعلية". لسنا كوريا الشمالية مستنكرة هذه الفكرة بشدة، قال الإعلامي المصري المقرب من النظام الحاكم، عمرو أديب، إن "مصر ليست كوريا الشمالية، كل حاجة تضايقها تحجبها". ودعا أديب، عبر برنامجه المذاع بفضائية مصرية خاصة، مؤخرًا، إلى تقويم أداء وسائل التواصل، بدلاً من إغلاق "فيسبوك". وسخر مما قال إنه "ضعف سرعة الإنترنت داخل مصر"، بالتزامن مع طرح فكرة تدشين موقع محلي مماثل، مشددًا على "فيسبوك أصبح أسلوب حياة للمصريين". غير أنه أشار إلى أن حديث مجلس النواب عن كون الأمر محل دراسة يأتي في إطار سعي جدي للتنفيذ. وحذَّر أديب من أن تنفيذ القرار "سيجعل من مصر أضحوكة أمام العالم"، متسائلا باستنكار: "ماذا سنفعل تجاه مواقع تويتر وإنستغرام (؟)". نضال الإنترنت في إحصائية حول مؤشر حرية الإنترنت، قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (غير حكومية/ مقرها القاهرة)، أكتوبر 2017، إن "الشباب العربي متمسك بالديمقراطية عبر الإنترنت ضد الإعلام التقليدي". وأفادت الإحصائية بأن الإنترنت في العالم العربي بات "الوسيلة الأساسية للنضال الديمقراطي، لاسيما على شبكات التواصل الاجتماعي، للمستخدمين العرب، حتى أن العديد منهم لا يعرفون عن الإنترنت سوى موقع فيسبوك". ووفقا للإحصائية، فإن عدد مستخدمي "فيسبوك" العرب بلغ نحو 130 مليونا بين 191 مليون مستخدم للإنترنت. وفيما يتعلق بمصر، تطرقت الإحصائية إلى ظاهرة حجب السلطات مئات المواقع الإلكترونية، دون تفرقة بين المواقع الداعمة للعنف والمتشددة والمواقع الإخبارية والحقوقية. وتنفي السلطات المصرية اتهامات بالتضييق على الحريات العامة والخاصة، وتقول إنها تحقق في دعاوى الحجب. صعوبات تقنية متحدثًا عن صعوبات تقنية تواجه طرح "فيسبوك محلي" وإغلاق المعروف حاليًا، استبعد خبير أمن المعلومات، مهندس البرمجيات، صابر مالك، نجاح التطبيق في مصر. وقال مالك للأناضول: "كي ندشن فيسبوك محلي يجب توفير مصادر تقنية قوية تمكننا من استخدامه بصورة سلسة، كما نستخدم فيسبوك الحالي بأقل سرعة إنترنت، وتستوعب الكم الهائل من المستخدمين". وأوضح أن "نجاح فكرة فيسبوك محلي قائم بالأساس على التسويق، بحيث نقدم للمستخدمين منتجًا غير تقليدي له مميزات خاصة، وهو أمر بالغ الصعوبة، لكنه ليس مستحيلاً". وبشأن إمكانية إغلاق "فيسبوك" العالمي، قال الخبير المصري: "لدى مصر إمكانية لغلق أي موقع أو حجبه، لكنّ بقدر هذه البساطة بإمكان المستخدمين الدخول إلى المواقع المحجوبة عبر مواقع إلكترونية تفك ذلك الحجب". *وكالة أنباء الأناضول