كتب تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودي، في تغريدة له مساء الأحد الفائت، على حسابه الرسمي على تويتر الآتي: "لم يطلب أحد أن ندعمه في ملف 2026، وفي حال طُلب منا سنبحث عن مصلحة المملكة العربية السعودية أولا… اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا". وبعد خمس ساعات من نشر تلك التدوينة، عاد المسؤول السعودي نفسه إلى نشر تغريدة جديدة، قال فيها: "هناك من أخطى البوصلة إذا أردت الدعم؛ فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت دع "الدويلة" تنفعك…! رساله من الخليج إلى المحيط". واضح من هذه التغريدة أن تركي آل الشيخ يتحدث عن عدم دعم السعودية ملف ترشيح المغرب لاستضافة نهائيات كأس العالم في كرة القدم برسم دورة 2026. كما أنه يقصد "بالدويلة" قطر، التي عبرت في وقت سابق عن دعمها للمغرب من أجل استضافة هذه التظاهرة الكروية الكونية. الأمر الذي لا جدال فيه هو أن تغريدة رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودي تتجاوز ملف ترشيح المغرب لاستضافة نهائيات كأس العالم، وتعكس موقفا سياسيا رسميا سعوديا تجاه المغرب؛ فالتغريدة إياها ليست كلاما في موضوع له طابع رياضي صرف. إن مثل هذه التغريدة، وبالعبارات التي تتضمنها والتي تحمل موقفا حادا صوب الرباط، لا يمكن أن تكون صادرة عن المسؤول المذكور من تلقاء نفسه دون أن يكون قد حصل على إذن من الدوائر السعودية الحاكمة لنشرها؛ فكل التغريدات النابعة في مواقع التواصل الاجتماعي والمنطلقة من السعودية، وأساسا من مسؤوليها الكبار، تكون لغايات سعودية رسمية أساسا، وبرسالات سياسية محددة أصلا. نحن إذن إزاء تغريدة " سياسية" من تركي آل الشيخ، تقول إن السعودية غير راضية عن المغرب، وإنها منزعجة وغاضبة منه؛ لأنه فضّل الحفاظ على علاقات جيدة بقطر، خصوصا بعد أن زار وفد قطري رفيع المستوى المغرب في الأيام القليلة الماضية، وتم استقباله بترحاب وبشكل دافئ في الرباط، وأبرم اتفاقيات للتعاون مع نظرائه المغاربة في مجالات متعددة. وجرى ذلك في وقت تسعى فيه الرياض، بكل ما أوتيت من إمكانات ووسائل، إلى استمرار فرض الطوق على قطر، وعزلها عربيا لكي تنصاع للإرادة السعودية والمصرية والإماراتية.. التغريدة إياها تعلن عن وجود "أزمة" في العلاقات الدبلوماسية بين الرباطوالرياض. أزمة تحاشت الدولة المغربية الإفصاح عنها مباشرة، وتمت مداراتها من جانبها لوقت طويل، فكان لا بد من الإعلان عنها وإشهارها من جانب السعودية، وقد يتبين المرء من مظاهر وجود هذه الأزمة في الطائرة التي بعث بها المغرب إلى الدوحة محملة بالمساعدات للقطريين فور فرض الحصار عليهم من جانب الدول العربية الأربع؛ فتلك الطائرة في تحليقها من المغرب نحو قطر كانت الغاية من ذلك ربما التأشير على وجود أزمة صامتة في العلاقات بين الرياضوالرباط، والتنبيه إلى ضرورة العمل لتجنب استفحالها. لقد ظلت العلاقات بين المغرب والسعودية باستمرار على أحسن ما يرام، وكان التعاون بين الدولتين جار على قدم وساق، وكانا ينسقان مواقفهما في جميع القضايا والأزمات التي تعيشها المنطقة، ولم تكن الوفود السعودية تتوقف للحظة واحدة عن زيارة المغرب، لضمان استمرار التعاون بين البلدين، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الدبلوماسي، ولكن فجأة حدث هذا الاضطراب في التواصل والتعاون بين البلدين الشقيقين، وحلت محله لغة اللمز بالتغريدات. وفي الواقع، لا يملك المغرب ترف إغضاب السعودية، أو السعي إلى تعكير الأجواء معها بشكل مجاني، ودون أسباب وجيهة. إنه يدرك أهمية هذه الدولة عربيا وإسلاميا وحتى دوليا، والحاجة إلى توطيد التنسيق معها، وحين تنزلق العلاقات بين الطرفين إلى مستوى متدن لم يسبق لها أن عرفته من قبل؛ فالأمر لا يمكن أن يعود إلى رغبة من المغرب في وصول علاقات البلدين إلى هذا الدرك، المسؤولية في ما وقع تتحملها الرياض وسياستها الخارجية الراهنة. علاقات المملكة العربية السعودية تردت واضطربت مع جل الدول العربية، سواء في المشرق أو المغرب. دبلوماسية الرياض التي كانت تُنعت، في وقت من الأوقات، بالدبلوماسية الصبورة، والتي كانت تتوسط للتقريب بين الدول العربية والإسلامية المتخاصمة، وتعمل من أجل تذويب خلافاتها، وتحقيق بعض التضامن والتآزر بينها، وكانت تقدم الدعم المالي للعديد من الدول العربية قصد مساعدتها على التغلب على أزماتها الاقتصادية، هذه الدبلوماسية تراجعت في السنوات الأخيرة إلى الوراء، وتم استبدالها بدبلوماسية متغطرسة، وأحيانا متهورة وعدوانية، وتريد فرض إملاءاتها على غيرها من الدول، بالرغم من كل الكوارث التي نجمت عنها، والتي نعيش فصولها الدموية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وكادت تودي بلبنان لولا الألطاف الربانية.. ولذلك، فمهما كان حجم الانتقادات التي بالإمكان توجيهها للدبلوماسية المغربية، فإنها ليست مسؤولة عن تردي العلاقات مع المملكة العربية السعودية. العالم العربي يشكو حاليا برمته تقريبا من السياسة الخارجية للرياض. لو كان المغرب لوحده لديه نزاع مع السعودية لجاز توجيه اللوم له عن ذلك، ولكن حين يكون الإقليم بكامله يعاني من تبعات السياسة الخارجية للسعودية، فهذا يعني أن على مسؤوليها مراجعة كيفية تدبيرهم لسياستهم الخارجية. ينتظر الإخوة العرب من السعودية شقيقتهم الكبرى أن تكون قاطرة لهم، وتوظف طاقاتها لتقودهم بالحوار لملمة جراحاتهم وخلافاتهم، وطي صفحتهم التعيسة هذه، بتحقيق المصالحة بين بعضهم البعض، والتوافق والتفاهم والتضامن بينهم، بدل تكريس الفرقة والتناحر والتدمير في أقطارهم. وإذا مضت السعودية في خيار طي صفحة الماضي وإرساء المصالحة العربية العربية، والكف عن هدر المال العربي في سفك الدم العربي الذي يسيل بغزارة، فإنها ستجد في صفها جميع الدول وحتى الشعوب العربية، ولن تقف في وجهها، لا قطر ولا غير قطر، لتمنعها من إدراك مسعاها هذا؛ لأن في ذلك مصلحة لإخوتها العرب دولا وشعوبا، وفيه مصلحة للسعودية أساسا، وإلا فإن الدائرة ستدور عليها هي أيضا لا محالة.