شهدت مدينة بوجدور، الأربعاء، افتتاح الملتقى الأول الدولي للإعلام، المنظم من لدن نادي الإعلام والاتصال بالصحراء، بحضور نخبة من رجال الإعلام الوطني والدولي، إلى جانب مجموعة من الباحثين والمختصين في مجال دراسة التراث الثقافي الحساني ومنتجي ومخرجي الأفلام بالمناطق الصحراوية. وسيكون الملتقى اختبارا لكسب تحدّي المواءمة والانسجام مع ما جاء به دستور 2011، وتوجهات المَلك في ما يتعلق بصيانة الموروث الثقافي الحساني، حسب إبراهيم بن إبراهيم، عامل إقليم بوجدور، مُبرزا أن الثقافة الحسانية تشكل "عنصرا منيرا للأمة وعاملا للتكامل والاندماج، ولم تكن أبدا مَطيّة للانفصال والتفرقة". من جهته، قال سعيد زريبيع إن ملتقى بوجدور الدولي للإعلام يشكّل تجربة استثنائية في المغرب، على اعتبار أنه أول ملتقى يهتم بالموروث الثقافي في علاقته بالإعلام، ويحضره متخصصون من إعلاميين وباحثين من المغرب ومن مؤسسات إعلامية دولية. ويهدف ملتقى بوجدور الدولي للإعلام إلى تسليط الضوء على أهمّ جوانب الموروث الثقافي الحساني، عبر استعراض المتدخلين المشاركين فيه غنى الثقافة الحسانية، إحدى الروافد الرئيسية للهوية المغربية، وسُبل النهوض بالمجال الصحراوي، ودور الإعلام في إبرازها. وأجمع المتدخلون في الجلسة الأولى للمنتدى، والمخصصة لموضوع "الاشتغال على المجال الصحراوي- الحصيلة والآفاق"، على الدعوة إلى تكثيف الجهود لصيانة وتثمين الموروث الثقافي الحساني، وجعْل إشعاعه يمتد خارج نطاق خارطة الصحراء لينتشر ويُعرف، على نحو أوسع، في مختلف ربوع المملكة. جبران الركلاوي، مدير وكالة الجنوب، استهل عرضه بالتأكيد على أنّ الأهمية القصوى التي يحب إيلاؤها إلى الثقافة، قائلا "لا يمكن نشرُ ثقافة التنمية دون تنمية الثقافة أولا؛ لأنّ التنمية ليست هي نسبة النمو والدخل الفردي وحجم الانتاج فحسب، بل هي، أولا وقبل كل شيء، كل عمل يتمحور حول الإنسان". وأشار جبران إلى أن الانطباع السائد من كون الصحراء ليست سوى فضاء جغرافي تسوده طبيعة قاسية، حيث الجفاف وارتفاع درجة الحرارة، انطباع خاطئ، مُبرزا "أننا حين نتحدث عن الصحراء ننسى أنها تزخر بموروث ثقافي وطبيعي، وأنها أرض المعرفة والعلم، علاوة على الكرم المعروف به أهل الصحراء". واستعرض مدير وكالة الجنوب أهم الإنجازات التي تقوم بها الوكالة لصيانة الموروث الثقافي الحساني، سواء في شقه غير المادي أو في ما يتعلق بالجانب المادي؛ كترميم المآثر، مثل المسجد العتيق في السمارة، وقصر آسا في آسا الزاك، ومآثر أخرى منها ما يعود إلى ما قبل التاريخ، مثل المنحوتات الصخرية. وشدّد الركلاوي على ضرورة الاهتمام بالبنية الثقافية التحتية، مثل توفير فضاءات ثقافية كالمكتبات ودور العرض والمتاحف وغيرها.. من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الحساني، مشيرا في هذا الإطار إلى أن جهة العيون الساقية الحمراء ستشهد بناء أكبر متحف للثقافة البيضانية، سيكون جسرا ثقافيا للربط بين المغرب وإفريقيا. ووقف حسن خر، المخرج والإعلامي، عند الإمكانات الهائلة التي تزخر بها المناطق الصحراوية، في بُعدها الجغرافي، والتي تجعلها قِبلة واعدة لاستقطاب الإنتاجات السينمائية الوطنية والدولية، وخاصة في مجال الفيلم الوثائقي، حيث تتوفر على طبيعة تجمع بين الصحراء والبحر، فضلا عن المجال الحضري. وأبرز المتحدث أن الصحراء ليست فضاء خاليا كما يتصور البعض، "بل هي منطقة فيها حياة، ولكن يجب أن تتوفر الإرادة القائمة على المقاربة التشاركية لكي تنجح عملية النهوض بها"، مضيفا أن التحضير جارٍ لجرد التراث المادي في المنطقة، من نقوش صخرية وقبور ومآثر تاريخية، والتي ستخلق دينامية سياحية. من جهته، دعا محمد سالم الشرقاوي، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة العيون الساقية الحمراء، إلى صيانة الموروث الثقافي الحساني، سواء في شقه غير المادي أو المادي، مشيرا إلى أن اللجنة وقفت على اعتداءات طالت عددا من النقوش؛ وهو ما يستدعي، يضيف المتحدث، تكثيف عمليات تحسيس الناس بأهمية الموروث الثقافي والحفاظ عليه. محمد سالم الشرقاوي دعا إلى النأي بالموروث الثقافي عن الصراعات السياسية، قائلا "يجب أن نتحدث بما يكفي من الجرأة والصراحة، ونقول إنه لا يجب أن يُستحوذ على ثقافة الصحراء طرف أو جهة معينة؛ لأن هذه الثقافة هي مِلك مشترك للجميع، ولا ينبغي استعمالها كأذرع سياسية". وأردف رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة العيون الساقية الحمراء أن الموروث الثقافي الحساني "هو موروث جماعي يجب أن يكون مصدرا للتعايش، وليس مصدرا للعنصرية والتوتّر أو مصدرا للتجاوزات في حق حقوق الإنسان". تجدر الإشارة إلى أن ملتقى بوجدور الدولي للإعلام تتخلّله، فضلا عن الجلسات العلمية، أوراش تكوينية لفائدة أبناء المنطقة في مجال التقديم التلفزيوني والتحقيق الصحافي المصوَّر.