لم تكن المغربية مودة إكن تتوقع أن يقودها مسارها الدراسي إلى عوالم بعيدة عن مدينة الرباط، حيث أنهت تعليمها الثانوي، وعن طموحها الطفولي بالاشتغال كطبيبة، إلى أن وجدت نفسها تسدي خدمات إنسانية تطوعية بالولاياتالمتحدةالأمريكيةوببنما. مودة هاجرت، بمجرد حصولها على شهادة الباكالوريا بالرباط، إلى الديار الأمريكية، وتحديدا إلى مدينة ميامي، حيث تشربت اللغة الإنجليزية قبل الالتحاق بكلية باروخ بجامعة نيويورك، حيث درست التسويق الدولي والعلوم السياسية، ووجدت حينها متسعا من الوقت للانخراط في العمل الانساني التطوعي. حينها؛ تقول الشابة المغربية في تصريح صحافي، "شعرت أنني وجدت ضالتي، وقررت متابعة دراستي بجامعة كولومبيابنيويورك، حيث نلت شهادة الماستر في العمل الاجتماعي، وتحديدا حول موضوع اللاجئين والمشاكل المرتبطة بالصحة العقلية لدى هؤلاء"، مشيرة إلى أن مرحلة دراستها لهذا التخصص تزامنت مع أوج أزمة اللاجئين العالمية. خلال مرحلة الدراسة بهذه الجامعة,التحقت الشابة المغربية، في غشت من سنة 2016، بلجنة الإنقاذ الدولية بنيويورك، وهي واحدة من أعرق وأكبر المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية في 40 بلدا، واشتغلت كمساعدة اجتماعية متطوعة، وتولت إدارة ملف منطقة غرب إفريقيا والعالم العربي، إذ ساعدت، على مدى سنة، في إعادة إدماج العشرات من الاسر اللاجئة من هاتين المنطقتين بالمدينة امريكية. قبل أن أهاجر من المغرب لم أكن أتصور أنني سأشتغل في العمل مع اللاجئين، وحتى بعد التحاقي بالولاياتالمتحدةالأمريكية كان طموحي الاشتغال في المجال البنكي أو كمستشارة في مجال التسويق. لكن تجربتي كطالبة متدربة لدى لجنة الإنقاذ الدولية بنيويورك غيرت كل شيء، وأصبح العمل الإنساني جزءا من اهتماماتي ورغبة حقيقية أحرص على إشباعها بالعمل الميداني, تقول مودة. وتضيف أن تعاملها مع قصص نساء وأطفال تعرضوا للعنف ولاعتداءات جنسية ببلدانهم قبل الوصول إلى الولاياتالمتحدة كلاجئين ترك "أثرا عميقا" في نفسيتها وكان دافعا وراء حرصها على مواصلة عملها الإنساني لفائدة اللاجئين اليوم. فقد زادت تجربة التعاون مع هذه اللجنة من اهتمام الشابة المغربية بقضايا اللاجئين ورغبتها في الاقتراب أكثر من هذا المجال، وهو ما تأتى لها حينما انتقلت قبل أشهر إلى بنما، حيث يعمل زوجها، لتلتحق بالمركز الوحيد لإيواء اللاجئين بالعاصمة البنمية. مودة تعمل حاليا كمتطوعة في مركز "أوغار لويزا" الخيري، الذي يقدم الدعم للاجئين والمهاجرين الذين يقصدون بنما، أحيانا كبلد إقامة وأحيانا كبلد عبور نحو الولاياتالمتحدة. "في هذا الملجأ، أشتغل مع لاجئين من غرب إفريقيا، ومن فنزويلاوكولومبيا على الخصوص، وأساعدهم على الولوج للخدمات الأساسية"، تقول، مبرزة أن "القصص التي عايشتها هنا ترسخ التزامي بدعم اللاجئين كلما تسنى لي ذلك". وتوفر هذه المؤسسة الخيرية، التي تتسع لحوالي 200 شخص، خدمات الرعاية الاجتماعية والطبية الأساسية والمواكبة النفسية للنزلاء وكذا منح للتمدرس وورشات تكوينية لإدماجهم لاحقا في سوق الشغل وتمكينهم من فرص العيش الكريم. وامتدادا لعملها الإنساني ببنما، تشتغل مودة أيضا كمستشارة تربوية في مؤسسة ''نايتسبريدج إنترناشيونال سكول" البريطانية بالبلد الكاريبي، وتقدم خدمات المساعدة لفائدة الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 3 و10 سنوات، لاسيما ذوي الاحتياجات الخاصة. وارتباطا بمجال اشتغالها ومن منطلق اهتمامها بما يعتمل في بلدها الأصل، المغرب، ترى المهاجرة المغربية أن السياسة التي اعتمدتها المملكة في مجال الهجرة واللجوء والتي أفضت إلى تسوية وضعية المئات من المهاجرين، لاسيما الأفارقة، "تمثل تقدما يحسب للمغرب"، الذي أدرك مبكرا، برأيها، الإشكالات المرتبطة بالهجرة واللجوء وتعامل معها بحلول عملية منحت هؤلاء المهاجرين "فرصة ثانية" في الحياة، تكريسا لقيم الانفتاح والتعايش التي تميز المملكة. من جهة أخرى، لم تفوت المهاجرة المغربية، خلال حديثها للوكالة، الفرصة للتوقف عند الجهود المبذولة للنهوض بأوضاع المرأة المغربية، مؤكدة، في هذا الصدد، أنه لا يمكن إنكار حدوث "تقدم كبير" في السنوات الأخيرة، "لكن، لا يزال أمامنا مشوار طويل للوصول إلى المساواة بين الجنسين". "لقد ترعرعت محاطة بنساء قويات, وعلى رأسهن أمي وجد ت ي اللواتي حرصن على تمتيعي بتعليم جيد ومنحنني قوة للمضي قدما في الحياة, وأنا ممتنة لذلك, لكن أدرك أن ذلك ليس متاحا لجميع النساء في المغرب", تقول مودة, مشددة, في هذا السياق , على ضرورة فتح آفاق أوسع أمام النساء المغربيات ومنحهن فرصا أكبر للتقدم واستغلال إمكاناتهن الأكاديمية والمهنية. وتبقى الشابة مودة إيكن نموذجا للمرأة المغربية التي تحرص على سلك دروب النجاح أينما حلت وارتحلت, سعيا لتحقيق ذاتها وتطويرها بسلاح الجد والاجتهاد والانفتاح, والتحلي بشيمة من شيم المغاربة: الإنسانية. * و.م.ع