قضت المحكمة الابتدائية بتطوان في ملف المدون والناشط محمد الدواس المناهض للفساد والمتابع في حالة اعتقال بتهمة الاتجار في المخدرات، وحكمت عليه بالسجن 19 شهرا حبسا نافذا و20.000 درهما غرامة. وقد التزم الدواس الصمت ورفض الإجابة على جميع أسئلة القاضي رغم الإلحاح متشبثا بحقه في حضور الدفاع، بعدما أعلنت هيئة هيئة الدفاع المكونة من حوالي 20 محاميا انسحابها من جلسة المحاكمة بسبب ما اعتبروه "غياب شروط المحاكمة العادلة"، ومع ذلك اعتبر القاضي أن القضية جاهزة للحكم الذي أصدره مكتفيا بما ورد في محضر الضابطة القضائية . وفرضت قوات الأمن إجراءات مشددة في محيط المحكمة، كما قامت بمنع مناصري الدواس وأفراد عائلته من دخولها، بالتزامن مع وقفة احتجاجية شارك فيها نشطاء حركة 20 فبراير وممثلو بعض الهيئات السياسية والحقوقية المحلية، ورفعت خلالها شعارات منددة بممارسات الشرطة القضائية ودورها في فبركة ملفات محبوكة لضحايا من مواطني مدينة تطوان والمدن المجاورة، كما رفعت شعارات تستنكر غياب شروط المحاكمة. ومع صدور الحكم حوالي الساعة الثامنة ليلا من يوم أمس الخميس 22 سبتمبر، ارتفعت حدة الاحتجاج وانتظمت الحشود في مسيرة انطلقت من بهو المحكمة إلى ساحة مولاي المهدي للتنديد بالحكم الجائر في حق المدون وبحرمانه من ضمانات المحاكمة العادلة، كما تم الاتفاق على مواصلة الاحتجاج يوم الأحد القادم على الساعة الخامسة مساء ضمن مسيرة حركة 20 فبراير بتطوان، والتي ستنطلق من نفس الساحة بمشاركة تنسيقيات الحركة من المدن المجاورة ليكون من بين شعاراتها الحرية للمدون محمد دواس . وقررت الهيآت المتضامنة مع الدواس مواصلة نضالاتها وتضامنها مع المعتقل للمطالبة ببراءته من التهم المنسوبة إليه، معتبرة أن اعتقاله يأتي نتيجة فضحه لمجموعة من رموز الفساد على مستوى عمالة المضيق الفنيدق على الصفحة التي يديرها عبر الموقع الاجتماعي فيس بوك (وكيليكس الفنيدق) وعلى موقعه الالكتروني الفنيدق أون لاين ، وطالبت الوقفة الاحتجاجية بمحاسبة كافة المتورطين في ملفات الفساد الاداري والمالي والاقتصادي وبتحريك الملفات المجمدة في رفوف المحكمة نفسها وعلى رأسها الملف رقم 88 على 2011 المتعلق بالترامي على الملك العام وتبديد الأموال العمومية ببلدية الفنيدق . وفي تعليقه على الحكم، اعتبر الأستاذ عبد الصادق البوشتاوي عضو هيئة الدفاع ورئيس الرابطة الوطنية لحقوق الانسان أن '' المحاكمة غير عادلة وأن ملتمس التأخير الذي رفضته المحكمة مبني على أسس وجيهة من شأنها مساعدة القاضي على الوصول إلى الحقيقة وإثبات ما يخالف محضر الضابطة القضائية، خاصة وأن الملتمس مبرر بمنح الدفاع مهلة للتقدم بالطعن بالزور في المحضر الذي تضمن معطيات مخالفة للواقع مثل مكان وزمان الاعتقال وغيرها من الوقائع الملفقة، وبهذا تكون المحكمة قد حرمت هيئة الدفاع من تفعيل مقتضيات المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بإمكانية إثبات ما يخالف محاضر الضابطة القضائية، كما برر الدفاع ملتمس التأخير وعدم تجهيز الملف بضرورة استقدام المصرح الذي راسل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتطوان رسميا عبر إدارة السجن المدني بعين عائشة بإقليم تطوان بكتاب يبرئ فيه محمد الدواس وينفي أية علاقة له به في موضوع الاتجار بالمخدرات وأبدى استعداده لتقديم شهادته أمام المحكمة ببراءة المتهم، فتأخير القضية سيسمح لنا بالتوصل بهذه المراسلة وتضمينها بالملف، وبالإضافة إلى ذلك فإن ملتمس التاخير تمسك به عدة محامين تنصبوا لأول مرة في هذه الجلسة وذلك لتمكينهم من الاطلاع على الملف وإعداد الدفاع ، إلا ان القاضي أصر على رفض الملتمس رغم وجاهة مبرراته ، مما دفعنا إلى الانسحاب من المحاكمة لأنها غير عادلة ولم تتح لنا الفرصة لتقديم الادلة وجمع الحجج التي تفيد براءة المتهم ''. وأكد البوشتاوي '' أن القضاء الجنحي في المغرب يفتقد إلى الجرأة الكافية في البحث عن الحقيقة وخاصة في التهم المتعلقة بالمخدرات، فيكون المنطلق هو إدانة المتهم حتى تثبت براءته ، وأحيانا لا تتاح الفرصة للدفاع لإثبات براءته كما هو الحال في قضية المدون محمد دواس''. ويرى البوشتاوي أن '' فساد الضابطة القضائية يؤثر بشكل كبير على المحاكمة العادلة ، ففي الوقت الذي نجد فيه أباطرة المخدرات المعروفين لدى العامة والخاصة يسجل لهم الانكار في المحاضر ، بل ويصل الأمر إلى حد إنجاز محضر المواجهة مع المصرح في محضر الضابطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي مما يؤدي إلى تبرئتهم ، نجد في المقابل الكثير من الضحايا يتعرضون للعنف الجسدي والمعنوي ويسجل لهم محاضر الاعتراف يوقعون عليها كرها للزج بهم في السجون في ظل التعامل السلبي للقضاء مع هذه المحاضر''. ويختم البوشتاوي تصريحه بقوله '' إن القضاء لحد الان لم يرق بعد إلى طموحات الشعب المغربي كسلطة مستقلة تمتلك الجرأة الكافية في تفعيل النصوص القانونية بشكل يتناسب مع مبادئ المحاكمة العادلة ، وإنما يكتفي بتزكية ما ورد في محاضر الضابطة القضائية ، مما يجعلنا نؤكد ان هذه الأخيرة هي من يحدد مصير المتهم وليست المحكمة ، فبالرغم من الزوبعة والضجة المثارة حول العهد الجديد والاصلاحات الدستورية وما تضمنته من استقلالية للسلطة القضائية ومن مقتضيات متعلقة بحقوق الانسان فإن ذلك يبقى حبرا على ورق ، فالواقع على مستوى عمل الضابطة القضائية يسوده ممارسات العهد البائد وما يتسم به من فساد وتسلط للعقلية المخزنية '' . * رئيس جمعية المدونين المغاربة