أسدل أخيرا ستار الدورة الأولى لمنتدى طنجة لطرب الآلة، بعد العرض الفني الذي قدمته مجموعة جهة طنجةتطوانالحسيمة، تحت إشراف الفنان والباحث عمر المتيوي رئيس جمعية "روافد موسيقية" المنظمة لهذه التظاهرة. ووفق بلاغ للجمعية المذكورة، توصلت به هسبريس، فإن أكثر من 700 متفرجة ومتفرج حجوا إلى المركب الثقافي أحمد بوكماخ للاستماع إلى العرض الذي اشتمل على تواش من نوبة الرصد وميزاني ابطايحي رصد الذيل وقدام منه. واستطاعت المجموعة، يضيف المصدر، بفضل مهارتها وتمكنها وأدائها المهذب والمحكم، أن تؤثر في نفوس الجمهور الأنيق، وتجعله يرقى إلى لذة المسموع بنغمات الطبوع. كما جرى تكريم أحد رموز الموسيقى بمدينة تطوان الفنان المقتدر المختار المفرج الذي قدم خدمات جليلة في ميدان الموسيقى التراثية على امتداد أكثر من ستة عقود. وكان للجمهور الطنجي موعد مع جوق معهد تطوان برئاسة المهدي الشعشوع الذي أمتع الحاضرين وشنف آذانهم بنغمات ابطايحي عراق العجم ثم قدام منه، وقد أداه على نهج وأسلوب أستاذه الفنان الراحل محمد العربي التمسماني. بالإضافة إلى العرضين الموسيقيين، سلط المنتدى الضوء على كبار "المْعَلمين" الذين وهبوا حياتهم لهذا الفن، من خلال عرض بديع لصورهم بقاعة العروض للمركز الثقافي بوكماخ، والذي لقي ترحابا كبيرا من لدن الجمهور والأساتذة نظرا لمضمونه التوثيقي وشكله الحداثي. وعملت الجمعية على استدعاء طائفة من الباحثين والدارسين من تونس وإسبانيا والمغرب لمناقشة الموضوع الذي اختارته لهذه الدورة والمتمحور حول "مساهمات شمال المغرب في تطور الموسيقى الأندلسية المغربية". وتوزعت مداخلات المحاضرين على ثلاث موائد مستديرة تعاقب على إدارتها كل من عبد السلام الخلوفي وعمر المتيوي. في المائدة الأولى تناول الباحث العالمي محمود قطاط من تونس بالدراسة موضوع "التماثل والتباين في الموسيقى المغاربية الأندلسية بين العدوتين"، مبرزا مساهمة شمال إفريقيا في بلورة أسلوب موسيقي متميز مزج بين الأنماط المشرقية والمغربية والأندلسية. واهتم الباحث عبد العزيز بن عبد الجليل بدراسة وتحليل موضوع "الموسيقى الأندلسية المغربية في شمال المغرب، بين العزلة والانفتاح"، مسلطا الضوء على منجزات المنطقة الشمالية من المملكة في عهد الحماية الإسبانية. وتعرض الباحث عبد المالك الشامي في مداخلته لبعض الإشكاليات المتعلقة بالتأريخ للموسيقى التراثية، ملحا على دور المنهجية العلمية في التعاطي مع هذا الموضوع. وأسهم في المائدة الثانية الباحث عبد السلام الشامي بموضوع عرض فيه لدواوين الآلة تصنيفا وتحليلا، وأكد يونس الشامي في كلمته على دور الكتابة الصولفائية في المحافظة على موسيقى الآلة. كما اهتم الأمين الشعشوع في مداخلته بالخصائص الفنية للمدرسة الموسيقية التي نعتها بالأندلسية التطوانية. أما المائدة الثالثة فعرفت مساهمات الباحث عبد المجيد السملالي الذي أبرز دور مدينة طنجة في تطور موسيقى الآلة كما عالج الخبير الإسباني ادواردو بانياكوا إشكالية إيصال الموسيقى الأندلسية المغربية إلى العالمية. وسلط الخلوفي الضوء على الدور الذي يجب أن يقوم به الإعلام من أجل ترويج المنتوج الغنائي التراثي في عصر العولمة. وأسفرت النسخة الأولى من منتدى طنجة لطرب الآلة عن مجموعة من التوصيات بهدف الإسهام في نفض الغبار عن الموروث الموسيقي المغربي الخالد والهادفة في عمقها إلى تطوير الموسيقى المغربية والحفاظ على أصالتها. وطالبت التوصيات بتوجيه رسالة رسمية من الدولة المغربية، في شخص وزير الثقافة والاتصال، إلى منظمة "اليونيسكو" في موضوع طلب إدراج موسيقى الآلة المغربية ضمن التراث الإنساني اللامادي؛ والتعجيل بفتح المعهد العالي للموسيقى المقرر إحداثه من طرف وزارة الثقافة والاتصال. ونادى المنتدى وزارة الثقافة والاتصال إلى العناية برجال التعليم في المعاهد الموسيقية، وإقرار مادة التربية الموسيقية ضمن المواد المقررة في سائر أسلاك التعليم، وإحداث سلك للتعليم الموسيقي بالجامعة المغربية؛ ودعوة الشركة المغربية للإذاعة والتلفزة لإحداث قناة خاصة بالتراث الموسيقي المغربي. واقترح منتدى طنجة لطرب الآلة الاحتفال بالذكرى الذهبية لمرور خمسين سنة على مؤتمر الموسيقى العربية الثاني الذي انعقد بمدينة فاس في ربيع سنة 1969، باعتباره حدثا مهما في مسيرة الموسيقى على الصعيد العربي وشكل اللبنة الأولى التي أسهمت في نشأة المجمع العربي للموسيقى، والعمل على إحداث أكاديمية للموسيقى الأندلسية المغاربية. ويرى مهتمون أن جمعية "روافد موسيقية" نجحت بهذا العمل أن تعيد إلى الموسيقى الأندلسية المغربية شيئا من الاعتبار، وتسهم من أجل أن يتبوأ هذا الفن المكانة التي تليق به. وتعهدت جمعية "روافد موسيقية" أن تستعد منذ الآن لتنظيم النسخة الثانية للمنتدى، والتي ستخلد الذكرى الذهبية لمؤتمر فاس لسنة 1969.