رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور المساءلة في تدعيم مبادئ الحكامة الجيدة
نشر في هسبريس يوم 16 - 02 - 2018

نحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على الالتزام بتقديم الحساب أو المساءلة كأساس آخر من الأسس العملية التي تقوم عليها المسؤولية التدبيرية، وهي الالتزام بسيادة القانون والالتزام بضمان تدبير مالي أفضل، إضافة إلى الالتزام حول النتائج التي سبق أن تطرقنا إليها في مقال سابق حول المسؤولية التدبيرية والحكامة المالية.
تُعَرَّف المساءلة من طرف الباحثين بأنها المسؤولية المرتبطة بإلزامية تقديم الحساب، أي القدرة على تقديم الحساب بخصوص صِدْقِية الأفعال التدبيرية وتبرير القرارات المتخذة وكذا النتائج المترتبة عن ذلك. ولقد عزز سياق الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة التساؤلات حول شرعية وفعالية المساءلة التي توجد حاليا في صلب جل النقاشات الأكاديمية والسياسية، والتي تعتبر من الركائز الرئيسية التي تقوم عليها الحكامة العمومية الجيدة باعتبار هذه الأخيرة نظاما لإدارة الفعل العمومي بطريقة ديمقراطية وتشاركية.
إن إلزامية تقديم الحساب، الذي يصطلح عليه باللغة الانجليزية ب "accuntability"، هو مفهوم قديم ظهر لأول مرة عند الأنجلوسكسونيين في القرن الثالث عشر، إلا أنه لم يحظ بالقبول لدى المدبرين السياسيين لمِاَ له من تداعيات ترتبط بطبيعة ما يتحقق من نتائج على مستوى التدبير، غير أن هبوب رياح الديمقراطية والأزمات الاقتصادية والمالية المتتالية أسهمت في ظهور هذا المصطلح مرة أخرى بكل قوة فتم توظيفه واعتماده في دساتير أغلب الدول.
ويعود الفضل في عودة ظهور آلية تقديم الحساب إلى مكون الأزمات، كما سبق الذكر، خاصة الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، التي كشفت عن الأهمية البالغة التي تكتسيها المساءلة في تدعيم مبادئ الحكامة الجيدة وأكدت في الوقت ذاته على ضرورة تلبية متطلبات أصحاب المصلحة "parties prenantes" في ما يخص المساءلة، أي بسط المعلومات والحجج التي بَنَى عليها المدبرون العموميون ممارساتهم الإدارية بكل شفافية ومسؤولية.
وعلى هذا الأساس، فإن مصطلح المساءلة -بمفهوم أوسع كفلسفة عيش مشترك -يضم أبعادا دلالية ثلاثة هي تقديم الحساب، والمسؤولية، والشفافية.
وفي خضم هذا التوجه وتحت ضغط المجتمع المدني، عمد دستور فاتح يوليوز 2011 في المغرب إلى التنصيص على مبادئ الحكامة الجيدة التي ترتكز أساسا على اعتماد مبدأ الشفافية في تدبير أموال دافعي الضرائب الذي يتمثل في تعميم آلية المساءلة من خلال الكشف عن النتائج المحققة بالمقارنة مع حجم الموارد المالية المُرْصَدة لتحقيق ذلك.
ومنذ إقرار الدستور الجديد، أصبح الالتزام بتقديم الحساب مُلزِما، لاسيما فيما يتعلق بمبدأ المسؤولية بعدما نص على مبادئ هامة وجوهرية في الفقرة الثانية من مادته الأولى، وهي فصل السلط، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
هذا يعني أن آلية تقديم الحساب حول النتائج أصبحت تلازم ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية، باعتبارها مبدأً دستوريا، مشكلة بذلك قطب الرحى الذي من المفترض أن يدور حوله نظام المسؤولية التدبيرية للمدبرين العموميين مستقبلا.
وينبغي التأكيد في هذا الصدد على أن المساءلة يجب أن تتم بناءً على تقويم موضوعي يلتزم بروح المسؤولية المبنية أساسا على نتائج واقعية وموضوعية انطلاقا من معطيات رقمية مضبوطة. وتبعا لهذا المنطق، فإن أي نظام لتقويم النتائج وفق مؤشرات رقمية يجب أن يشمل مسؤولية تقديم نتائج رقمية ذات مصداقية وحقيقية.
واستقراءً للمعطيات الموضوعية المتعلقة بمجموعة من المشاريع العمومية، فقد بات من الضروري تَبَنِّي هذه الفلسفة في تدبير الشأن العام، خاصة في ما يتعلق بالمشتريات العمومية، علما أن عمليات تقويم آثار هذه المشاريع بعد تنفيذها تبقى متواضعة من حيث عدد حالات تطبيقها إن لم تكن غير موجودة أصلا في بيئةِ ثقافةٍ تدبيريةٍ تتميز بمقاومة كل إرادة تتوخى تقويم النتائج والآثار السوسيو-اقتصادية للمشاريع سالفة الذكر.
فضلا عن ذلك، يبدو أن جل المؤسسات الوطنية غير قادرة على ممارسة رقابة نجاعة الأداء في ما يخص الفعل التدبيري العمومي وتقويم الآثار الاقتصادية والاجتماعية للسياسات العمومية على حياة المرتفقين وعموم المواطنين.
بمعنى أن هذه المؤسسات لا تتجاوز في عمليات التقويم حدود معاينة الانجازات دون اكتراث بكلفة وآثار تلك المشاريع لغياب الخبرات تارة وغياب المعلومة الموثوقة تارة أخرى، بالإضافة إلى ضعف المساءلة من قبل المسؤولين الساهرين على تدبير الشؤون العمومية وكذا تدني مستوى مناقشات الفرق البرلمانية التي لا تلْتَفِتُ إلى مشاكل الحكامة إلا لِمَامًا.
إنه قصور ما زال يشوب المستوى التدبيري العمومي المغربي، الأمر الذي يقتضي معالجته عبر تطبيق سليم وفَعَّال لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية؛ إذ بمقتضاه ستكون كل وزارة ملزمة بإعداد مشروع نجاعة الأداء المتعلق بها، المُرافِق لمشروع ميزانيتها حسب مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 39 من هذا القانون التنظيمي الذي سيوفر معطيات حول الاستراتيجية والبرامج والأهداف ومؤشرات نجاعة الأداء بالنسبة للسنة الموالية.
كما ستقوم كل وزارة كذلك بإعداد تقرير وزاري بعدي حول نجاعة الأداء يرافق مشروع قانون التصفية حسب منطوق المادة 66 من القانون نفسه، الذي من المنتظر أن يُظْهِر، بالنسبة لكل برنامج، النتائج المحققة مقارنة بالأهداف التي سبق تحديدها.
بهذا سيكون المدبرون العموميون مسؤولين عن إعداد مؤشرات رقمية قابلة للإفتحاص، وعن اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تحقيق الأهداف المسطرة سَلَفاً. هذه المسؤولية يمكن أن تمتد كذلك إلى إعداد شروحات أو تعليقات صادقة في حال وجود بَوْنٍ بين الأهداف المُسَطَّرة والنتائج المحققة؛ ذلك لأن أي ممارسة حقيقية للمساءلة تقتضي أن يُبَرِّر كل مسؤول ممارساته ويتحمل مسؤولية ذلك.
إن تفعيل هذا النهج من شأنه أن يُحَسِّن من جودة حكامة الفعل العمومي، لكن ذلك يتطلب تحديدا مسبقا لأدوار ومسؤوليات المتدخلين وكذلك الأهداف التي يُتَوخّى تحقيقها، والتي يجب أن تكون واضحة ومقبولة مِن لدُنِ الجميع، إضافة إلى كونها متناسبة مع موارد وشروط تنفيذ المشاريع المُزْمَع إنجازها.
بمعنى آخر، يمكن القول إن غِياب أدوات موثوقة ومسؤوليات محددة بدقة يوشك أن يُحَوِّل المساءلة إلى تسوية للحسابات بين الفاعلين، وبالتالي يكون مصيرها الجمود، بل يمكن أن تَنْتُج عن هذه المساءلة نتائج عكسية ومخاطر جَمَّة عندما لا تكون الصلاحيات محددة بما فيه الكفاية.
*دكتور في القانون العام والعلوم السياسية باحث في مجال الحكامة والمالية العمومية
[email protected]
وبالتالي فإن الحكامة الجيدة تقتضي توزيع وتحديد المسؤوليات بين مختلف الأطراف المتدخلة في مسلسل إعداد وتنفيذ المشاريع العمومية بشكل واضح يضمن لكل طرف مساءلة عادلة، في حين أن عدم أو ضعف تحديد هذه المسؤوليات سيشكل فرصة سانحة لبعض النافذين للإفلات من العقاب ويعاقَب حينها الضعيف عِوَض الشريف.
وختاماً لابد من الجزم أن تدعيم مبادئ الحكامة الجيدة والمفتوحة يمر بالأساس عبر تكريس وتفعيل المساءلة الحقيقية والعادلة وإعادة النظر في نظام المسؤولية الذي يخضع له حاليا المتدخلون في ميدان تدبير ومراقبة الفعل العمومي، بيد أن عدم تغيير هذا النظام سيشكل لا محالة حاجزا منيعا أمام الحكامة الجيدة المبحوث عنها على صعيد التدبير العمومي بغية تحقيق الإنتظارات التي يرغب المدبرون الشرفاء في تحقيقها وعلى رأسها ترسيخ مبادئ الديمقراطية التي تعد الحكامة الجيدة أُولى لبناتها وذلك قصد النهوض بالبلد حتى يرقى إلى مصاف الدول الديمقراطية، تلكم الديمقراطية التي من أسمى أهدافها خلق شراكة على مستوى هذا التدبير. بمعنى أخر يمكن القول إن بناء المصلحة العامة ليس شأوا يقتصر على حضور رقم واحد بلغة الرياضيين ولكنه شأن يتعلق بأرقام عدة هي الجماعة بمفهومها العام وأن الكل مَعْنِيٌّ ببناء صرح المصلحة العامة التي تقتضي الالتزام الأخلاقي والمسؤولية وكذا الاستعداد للمساءلة على أساس أنها منظومة من القيم التي سبق لها أن حققت انجازات جليلة في بيئات عدة توافرت لديها هذه القيم. فهل سيتم توفير مثل هذه القيم في بلدنا المغرب لتحقيق انجازات مماثلة تتيح الفرصة لدافعي الضرائب لمساءلة من أودعوهم ثقتهم ؟
*دكتور في القانون العام والعلوم السياسية وباحث في مجال الحكامة و المالية العمومية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.