لماذا يصبح الخوض في كل ما يتعلق بقضية المرأة بمثابة تنقيب عن عفاريت، أو أفاع سامة؟! ولماذا يتسم النقاش حول هذه القضية دائما بنوع من الحدة والتعصب يميناً ويساراً، دون توسط ولا اعتدال؟! صحيح أن هذه القضية قد تخللتها اجتهادات وكتابات لا حصر لها، قد نتفق مع بعضها، وقد نختلف مع أخرى، غير أنها تبقى اجتهادات لا يمتلك أصحابها أي سلطة لفرضها على الناس، غير سلطة الوحي، ولقد تبين بالكاشف أن العولمة زادت من أشكال اللامساواة والتفاوت بين الرجل والمرأة، وما نراهن عليه هو تفادي ذلك التفاوت والتمييز والتوظيف غير اللائق بالنسبة للقضية، واستخدامها لمآرب لا حصر لها. وقد يقول قائل: إن مثل هذه القضايا قد أخذت ما تستحقه من نقاشات، وردود قد لا تكاد تحصى، وأنها ليست من أولويات العصر في شيء، بيد أن الأمر ليس كذلك، خصوصا إذا علمنا أن قضايا المرأة تتجدد بتجدد هذا الصراع الأزلي، وهو صراع " إيديولوجي " بامتياز، يستمد استمراريته من تباين القناعات وتنوعها، وهي سنة كونية، تعد من مقاصد هذا الوجود الإنساني، كما قال ربي: { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} هود119، قال الحسن البصري: أي وللاختلاف خلقهم. غير أن الاختلاف والأخذ والرد في مسائل قطعية لا ينبغي أن يكون بين مسلم ومسلم، لقوله تعالى: { وما كان لمومن ولا مومنة إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم } الأحزاب 36، وقوله جل شأنه: { فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء65، ومن ذلك الاختلاف في مسألة تقسيم التركة في الإرث، وفريضة الحجاب، ونسبة الولد، وما شاكل ذلك من فرائض إلهية مُحكمة. إلا أنني ومن خلال متابعتي لأحد البرامج التلفزيونية، عبر إحدى القنوات العربية الذائعة الصيت، أثار انتباهي ما طرحته الكاتبة المصرية رباب كمال، صاحبة كتاب: "نساء في عرين الأصولية الإسلامية"، وهي تتحدث عن تجربتها مع بعض النساء المحافظات بمصر، وعن وضع حقوق المرأة في ظل قوانين أصولية على حد قولها وقد اعتبرت أن الخطاب الذي ينتقص من حقوق المرأة يتم تغليفه بشكل معسول، للقول بإنه تكريم إلهي للمرأة، بل وتفضِّل الكاتبة أن تناقش أمور المرأة وقضايها المصيرية في الأرض وليس في السماء، إجتماعياً وليس دينياً، وترى أن العلمانية تسمح بضمان حقوق المرأة بشكل أوسع من قوانين السَّماء، وأنه لا ديمقراطية بدون علمانية، وأن الشريعة الإسلامية ليست دستوراً... وتابعت قائلة: إن الباب الرابع من كتابي كان عبارة عن دراسة تاريخية، عن الدستور الإسلامي المصري الذي حاول الأزهر تمريره في عام 1978م، وكان يحتوي على مواد تحارب تبرج النساء، ويؤكد على أن عمل المرأة يجب أن يكون وفقا للشريعة الإسلامية، وقصر المناصب القضائية على الرجال فقط. وعن مثل هذه الشبهات القديمة الحديثة نجد الدكتورة ندى سلمان تقول في كتابها: "حقوق المرأة ودورها في الفكر الإسلامي والغربي": إن النظرة الغربية العلمانية الحداثية، غير السليمة عن المرأة المسلمة، هي التي شوهت تلك النظرة الربانية الأصيلة اتجاهها، مبينة أن ديننا الإسلامي الحنيف هو الركيزة الحقيقية التي تدعم حقوق المرأة المسلمة، وتوفر لها ولأسرتها الاستقرار النفسي والاجتماعي السليم. ويلقي الكتابُ الضوء على حياة المرأة المسلمة وحقوقها التي شرعت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي قد أعطى للمرأة ما يحفظها ويؤمن حقوقها على أكمل وجه، خلافا لما كانت عليه قبل الإسلام. ويعد هذا الكتاب أنموذجاً رائعا للرد على التهجم المغرض على الإسلام ومبادئه، والذي يقوم به البعض من خلال مهاجمة المرأة المسلمة، لأن الرد على مثل هؤلاء يكون بكشف الواقع المخيف للمرأة الغربية، لا من خلال المواقف التقليدية لكثير من المسلمين والمسلمات، في الدفاع والاعتذار والتبرير. كما تطرقت الكاتبة إلى كثير من الاضطهادات التي تعرضت لها المرأة في المجتمعات الغربية، وحتى ما قبل الإسلام الذي جاء ليرفع من مكانة المرأة، حتى تحظى بمزيد من التكريم. ونجد أيضا أن محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار، وصاحب كتاب: "حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي... " وهو من رواد الإصلاح الإسلامي الذين ظهروا مطلع القرن الرابع عشر الهجري قد سعى من خلال هذا المؤلَّف للتصدي لقضايا اجتماعية هامة، كانت نتيجة الغزو الثقافي والفكري، والعمالة الفكرية والأخلاقية، ومنها دور المرأة في الإسلام وفعاليتها عبر مجموعة من المراحل، وفي مجالات مختلفة، ثم ربط ذلك بأصل المنهج الإسلامي من خلال الوحيين، مبرزاً حجم التكريم الإلهي الذي نالته المرأة في هذه المنهج الرباني الأصيل. ومن أهم القضايا التي تهم المرأة بشكل عام، والتي كانت محل نقاشات واسعة، مسألة المساواة بين الجنسين، وقد أخذت هذه المسألة بُعدا دوليا، وطابعا أممياً، من خلال مجموعة من المواثيق الأممية، كان أولها الميثاق الأممي الصادر بتاريخ: 1945/6/26م. أما المرأة المسلمة فقد خُصَّت بعدة مؤتمرات رفيعة المستوى لتسريع تفعيل تغريبها، والبعد بها عن منهج ربها القويم، ومن أهم تلك المؤتمرات: - عقد مؤتمرات قمة للمرأة على مستوى قرينات رؤساء وملوك الدول العربية، وقد عقدت ثلاث قمم: الأولى في القاهرة بمصر، والثانية في عَمان بالأردن، والثالثة في بيروت بلبنان، وقد انبثق عنها عدة مؤتمرات إقليمية ناقشت كل منها موضوعاً خاصاً، كالمرأة والإعلام، والمرأة والتعليم، والمرأة والتنمية... – كما تم إنشاء مؤسسات خاصة بشئون المرأة على مستوى أعلى، مثل: المجلس القومي للمرأة بمصر، والمجلس الأعلى لشؤون المرأة في بعض دول الخليج، كالبحرين وقطر... وقد ظهرت مجموعة من الدراسلات الإسلامية التي تناولت رؤية "الأنثويين" الغربيين للمرأة، وفندت نظرياتهم، خصوصا تلك التي ظهرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، التي شهدت الميلاد الراديكالي والحداثي للحركة النسائية، والتي شاعت فيها أفكار فلسفية متطرفة. حيث وجدت هذه الحركات التحررية مرتعاً خصبا داخل العالم الإسلامي، تحت مسميات مختلفة، ومن أهم العوامل التي ساهمت في تغلغلها داخل العالم الإسلامي: إيجاد القابلية وتهيئة الأجواء أمام الغزو الثقافي الغربي، وقبول المجتمع وإذعانه للتعليم المختلط، وإخضاع الثوابت الدينية والمسلَّمات من الأحكام الشرعية للاجتهاد، وتسخير بعض أدعياء العلم الشرعي واستخدامهم لصالح هذه الحركات، واصطياد الأدلة الوهمية خدمة لباطلهم، وليّ أعناق النصوص لإضفاء الصبغة الشرعية والتأصيل الفقهي لأفكارهم. وقد حصَّلوا على بعض القرارات الرسمية الوضعية التي أصدرتها بعض الحكومات الإسلامية وعممتها إرضاءاً لهؤلاء التحرريين، وحصولهم على الاعتراف الدولي العالمي بالحركة، وتلقيهم الدعم اللازم بشتى أنواعه. وقد تحصل بعض أعضاء تلك الحركات على مناصب حسّاسة داخل المجتمعات الإسلامية، رغم رفض المجتمع لهم، وصبغ القضية بالصبغة القومية بدل الإسلامية لكسب جميع العرب، من مختلف الأديان والملل، واستمداد طاقاتهم وقوتهم من الصليبيين الحاقدين أمثال: فهمي مرقص، وجرجي زيدان، وسلامة موسى، وغيرهم كثر.