يستيقظ مصطفى، 52 سنة، ليحمل سطلا بداخله مناديل ومناشف وصابون، ويبدأ رحلته اليومية من منزله بحي الليدو نحو المكان المخصص لغسل السيارات على رصيف الشارع المحاذي لسكة القطار، غير بعيد عن ساحة "لافياط" وسط مدينة فاس، حيث يستقر به الحال طيلة النهار في غسل السيارات رفقة مجموعة من ممتهني هذه "الحرفة" التي انتشلتهم من مخالب البطالة. وإذا كان غسل السيارات بالمواقف بمدينة فاس أصبح ظاهرة معتادة، فإن وجود أماكن متخصصة لذلك بملتقيات طرقية أو بهوامش المدينة، أصبح أمرا ملفتا للانتباه، كما هو حال المكان الذي يشتغل فيه مصطفى، الذي يمتهن فيه هذه الحرفة حوالي 30 شخصا آخر. الهروب من البطالة كان يقف على قارعة الطريق ممسكا بيده قطعة قماش وبجنبه سطلان قصديريان من الماء، يلوح بيديه نحو السيارات المارة عبر هذا الشارع الذي يربط ظهر المهراز بساحة "لافياط" وسط مدينة فاس، عارضا على سائقيها تقديم خدمته المتمثلة في غسل سياراتهم؛ إنه الشاب عادل، 37 عاما، الذي اقتربت منه هسبريس وسألته عن حال هذه المهنة، فأجاب: "أزاول مهنة غسل السيارات على رصيف الشارع لما يزيد عن 14 سنة، بحثت في كل مكان بفاس عن فرصة عمل غير أنني لم أعثر عليها، فشمرت عن ساعدي واخترت الاشتغال غاسلا للسيارات". "نطالب المسؤولين بأن ينظروا إلى حالنا، هم يمرون يوميا عبر سياراتهم بهذا المكان، هذه المهنة توفر الكثير من فرص الشغل للشباب العاطل"، يقول عادل الذي أبرز أن عمله هذا بالكاد يغطي متطلباته الضرورية، مضيفا: "العمل في غسل السيارات يتطلب التحلي بالأمانة لكسب ثقة السائقين، هي مهنة تتوقف فقط على مصدر للمياه وقطعة من الثوب ومواد للتنظيف، ولكن في حاجة إلى كثير من الصدق والأمانة". من جانبه، أوضح مصطفى، في عقده الخامس، أن العمل في غسل السيارات، الذي قضى فيه 30 سنة، يبدأ من الساعة السادسة صباحا ويستمر إلى غاية مغرب كل يوم، مضيفا في تصريح لهسبريس: "لا نجني كثيرا من المال من هذه المهنة، ولكن على الأقل نعتمد على عرق جبيننا لكسب الرزق الحلال، مدخولنا لا يتعدى 80 درهما في اليوم، هو مبلغ زهيد بالكاد يغطي احتياجاتنا اليومية". "الماء مشكلتنا" "لدينا أبناء، وليس لنا مكان نذهب للعمل فيه، ورغم أننا نعاني من قلة الدخل ومن البرد خلال هذه الأيام، إلا أننا نضطر إلى المجيء إلى عملنا كل صباح"، يوضح مصطفى، الذي أبرز أن أغلب زبناءه هم من سائقي سيارات الأجرة الصغيرة التي تتطلب، بحسبه، الغسل يوميا، مطالبا المسؤولين بتوفير مصدر للمياه لهم بدل اعتمادهم على منبع ماء طبيعي يوجد بعين المكان ينضب أحيانا، "ما يفاقم معاناتنا في البحث عن الماء"، يقول مصطفى. من جهته، أكد محمد، 43 سنة، أنه، فضلا عن معاناة ممتهني غسل السيارات بشوارع فاس مع مشكل التزود بالماء، فإنهم يضطرون، خلال الأيام المطيرة، إلى التوقف عن مزاولة عملهم، ما يحرمهم من دخلهم اليومي، مضيفا: "مرت من هذا الموقع أجيال، أنا منذ كان عمري 16 سنة وأنا أعمل في هذه الحرفة، نتمنى أن يوفروا لنا الماء في هذا المكان قرب ساحة لافياط، هنا تعيش عائلات وأسر، أغلبيتنا متزوج وليس له مورد رزق آخر". وأكد عدد من السائقين من زبناء ممتهني غسل السيارات بشوارع فاس، الذين تحدثت إليهم هسبريس، أنهم يلجؤون إلى هذا النوع من الخدمة بدلا من المحلات المتخصصة نظرا لكون الطريقة التقليدية لغسل السيارات، بحسبهم، لا تؤثر على صباغة عرباتهم، عكس التنظيف الجاف أو باستعمال المياه المضغوطة، دون أن يخفوا اختيارهم لهؤلاء العمال لإتقانهم لعملهم ولربح الوقت والمال، حيث يكلفهم غسل السيارة قدرا معقولا من المصاريف وزمنا مقبولا.