قام المغرب تاريخيا بدعم جنوب إفريقيا خلال مرحلة الاستعمار والميز العنصري، لكن وبناء على التغييرات السياسية وطغيان روح الإيديولوجية، ظلت جنوب إفريقيا تساند الدولة المزعومة للبوليساريو. وخلال وجود جلالة الملك بكوت ديفوار، بمناسبة لقاء الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في نوفمبر 2017، تم على هامش الملتقى لقاء تاريخي بين جلالة الملك ورئيس جنوب إفريقيا؛ ما جعل المتتبعين يعتبرون اللقاء خطوة أولية لبناء علاقة قوية وعالية بين البلدين. إذن ما هي الاستراتيجية المتوخاة من خلال هذا التحول؟ وهل سيكون له عائد على قضايانا الوطنية؟ ومما يفسر هذا حضور وزيرة العلاقات الدولية والتعاون الإيفوارية مؤخرا إلى المغرب، وتداولها مع المسؤولين المغاربة في قضايا مهمة نحو الهجرة والسلام، والأمن والتنمية؛ وذلك من باب توحيد الرؤى، خاصة وأن المغرب سيحتضن أواخر سنة 2018 مؤتمرا حكوميا خاصا بالهجرة. وللإشارة، فإن المغرب وجنوب إفريقيا دولتان لهما أهمية كبرى على مستوى إفريقيا. فالمغرب ثاني مستثمر في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا، ويمكن أن يحدثا تغييرا استراتيجيا على المستوى القاري رفقة إخوانهما الأفارقة، لأن الظرف لا يسمح بضياع الوقت، خاصة في عالم يعرف تحولا ت كبيرة. إذن فمصير الدولتين في التقارب وليس التباعد، والاهتمام بالوحدة القارية ومواجهة كل أشكال التفرقة المبنية على المصالح الضيقة، للأسف، ومضيعة للوقت. وستعرف الدبلوماسية بين البلدين تطورا كبيرا في المستقبل بناء على اتفاق ابيدجان في نوفمبر 2017 بين قائدي البلدين، منطلقين من قاعدتي التعاون جنوب جنوب، ورابح رابح، والتضامن بين جميع بلدان القارة. واللقاء بين وزيري الدولتين مؤشر على توزيع السواد على البياض من أجل رسم خريطة طريق جديد يفعل توجيهات رئيسي البلدين. إذن فهي استراتيجية واضحة المعالم تسير بخطوات مدروسة وهادفة. ومن أجل تعزيزها لا بد من: - التنسيق المستمر بين البلدين في كل ما يهم المصالح الثنائية والقارية بكاملها. - الشعور القوي بأن التقارب والتفاهم بين البلدين سيعطي دفعة قوية للقارة، خاصة في مواضيع مشتركة تقلق الرأي العام نحو البيئة والهجرة والبنيات التحتية والتنمية المستدامة... - السعي إلى تطوير الجانب القانوني والمؤسساتي والتنظيمي القاري لأنه المعول عليه في عقلنة كل المبادرات بناء على الحكامة السياسية والبناء المؤسساتي، والابتعاد عن كل ما يشوش على هذا المنحى من قبل أناس يسبحون دائما في الماء العكر. - الاجتماع من أجل بسط التحديات والاجتهاد في وضع الحلول والسعي إلى إعدادها وتنزيلها وتتبعها وتقويمها. - إن أي مبادرة من هذا النوع مرتبطة بإرادة سياسية والعمل المستمر من أجل البناء الإفريقي الذي للأسف تعطل كثيرا نظرا للانشغال بأمور ثانوية وواهية، بدل العمل على قضايا استراتيجية ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المعيش القاري الذي يعج بمشاكل عدة تتطلب رقيا في التفكير، وسلاسة في التعامل، وحكامة في التدبير، واستثمار كل الطاقات والكفاءات من أجل الشأن الإفريقي. - استثمار الموارد البشرية والطبيعية التي تزخر بها القارة، والتعامل معها بمنطق السيادة، واعتماد قاعدة رابح رابح. - استثمار الرأسمال غير المادي الذي طالما نادى به جلالة الملك في خطاباته، خاصة التنمية البشرية، حتى نجنبه الموت في الشواطئ. مع العلم أن قارته غنية جدا لو استثمرت مواردها بالعدل والإنصاف لأغنت العالم. إن القارة الإفريقية إضافة نوعية للبناء الكوني وليس القاري فحسب؛ لذلك تجد كل الدول تتجه نحوها. والمغرب كدولة إفريقية يمكن أن يلعب دورا رياديا، إلى جانب إخوانه، لما يحتوي عليه من مؤهلات وتجارب ومعرفة يرغب في تبادلها مع خبرات أشقائه. إذن العلاقة المغربية مع الدول الإفريقية تعرف دينامية قوية ستجني القارة ثمارها في المستقبل، وتلامس التنمية المستدامة كل الفئات المعمرة للقارة، وإني واثق بمستقبل مقدر للقارة رغم التحولات الجيوسياسية الصعبة التي يعرفها العالم.