الساخر " برناردشو " يقول : ( إنهم يقولون دعهم يقولون ) وقد جاءت قولته هذه في الذين بالدرجة الأولى لا يفهمون معنى الكلام والذين لا شغل لهم ولايجدون ما يغنيهم عن الكلام في الناس .. وهكذا فلن يستطيع المرء مهما أوتي من لطف، ونبل ودماثة، وبشاشة ودواخل بيضاء، و.. و.. وأحيانا سلاطة لسان، لن يستطيع أن يسكت من يقولون، فهناك بشر متفرغون للكلام .. يمتهنون الرغي، لا يقتنعون بأن الفم المغلق لا يدخله الذباب، مشغولون دائما بالآخر، إذا أتعبهم ناجح سلخوه بألسنة حداد، فلا يرضيهم إلا الفشل، وإذا أغاضهم متألق وضعوه على المشرحة واستخدموا سكاكينهم السامة، وإذا أزعجهم ذلك الصنف الذي تعلم الرد بعمله الجميل، طاشت كلماتهم وتجمعوا على موائد الوقت المقيتة ليمارسوا حسدهم الأسود .. دائما يأكلهم الفراغ وخلاء اليد والعقل من أي نافع للذات أو للآخر، عيونهم تدور دائما تبحث عن مواطن الجمال لتشوهها، وعن النخل الباسق لتقزمه، إنهم حقا متعبون من الذين يعملون والذين لا وقت لديهم لإعطاء الأذن لثرثرة الخاوين، وغير آبهين بزارعي الشوك ( فكل إناء بما فيه ينضح ) هذا كلام ما كنت لأكتبه، ولكن الضرورة لعبت دورها ووجدتني مضطرا لتوضيح بعض الأشياء، وخصوصا للذين يريدون من قلمي أن يكون مدفعا لضرب الآخرين، ومطية لتصفية الحسابات الشخصية. "" و قد يتساءل قراء هسبريس مع أنفسهم لماذا كل هذه المقدمة، سوف أكون معهم كريما وأسارع بانتشالهم من حيرتهم، وذلك بدعوتهم لتتبع السطورالتالية لمعرفة السبب الذي جعلني أخط هذه المقدمة التي لم تكن مسطرة في أجندتي. بعد مشاهدة لقطات من مسرحية " الإعلان في الجورنال " التي بثتها مؤخرا القناة الأولى، وعندما استوقفني المشهد الذي عبرت حينها عن رأيي فيه، - تشبه عزيز العلوي بالمرأة - لاحظت غضب بعضهم، إنهم أولائك الذين لا يؤمنون بوجهات النظر المخالفة .. وتهجم علي الكثير منهم، الذين أجزم أنهم لم يفهموا البتة القصد من ملاحظتي .. بحيث ذهب بعضهم ليربط قضية المسرحية التي انتقدتها بأحداث القصر الكبير، التي حامت حولها عدة شائعات تفيد أن شاذين عقدا عقد القران فيما بينهما، أو أقاما حفل زفاف أو .. أو، وقد وجهت لي بعض الرسائل التي تحمل بين طياتها الكثير من اللوم على تقصيري في الكتابة عن هذه الأحداث، وآخرون عاتبوني بما فيه الكفاية ووجهوا السؤال التالي: ( هل اقتصر نظرك فقط أيها الكاتب على المسرح، دون النظر الى الواقع من حولك ؟ ) وعبر آخرون عن امتعاضهم مما كتبت عن المسرح دون الالتفات إلى ما يحدث داخل جريدة هسبريس، يقصدون أن أحد الشواذ يوجد ضمن الكتاب الذين يتعاملون مع ذات الجريدة - دائما حسب قولهم - وقد دخل الكثير من القراء سامحهم الله على الخط وقالوا كلاما يغضب حقا، ولولا أني أتصف بالصبر وألتزم بأخلاقيات المهنة لبادلتهم بالمثل وأكثر، والذي لايعلمونه كل الذين كان من واجبهم أن لا يردوا علي بالقدح وبالكلام الذي لا يعلم فك طلاسيمه إلا الله هو أن المسرح يعد ( أبو الفنون ) وهو المرآة التي تعكس أخلاق المجتمع ومنه يتعلم الجيل الجديد عدة أشياء، وعليه .. حين يرسل هذا المسرح رسائل مغلوطة فمن ياترى يصححها لأجيالنا فيما بعد؟ وعلى هذا الأساس ارتكز نقدي، الذي لم يكن نقدا جارحا أو أي شيء من هذا القبيل، بل كان نقدا بناء ومصححا للوضع، معلنا به عن موقفي بجرأة وشجاعة لما وجدت أن الأمر يتطلب ذلك، لأنه من العيب كما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن يلعب الرجل دور المرأة في وجود العشرات من النساء الممثلات العاطلات عن العمل، لأنه في أي حال من الأحوال لا يمكنه من جهة اثقان الدور، و من جهة أخرى أساء إلى نفسه والى زملائه الممثلين والى فصيلة الرجال ككل .. أما عدم معالجتي لقضية القصر الكبير على حد قول أصحاب بعض الرسائل، فلم يكن في إمكاني، وذلك نظرا للمسافة التي تفصل بين مكان إقامتي ومكان الحدث، وقد طبقت قاعدة "بين الحق والباطل أربعة أصابع"، بمعنى إذا رأيت فذاك حق وأما إذا سمعت فهو باطل، وهذا ما لم يتح لي فرصة الخوض في الكتابة في هذا الموضوع حتى لا أدخل في باب الفاسقين ( ارجع إلى الآيات القرآنية ). وبما أن الخلافات طبيعية بين بني البشر، فمقابل كل اللائمين والمعاتبين فقد كان هناك صف آخر الى جانبي، إذ اعتبرته مساندا لي ومقويا لعضدي ومؤيدا لكل ما جاء في مقالي، ومثل لي في الحقيقة أصحاب هذا الصف كأبطال مظاهرة حب تمثل أجمل استفتاء على مصداقية مقالي المشار اليه، وملاحظاتي التي كانت في الصميم ، وأنا هنا لا أدعي الكمال في أقوالي ولا انتقاداتي، ولست ممن تمنعهم عجرفتهم من تقبل الردود والتعاليق الموضوعية التي يمكنني أن اهتدي بها إلى الصواب، إنما فقط أريد أن تكون هذه في محلها وأن يتفهم أصحابها واجبهم ليصلحوا ما يمكن إصلاحه، بدل إفساد ما هو صالح، وذلك لما تعرفه أكثرية الردود من تبادل السب والشتم فيما بين القراء، والخروج عن المعقول أو عن النص بكلام أهل المسرح. على العموم تحياتي لكل القراء الأعزاء، وشكري لهم جميعا وأعدهم بأني سأكون دائما رهن إشارتهم للرد والمناقشة وإبداء الآراء على العنوان الالكتروني أسفله: [email protected]