تمهيد: كان القائمون على تدبير الشأن العام بالمغرب وفي مناسبات عدة ومنذ سنوات مختلفة يروجون لمقولة تشيع أن التعليم بالمغرب قطاع غير منتج، وأن تكلفة الأجور فيه كبيرة جدا على نحو يرهق الميزانية العامة للدولة وهي مقولة شائعة إن دلت على استخفاف كبير بقطاع يعتبره العقلاء مصدر ومنبع المستقبل والمجال الأكثر حاجة للاستثمار والإنفاق فهو يكشف أيضا عن توجه قديم لدى الدولة للتخلص من المجالات ذات البعد الاجتماعي بدعوى الفاتورة الثقيلة لمشاريع العمليات الإصلاحية المتتالية والتي لا تقابلها إلا النتائج الهزيلة. وجب التذكير بأن التخلص من المجانية هو قرار سيادي رسمي ويكفي الرجوع إلى الخطاب الملكي الرسمي في افتتاح الدورة الخريفية التشريعية الثالثة والذي صدر الميثاق الوطني بفقرات منه (الرباط 8 أكتوبر 1999) ليجد المرء الإصرار على جملة من التدابير التي تنص على حصر مجانية التعليم في مستوى التعليم الأساسي وعلى مساهمة الفئات ذوي الدخل المرتفع في الثانوي وعلى فرض رسوم على التعليم العالي وعلى رهن الاستحقاق بالتفوق والاحتياج. 1. الميثاق الوطني للتربية والتكوين والتخلص من أعباء تعليم غير منتج: لقد ألقى المشرع من خلال الميثاق على الجماعات المحلية واجب الشراكة وتحمل الأعباء، وعمل على إقرار نظام جبائي ملائم ومشجع للقطاع الخاص، بل وعلى إنشاء المؤسسات التعليمية ذات النفع العام على وزن الجمعيات العمومية ذات النفع العام وعلى إعفائها كلية من الضرائب، ودعا إلى مراعاة معايير الحكامة والشفافية في التدبير المالي (المادة 168) وعلى إحداث نظام للحسابات الوطنية في مجال التربية والتكوين يتم من خلالها إصدار تقرير سنوي يرفع إلى البرلمان يقدم كشفا ماليا حسابيا للإنفاق العام على التعليم. ولقد نصت المادة 169 على مبدأ تنويع موارد تمويل المنظومة وهو ما يقتضي إسهام الفاعلين والشركاء من جماعات محلية ومقاولات وأسر ميسورة في المجهود التمويلي للتعليم، وتقترح المادة 170 خلق مساهمة وطنية لتمويل التعليم في إطار صندوق خاص، وتم تغليف إسهام الأسر بأنه يراد منه جعلها شريكا فعليا في المجال (المادة 173).أيضا تم التنصيص على تفعيل التضامن الاجتماعي بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي. وقد خصص الميثاق فقرات مهمة غطت من المادة 167 إلى المادة 177 كلها للتدابير المالية للقطاع بما فيها مبادئ تحديد مقادير ورسوم التسجيل. بمعنى إن ما يتم الحديث عنه الآن ليس إلا تنزيلا وتنفيذا لما تم التواطؤ عليه منذ ميلاد الميثاق تحت دعاوى التوافق والإجماع.[2] إذن ما يجب أن نغفل أن ما يطرح في هذا المجال وحتى في ما يرتبط بالتكوين قبله من مستجدات قد تم التخطيط له ويجد مستنده المرجعي فيما عرضه الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي جسد الترجمة العامة لإملاءات تقرير البنك الدولي المسلم للملك الراحل سنة 1995 والذي سبق أن أشار في بعض فقراته إلى أن الاستثمار في مجال الرأسمال البشري هو المسألة الأكثر أهمية التي ستطرح على المغرب بعد مرحلة التقويم الهيكلي وتم التنبيه منذ ذاك أن ذلكم الإصلاح المقترح سيتطلب اختيارات صعبة. هناك إذن نجد توجهات الدولة نحو حذف المجانية وفتح باب التعاقد ومراجعة وضعيات الموظفين كل ذلك للتملص من الإنفاق عبر اقتراح صيغ مبهمة تدعو إلى تنويع مصادر التمويل وفتح شراكات مع جهات يعلم الكل أنها غير مؤهلة بنيويا واقتصاديا لما تعيشه من أوضاع الهشاشة العامة. طبعا ستجد تلكم التوصيات المملاة طريقها إلى الميثاق من خلال مجموع من مواده التي لا تعني في الأخير سوى حرمان آلاف التلاميذ و الطلبة من الولوج إلى التعليم وهو ما يؤدي إلى ضرب المبادئ الكبرى التي أسست مختلف إصلاحات التعليم بالمغرب كما يؤدي إلى ضرب مبادئ التعليم الدائم، والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، والشفافية، و الإنصاف والارتقاء بالأفراد والجماعات التي جاءت الرؤية الاستراتيجية للتغني بها مرة أخرى من خلال إجراءات تضربها في العمق. دون أن ننسى ما فتحه هذا التوجه من منع القطاع الخاص حوافز متعددة لا تستفيد منه المؤسسات العمومية وكذا ما فتح بعد ذلك من مجال للمنح والمساعدات الدولية التي كانت بوابة لإعادة فرض شروط المنتصر حضاريا.[3] 2. التقرير التقييمي لتطبيق الميثاق و تمويل منظومة التربية والتكوين يتيح التقرير التقييمي لتطبيق الميثاق معطيات مهمة بصدد تمويل منظومة التربية والتكوين، فإذا كان الميثاق قد دعا إلى تحسين تمويل المنظومة وتدبير ذلك بأقصى درجات النجاعة والفعالية من خلال اقتراح مقتضيات اعتماد القروض الدراسية وخلق صندوق لدعم التعميم والجودة وإلزام الأسر الميسورة بأداء تكاليف الدراسة وتنويع مصادر التمويل من خلال الشراكة مع الجماعات المحلية والمقاولات وكذا من خلال وضع نظام للمحاسبة المالية، فإن المنجز خلال فترة تطبيق الميثاق يشير إلى غياب الأجهزة القادرة على إعطاء معلومات شفافة حل النفقات والموارد داخل الاكاديميات وإلى غياب الحسابات الوطنية الموعودة وما توفر منها يشير إلى أن مبلغ إسهام الجماعات المحلية لا يتجاوز 0,49% ، وإسهام المقاولين والخواص 0,01%، مما يعني أن المراهنة على هذه الجهات كانت فاشلة. وبحسب هذا التقرير نجد أن الأسر تتحمل أقساطا وافرة من نفقات مختلفة بحسب نوع التعليم ونوع الوسط مما يترتب عنه أن القول بمجانية التعليم هو قول غير دقيق إذ إن هناك نفقات مختلفة لتغطية التسجيل والتنقل والسكن والتغذية واللباس والتطبيب، وقد أبرز هذا التقرير أن متوسط نفقة تلميذ يمكن أن يصل إلى 2710 درهما في التعليم العمومي في بعض الجاهات وإلى 9196 درهما في التعليم الخصوصي رغم إقرار التقييم أن ما يتم إنفاقه لا يوازي النتائج المحصلة مما يعنى غياب أثر التمويل على المخرجات العامة للتربية والتعليم وهو ما يعني ضمنيا هدر المال العام وهدر الجهد والطاقات وآثار ذلك كله على الوضع النفسي والاجتماعي والمادي للمتعلمين ولأسرهم. لقد أبان التقرير المذكور عن عدم قدرة الجهاز الرسمي المدبر على تنفيذ النفقات المرصودة المتوقعة أصلا، وعلى وجود تفاوت كبير بين المرصود وبين النفقات الحقيقية، مما يبرز حسب التقرير دائما العجز عن تحقيق المسطر مما يكون له أثر سلبي على إيجاد البنايات وعلى استيعاب الطلب الكثير على التعليم الشيء الذي لن يؤدي إلى التأثير على بنيات الاستقبال وشروط التدريس وحصيلة التعلمات وبالتالي على الجودة وهم ما يعيد طرح سؤال الشفافية والحكامة في التدبير المالي. ذلك أن الإنفاق على المنظومة (على هزالته وضعفه بحسب المطلوب) يعرقله خسارات الموارد المالية على نحو فظيع بسبب سوء التدبير المالي تنفيذا ومتابعة وتقويما. [4] أقر التقرير أيضا بعدم كفايات إجراءات الدعم الاجتماعي المرتبط بخدمات الإطعام المدرسي، والمنح الدراسية والبرامج الموازية والنقل المدرسي في تقليص الفوارق وتسريع تكافؤ الفرص والإسهام في دعم التعميم واستدامة التعلم، وتم الاعتراف بعدم الإنجاز التام لما دعا إليه الميثاق وحدده من تعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل المنظومة متخذا من التطور الديموغرافي وتزايد الوافدين على التعليم ومن ضرورة تطوير المنظومة وتطوير البحث العلمي تكأة لتأكيد ضرورة تنويع المصادر المالية بل إلى اعتبار ذلك مسألة تفرض نفسها بإلحاح باعتبارها من القضايا التي تبقى في مركز التحديات التي يجب مواجهتها.[5] 3. الرؤية الاستراتيجية وترسيخ التخلص من تمويل التعليم ستأتي الرؤية الاستراتيجية لترسخ هذا التوجه نحو التخلص من التزامات الدولة بالقطاع عبر التنصيص على مسؤولي الدولة عن التعميم الإلزامي للتعليم فقط للفة العمرية ما بين 4 و15 سنة ، وعلى تعزيز وتوسيع نظام الإعانات المالية للأسر المعوزة وإمكانية تعميمه إلى نهاية الإعدادي (فقط إمكانية!) ثم على إسهام الجماعات الترابية في تمويل المنظومة. وسيتم رهن إتمام متابعة الدراسة بعد الإعدادي بفئة المعوزين شريطة استكمالهم للكفايات والمكتسبات. وستجدد الرؤية الدعوة إلى فرض رسوم للدراسة في التعليم الثانوي التأهيلي وفي التعليم العالي، وإلى إحداث واجب التضامن الوطني في تمويل المدرسة وإعداد صندوق مخصص للدعم بشراكة من الدولة والخواص. وقد ربطت الرؤية الإنفاق على التعليم ومستواه بالحاجيات المستقبلية والاختيارات الاستراتيجية للمغرب على أن تتحمل الدولة القسط الأوفر من التمويل مع تنويع مصادره بإشراك الجماعات الترابية. بالمقابل ستؤكد الرؤية على فتح المجال أمام التعليم الخاص في إطار وضع الشريك للتعليم العمومي باستفادته من تشجيعات ومزايا على أساس ضبط رسوم التسجيل والإسهام في التضامن الاجتماعي بتوفير التعليم لأبناء الأسر المعوزة وذوي الإعاقة والأوضاع الخاصة. لا تحدد الرؤية المراد بالحاجيات المستقبلية ولا الاختيارات الاستراتيجية التي سيتم رهن التمويل بها والكل يعلم أن استقلالية المنظومة وقدرتها على تحديد متطلباتها أمر مشكوك فيه بالنظر إلى ان معظم الإصلاحات التي تم تنزيلها كانت بإملاءات أجنبية وبمساعدات مالية من المؤسسات الدولية المانحة ومن مساهمات مؤسسات التعاون الدولي(هكذا!). كما أنها تترك مساحات كبيرة من الغموض في تدقيق مفاهيم تنويع مصادر التمويل ونظام الإعانات والأسر المعوزة والتضامن الاجتماعي على نحو يدخل تمويل التعليم في متاهات كبيرة لا مخرج منها خاصة ونحن نعلم أن ما تقترحه الرؤية من آراء هنا هو من قبيل الأوهام التي تتراءى لليقظان لا الحالم الوسنان كمثل اجترار الحديث عن الصناديق الخاصة وعن إسهام شركاء غير مؤهلين على جميع المستويات وكالرهان على قطاع خاص همه جني المال أن يعين الأسر المعوزة وذوي الاحتياجات الخاصة!!!.[6] وستكون مناسبة رأي المجلس الأعلى في مشروع القانون الإطار لإصلاح المنظومة فرصة سانحة للحسم في توجه الدولة نحو تملصها من التزامات خدمة قطاع اجتماعي طالما اشتكت من إنهاكه لميزانيتها العامة من دون تحقيق أي نتائج تذكر خاصة مع النزعة القانونية الإلزامية التي سعى المجلس لوسم المشروع المقدم بها وذلك بانتصار المجلس في رأيه هذا إلى مختلف التدابير التي أقرها في الرؤية مع تشديده على تضمين المقتضيات المختلفة لتمويل المنظومة المقدمة على غموض عناصرها وعمومية تأويلها وتضارب أهدافها في نص قانوني لا يمكن أن يفهم منه سوى إحاطة وتحصين ما يقترح من إجراءات مجحفة باسم القانون منعا لأي احتجاج أو اعتراض مجتمعي. 4. أوهام دعاوى المجانية إن الحديث عن إلغاء مجانية التعليم في ظل النسق التربوي المغربي بما له وما عليه ضرب لتعميم التعليم ولشعارات محو الأمية وتكافؤ الفرص وتوجه صريح نحو الخوصصة بدعوى التكلفة الغالية للإصلاح، والحق أن هذا وهم كبير إذ إن حجم الإنفاق على التعليم ضعيف وعلى البحث العلمي أضعف وحتى ما يتم رصده لا يتم إنفاقه كاملا ولا يتم إنفاقه حتى على هزالته على الوجه الصحيح فلا يصل إلى مكانه. ثم إن المتعلم المغربي يؤدي رسوما مختلفة أثناء التسجيل بعضها قانوني وبعضها مفروض وبعضها لا يدرى مصيره كرسومات التأمين والجمعية الرياضية والتعاون المدرسي وجمعيات الآباء والكتب المدرسية ومصاريف التنقل وساعات الدروس الخصوصية في ظل غياب حكامة مالية ناجعة لصرف وتدبير الموارد المالية للمؤسسة المدرسية. وإن القول بكون الأمر موجه فقط إلى الأسر الميسورة وهم أيضا لأن هذه الأسر لا تدرس أبناءها في التعليم العمومي أصلا، بمعنى أن المقصود حقا بتحمل الدولة للقسط الأوفر للتمويل سيشمل فقط الجزء المتبقي مما لا تغطيه التعليم الخصوصي في الابتدائي والإعدادي شريطة توفر النجاعة والفاعلية التي لا تفهم إلا في اتجاه ضبط التوازنات المالية العمومية التي ستلجئ لا محالة إلى ما تم الوصول إليه من إنهاء التوظيف وتفويت المؤسسات العمومية وتخفيض الميزانية والحد من المستوى التعليمي في حدوده الدنيا. ولعل الحديث عن دعم الأسر المعوزة فيه دخن كبير أمام عدم كفاية البرامج المعتمدة تدخل الاعتبارات البيروقراطية والمحسوبية في تنظيمها. وإنه بدل الدفع بذريعة كلفة الأجور لا يتم الحديث عن القسمة العادلة للأجور التي تحتوش قدرها الأكبر فئة متنفذة قليلة تجد سهولة ويسرا للولوج إلى مصادر القرار ومناصب التوظيف ويبقى للذين أسعفهم جهدهم وجهد أسرهم النضال أمام واجهات المؤسسات التشريعية لنيل الحق في وظيفة هنا أو هناك عادة ما تكون غير مناسبة للمؤهل العلمي، بعد أن يكونوا قد نالوا الحق الوافي من القمع والاضطهاد. لننظر بدءا إلى أن المؤسسات التي أقرت تنويع مصادر التمويل تمويها للتخلص من نفقات التعليم هي مؤسسات رسمية بداء من المؤسسة الحاكمة ولجانها الإصلاحية وانتهاء بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وهيئاته التقويمية التابعة. المجلس الأعلى مؤسسة دستورية حقا ولكن وظائفها استشارية اقتراحية بحثية. بيد أن الواقع يكشف أنها باعتبارها مؤسسة خارجة من رحم النظام الحاكم بتركيبتها المشوهة غير المنسجمة التي تغلب فيها الترضيات وتغيب فيها كفاءات علمية وفاعلون تربويون ويمارس فيه إشراك صوري مقيد، تؤدي وظائف فوق دستورية تتجاوز مهامها المقررة إلى مستويات منازعة الأجهزة التدبيرية المنفذة وظائفها الأساسية. ولعل ذلك ظاهر في تماهي الوازرة في تدابيرها مع رؤية المجلس وفي تزلف الوزارة وتوجسها الدائم من انتقاداته اللاذعة وطلب بركات رؤاه في كل شيء والحرص على اتخاذ آرائه مرجعيات مقدسة. إذن طرح المسألة في سياقها بالرجوع إلى مهندسي الإصلاحات تجعلنا بصدد عمليات تبادل لأدوار أو عملية تنويع آليات التنزيل عبر مؤسسات الجامع بينها خدمة النظام الحاكم، وعليه يكون المجلس الأعلى للتعليم برأيه الصادر حول مشروع القانون الإطار لإصلاح المنظومة إنما يتم ما أقره النظام الحاكم في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وحتى منازعة البعض في الأمر الآن ليس ذا بال بالنظر إلى أن بعضا من المنتقدين كانوا ومازالوا ممن يقول بالإجماع الوطني حول الميثاق. ولننظر أيضا إلى توجه الرؤية التي صنعت تحت أعين المخزن إلى منح التعليم الخصوصي وضعا متقدما من خلال مشروع شراكة تعليم عمومي خصوصي إنما يخدم اللوبيات الجشعة في المجال بحكم ما يتخبط القطاع فيه من محسوبية واختلالات تشمل تدابير منح الرخص والفضاءات المستعملة واحترام دفاتر التحملات وزبونية النقط وارتفاع الأسعار وضعف الجودة وسيادة الطوابع التجارية. إذن ليس جديدا ان الدولة المغربية كانت تستند في مقاربتها للسياسة التعليمية طبعا إلى جانب تحكم القرار السياسي في القرار التربوي إلى الاستجابة لما تعرضه أو تفرضه مقترحات المؤسسات الدولية المانحة وعلى رأسها البنك الدولي، وغير خفي أن الميثاق نفسه هو خلاصة ونتيجة لذلكم الاجتهاد وتلكم النجابة العالية التي طالما أبان عنها المغرب في الاستجابة لمقررات تلكم المؤسسات وكثيرا ما يتم تعمية الأمر وتغطية تلكم الاستجابة بشعارات تعميم التعليم وتشجيع البحث عن موارد اخرى لتمويل القطاع وتشجيع القطاع الخاص في الإسهام في تعميم وتسريع وتيرة اندماج المتعلمين في سوق الشغل. والحقيقة أن المراد البين الواضح في الحقيقة هو تخريج افواج من اليد العاملة المؤهلة تأهيلا متوسطا لتستجيب لحاجيات المقاولات العائلية. لقد دعا الميثاق الذي صيغ تحت أعين "الخبراء" المعينين وتحت أعين توصيات البنك الدولي إلى تحسين تمويل نظام التربية والتكوين، وإلى تنويع مصادر التمويل وهما مصطلحان لا يراد منهما سوى التوجه نحو تقليص تدخل الدولة المالي في الإنفاق ضبطا لما تسميه بالتوازنات المالية التي تنهكها ميزانية قطاع غير منتج. إن الدولة تشكو من ارتفاع ميزانية التعليم وتعمل على تقليصها سنة بعد أخرى، والحال أن ما يتم إقراره من أموال للقطاع يتم هدره بسبب سوء التسيير وعبث التدبير في مشاريع غير مدروسة. ويكفي الرجوع إلى مشاريع البرنامج الاستعجالي وتقارير الافتحاص المالي لتكتشف أهوال ما صرف من مال من دون أن تكون له آثار واضحة على جودة التعليم ومخرجات التعلم فما زال الاكتظاظ متفشيا وما زالت الأقسام المشتركة ممتدة، وما زالت البنيات الملائمة غائبة، وما زالت نسب التأطير فاضحة بسبب تقليص مناصب التوظيف بل وحذفها من خلال فك الارتباط بين التكوين والتوظيف قبل ان يتم اعتماد التوظيف عبر عقود من غير تكوين!! رفع من الجهد التمويلي إبان مشاريع البرنامج الاستعجالي لكن نتائج الافتحاص المالي تغني عن أي تعليق ولا تسأل عن المحاسبة فتلك طامة وأي طامة؟ لم يتحقق تعميم التعليم كما حدد له وفي الآجال المرفوعة. ضعفت التعلمات على نحو فظيع واحتل متعلمونا المراتب الذيلية في سلم التقويمات الدولية. ولم تعد لشواهدنا التعليمية أية مصداقية داخل البلاد وخارجها. وكان الأفظع في كل هذا عدم قدرة التعليم على إدماج الخريجين في سوق الشغل. وكان من نتائج توجهات الدولة هذه تحت مسميات تنويع التمويل ومصادره التوجه نحو القطاع الخاص ورفعه إلى مستوى الشريك وتمتيعه بامتيازات وتحفيزات مهمة ليسهم في تعميم التعليم وجودته، والحال أن القطاع بحكم طابعه التجاري لا يدخل في حساباته إلى جني مزيد من الأرباح وفق منطق السوق أساسا مع ما يفتحه هذا التوجه من خلق نظامين تربويين يسيران بسرعتين مختلفتين في ظل عدم توفر الشروط نفسها والامتيازات ذاتها مما سيؤدي محالة إلى خلق نظام تعليمي تمييزي طبقي يفرز أحدهما بفضل ما أتيحت له من إمكانات نخبة الوجاهة الاجتماعية ويفرز الآخر الطبقات المسحوقة المهترئة. لن نتحدث هنا عن تحويل مهمة التعليم الراقية وتسليم رقبتها إلى تجار السلع وفق ما تقتضيه متطلبات الزبون في مجال ترتفع فيه رسوم التسجيل وتفتح فيه الجامعات الخاصة وتفوت فيه أراضي وبنايات الدولة العمومية من دون مراقبة جادة لمدى احترام دفاتر التحملات القانونية والتنظيمية. تأتي بركات الرؤية الاستراتيجية ومن موقع الوضع الاعتباري لتضع للمسألة برمتها سياج التقييد والتحصين القانونيين بتأكيدها على ما ورد في الميثاق وبحسمها في قضية مرجأة وإن كانت متضمنة في مواد الميثاق عبر تأكيدها على تنويع مصادر تمويل المنظومة وإحداث صندوق للدعم وتعويم المسألة في مفاهيم وشعارات غامضة شكلا ومضمونا. على سبيل الختم إن تناول قضية تمويل التعليم و مجانيته من عدمها التناول العلمي والعملي السليم لا يمكن في ظل الشروط المفروضة أو التي يراد فرضها في نسق تعليمي وتربوي تعميم الأمية فيه بأنواعها المختلفة خيار استراتيجي لنظام استبدادي يرى في التعليم الجيد المعمم المستمر خطرا يسهم في نقض أركان استبداده. وإلا فإن في توفر الإرادة السياسية والتوعية الشعبية والتحفيز المجتمعي ما يفتح أبوابا مؤصدة يمكن أن تقدم حلولا معتبرة لإشكالية التمويل لو توفرت التعبئة الشاملة والثقة الحقيقية بعد الإشراك الحقيقي تحت ظل شمس الوضوح والمسؤولية. الهوامش: [1] هذا جزء من دراسة صدرت في كتاب" تقرير المغرب في سنة 2016" من منشورات المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات،يونيو 2017. [2] المملكة المغربية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين. [3] الزوين أحمد، حجوجي عبد الحكيم، الهلالي عبد الله ، قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مطبعة النجاح، الدارالبيضاء، يناير 2001. [4] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، الحسابات الوطنية للتربية لسنة 2003/2004، نقلا عن الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000- 2013، دجنبر 2014، ص 14 و 15 و16. [5] الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرجع سابق ص 21. 22. 23. 25 .39. 45. 155. [6] المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. (من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء). رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030، ص 16. 17. 18. والرافعة 8 ص 24. والرافعة 15 ص 52.