يدخل المغرب غداً الاثنين مرحلة جديدة متعلقة بعملته الوطنية الدرهم تهم تحرير سعر صرفه بعدما كان لعقود من الزمن يخضع لنظام ثابت متحكم فيه من طرف البنك المركزي، وظل مرتبطاً باليورو والدولار. الأمر يتعلق بنظام مرن لسعر صرف الدرهم لطالما دعا إليه صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر أن هذا الإصلاح سيمكن الاقتصاد المغربي من امتصاص الصدمات الخارجية والحفاظ على تنافسيته. ويأتي قرار "تعويم" الدرهم بعد استطلاع رأي بنك المغرب، وسيحدد سعر صرفه داخل نطاق تقلب بنسبة بين 2.5+% و2.5-%، عوض نسبة بين 0.3+% و0.3-% الحالية. وسيواصل بنك المغرب التدخل لضمان سيولة سوق الصرف، وتعتمد الحكومة على مؤشرات عدة في إقرارها لهذا الإصلاح، من بينها صلابة القطاع المالي، ووجود احتياطي ملائم من العملة الصعبة، ومستوى تضخم متحكم فيه. ولا يتعلق الأمر بتحرير كامل لسعر صرف الدرهم؛ إذ من المتوقع أن تخضع العملية الأولى التدريجية لتقييم مرحلي من قبل البنك المركزي، كما أن التحرير الكامل لسعر الصرف يمكن أن يتطلب حوالي 15 سنة. لكن النظام الجديد ينطوي على مخاطر عدة؛ فرغم عدم إلمام النسبة الكبيرة من المغاربة بنظام الصرف من الثابت إلى المرن، إلا أنهم استشعروا حساسية الأمر، وبات التخوف من ارتفاع الأسعار هاجس شريحة مهمة منهم. عمر الكتاني، خبير اقتصادي، قال في تصريح لهسبريس إن "تعويم العملة هو السماح لها بالارتفاع بنسبة أعلى من تلك الخاضعة للحماية من طرف البنك المركزي حين يتغير سعرها". وأضاف أن "قرار التعويم يأتي في وقت باتت فيه السيولة النقدية منخفضة في السوق، وهذا معناه أن النقود المتوفرة غير كافية؛ لذلك هناك احتمال أن يرتفع سعر الدرهم في السوق". ويربط الخبير الاقتصادي هذه الندرة ب"تبني المغرب لسياسة استثمارية أكبر من طاقته، وبالتالي تقلصت السيولة النقدية في السوق؛ ما سيجعل البنك المركزي يتدخل بهامش أقل من السابق، وبالتالي سيتخلص من الضغوط المرتبطة بذلك". وخلص الكتاني إلى أن تعويم الدرهم "يهدف إلى تخفيف الضغط على البنك المركزي"، موضحا أنه "في ظل نظام مرن بعض الشيء لن يضطر البنك للتدخل، لأن هامش تغير سعر الصرف بات أوسع من السابق". ويرى الكتاني أن قرار تعويم الدرهم جاء أيضاً من أجل مواجهة استمرار عدم توازن الميزان التجاري للمغرب، مشيراً إلى أن انخفاض قيمة الدرهم ستنعكس إيجابياً عليه بالنسبة للصادرات وسلبياً بالنسبة للواردات؛ الأمر الذي سيمكن الدولة من معالجة استمرار هذا العجز. لكن هذا الأمر، بحسب الكتاني، سينتج ارتفاعاً في التضخم، أي ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، لأن السلع التي يستوردها المغرب من الخارج ذات أهمية قصوى، خصوصاً الزبدة والزيت والسكر والقمح. وزاد الكتاني قائلاً: "في حالة انخفاض سعر الدرهم، فإن قيمة هذه المواد الأساسية المستوردة ستعرف ارتفاعاً تلقائياً في السوق، والمواطن المغربي هو الذي يؤدي الثمن، وبالتالي فتح الباب أمام التضخم". وحذر الكتاني من دخول المغرب مسلسل التضخم في حالة انخفاض قيمة الدرهم، لأن البلاد لا زالت تستورد الطاقة التي سيكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على المنتجات الاستهلاكية، وأشار إلى أنه في حالة تسجيل تضخم ضعيف، فالإشكال قائم ويكمن في عملية ضبط أسعار المواد الاستهلاكية لكي لا يتم رفعها من طرف المستوردين والتجار أكثر من نسبة 2.5 في المائة.