لم تهلل الحكومة بالشروع في الحوار الاجتماعي؟ وما معناه في هذا التوقيت؟ وهل تساءلت الحكومة والنقابات عن انتظارات المواطن المغربي ؟ بل وهل أخذت في وقت سابق مأخذ الجدية بأبسط متطلب من قفة الانتظارات المتراكمة بل أبسط من ذلك هل أوفت بما وعدت؟ وما الجدوى من تواجد نقابات تسيل الكثير من مداد السخط والذل والمطالبة بالنفي وليس فقط بالرحيل؟ أليست بالسخرية عندما يتشدقون بمصطلح مأسسة الحوار الاجتماعي؟ وهل الاستجابة إلى متطلبات المواطن تستوجب مأسسة حوار؟ حوار علم المواطن منذ الأزل أن ظاهره بهتان متلفز وباطنه توافق حقير وعبثي. حوار بين من ومن؟ هناك حكومة مهزوزة مشردمة ومدعية لتناغم وهمي مصلحي ضيق في دردشة مع هياكل متآكلة اتخذت من هموم المواطن لعبتها الورقية المفضلة؟ أية مصداقية منتظرة من حوار قائم بين فعاليات، سواء نقابية أو حكومية (حزبية)، وهي موضوع تساؤلات من طرف المجلس الأعلى للحسابات؟ إذا كانت السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة بالرغم من غموضها وعشوائية خطابها، فالفاعل النقابي يعتبره المواطن شريكا "مخلصا " للنتائج المأساوية الناجمة عن هذا التدبير العبثي لشؤون المواطن المغربي. أصفه بالتدبير العبثي للغياب الفعلي والواقعي لسياسة اقتصادية واجتماعية من زاوية المفهوم الصحيح لمصطلح السياسة الاقتصادية. ما نعيشه إنما هو نسخة من le gouvernement vit au jour le jour. بعد ماذا هذا الحوار الدردشة ؟ كل ما اتخذ من قرارات قهرت المستوى المعيشي للمواطن المغربي وأججت الاحتقان الاجتماعي كان بمباركة نقابية وبنهج أسلوب النعامة لجل مكونات المشهد الحزبي والنقابي إلى حين تمرير ما يراد تمريره من قوانين ارتجالية سلبية. والغرابة كل الغرابة كون الخطاب المعارض يوهم المواطن بكون ما تقوم به الحكومة إنما هو خضوع لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية. أولا، إذا كان الأمر كذلك فمن حق المواطن أن ينعت الخطابات الانتخابية بالأكاذيب والبهتان لكون لا بند من هذه الخطابات سوف يتم تفعيله وسيتم سلك سبيل إملاءات المؤسسات المالية. وقد نجد في هذا المنحى تفسيرا لفقدان الثقة بين المواطن والأحزاب. ثانيا، ما توصي به المؤسسات الدولة هو الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية وللحكومة كامل الصلاحيات، اعتمادا على مؤهلاتها البشرية في سن سياسة اقتصادية واجتماعية توازن بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي. إذا كانت تقارير المؤسسات المالية الدولية تشيد بالتمكن من الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية فهي نفسها تشير إلى التدهور الخطير الذي تشهدها القطاعات الاجتماعية. فالواقع الاقتصاد المغربي هو ناتج عن سوء تدبير داخلي لمن انتدب لتدبير الشأن العام وليس نتيجة إملاءات خارجية. هل المؤسسات المالية الدولية هي من ستقوم بمحاربة الريع والامتيازات الاقتصادية واحتكار القطاعات المنتجة ؟ وهل هي من يحدد الأجور والأسعار؟ وهل هي من طالبت بالتغاضي عن مخربي صندوق التقاعد وصناديق الضمان الاجتماعي...؟ وهل هي من أمرت بتمرير الاصلاح على حساب الطبقات المجتمعية المقهورة والمتوسطة دون المساس بتلك الميسورة؟ وهل هذه المؤسسات هي من سمحت لرؤساء جماعات فقيرة بامتلاك أفخر السيارات ولوزراء والبرلمانيين,,,؟ وهل هي من طالبت بتقاعد مدى الحياة للبرلمانيين والوزراء؟ إنه اختيار حكومي داخلي بإيعاز هياكل نقابية تلهت وراء الأبدية في المناصب والامتيازات. كيف للمواطن أن يصفق لحوار اجتماعي وهو يعلم أن مكوناته وردت في حقها تقارير سلبية من طرف المجلس الأعلى للحسابات؟ الواقع المعاش يعكس هوة عميقة بين حكومة مشردمة بعض فعالياتها متابع باختلالات وبعضها لم يعين بعد ونقابات باعت كل شيء مقابل طي إعادة النظر في قوانينها التنظيمية ومواطنون استوعبوا كون لا الحكومة ولا النقابات يمثلهم ويئسوا من الانتطارات. عجبا لحكومة لا تشرع في التفكير في برامج تنموية إلا بعد اندلاع الاحتجاجات. ماذا ينتطر المواطن او ماذا وجب أن يفهم عندما يصرح من داخل قبة البرلمان "أننا نعرف كيف يتم تمرير الانتخابات والتعيينات" ؟ إنه كلام صادم صادر من أحد فعاليات المجلس التشريعي ويضرب في مصداقية المؤسسة النقابية وتلك التشريعية. ما المنتظر من حوار تأذن الحكومة بالشروع فيه وبلاءات حكومية مسبقة عوض أن يكون نتيجة ضغط فعاليات نقابية؟ لن يكون هذا المنحى بالغريب إذا كانت النقابات هي في الأصل حكومية ولم لا القول بكونها "شبه – أحزاب" والواقع كونها تعتبر الدراع الأيمن لها إن لم تكن "توأم روحها". ومن الأكيد أن حوار لن يكون مخالف المسار عن ما سلفه ذلك أنه سيبدأ وينتهي عند نقطة الصفر علما أن الحكومة انطلقت بصيغة مبهمة تعلم أن مآل الحوار هو "الضجيج ليس إلا". ماذا تعني الحكومة باشتراط عدم إقحام الزيادة في الأجور بالموازاة مع ضرورة إعادة النظر في منظومة الأجور؟ كيف تدعي الحكومة على كون ما وفرته لخزينة الدولة من مليارات بإزاحتها لصندوق المقاصة يعتبر جد إيجابي اقتصاديا مستغفلة الآثار السلبية اجتماعيا لهذا الإجراء معللة ذلك بتخصيص هذا المتياز المادي لبناء المدارس... ؟ أليس هذا باستهتار على المواطن الذي يعلم أن أغلفة مالية ضخمة رصدت لتقويم المدرسة وتم نهبها. تدعي الحكومة بكون إقصاء صندوق المقاصة سيخلق تنافسية في صالح المستهلك متجاهلة أو موهمة من لا دراية له بطبيعة الاقتصاد المغربي بكونه اقتصاد ليبرالي قابل لتحقيق توازناته عبر التنافسية وآليات السوق. ولو كان الاقتصاد المغربي ليبرالي ميكانيزمات التوازن لتجلت أولى انعكاساته على أسعار العديد من منتجات مختلف القطاعات سواء التجارية أو الصناعية أو الخدماتية أو البنكية. اانعكاسات نحو الارتفاع تارة ونحو الانخفاض تارة وفي أحسن الأحوال اقتصاديا وجب أن يكون الانعكاس نحو الانخفاض حتى ينشط الطلب والعرض. أما الواقع المعاش والمعاين فهو الارتفاع المستمر وهذا يعني أن الاقتصاد المغربي بعيد كل البعد عن الليبرالية وقريب كل القرب من الاحتكار حتى لا نقول ليبرالية إقطاعية لكونها ليست كذلك أيضا في جوهرها. الليبرالية الاقتصادية ليست ولن تكون مرادفا لخوصصة شمولية لكل القطاعات والحكومة التي تدعي رفع يدها خصوصا عن التعليم والصحة إنما هي حكومة تأجيج الاحتقان الاجتماعي. ما المعنى يا حكومة ويا نقابات من المصطلحات التي باتت يرفعها المواطن المغربي كالعيش الكريم والتعليم والصحة ... ما المعنى من انتظار أية علة حتى تتحول إلى احتجاجات باتت تتراكم وتتسع رقعتها في وقت أن الحكومة لا زالت ماضية في سلك نهج "البهلوان" بعقدها لاجتماعات وعزمها الشروع في دراسة الوضع - الكارثة وزعمها التفكير في برامج تنموية مستعجلة أثبتت التجارب أنها مجرد هرولة للحد من اتساع رقعة الاحتجاج. هل على هذا النحو يقوم الحوار في إطار الليبرالية الاقتصادية التي يتشدقون بها والتي هي في مفهومها الأكاديمي والمعمول بها في الدول التي ينسجم قولها مع فعلها بريئة مما تدعيه الحكومة المؤقتة الحالية والفارطة. وبين ذاك وذاك، يطغى حديث اللغو والوعود والوعيد مقابل اتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي. كما تبرز جليا الهوة بين من يفترض فيه أن يكون ناطقا بهموم المواطن، جماعات وبرلمان وحكومة، وبين الكتل المجتمعية المغربية ذلك أن الحوار بات بين آهات وطلبات وصرخات المواطنين والتفاعل المباشر لملك البلاد معها ويعكس هذا المنحى كل المعاني والتفسيرات. هل باتت مؤسسة المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هما الأخريات مؤسستين شبح حتى تؤكدا للحكومة كون الأرضية الاقتصادية والاجتماعية غير قابلة للهزات المتتالية والبنيوية من جراء إقرار عبثي لمسلسل من القرارات تفاخرت بكونها إصلاحية وما هي كذلك بالنظر للسلبيات الخطيرة التي آلت إليها الأوضاع الاجتماعية. هل تنسجم الرغبة في الحد من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع استمراريته واقعيا؟ متناقضات. وكيف يفعل الإصلاح من خلال فعاليات هي محل تهم التبذير والنهب ؟ لا يتقبل ولا يفهم نعت واقع معاش بكونه قيد الإصلاح وهو نفس الواقع العاكس لاستمرارية الفساد؟ لا حاجة لنا للاستدلال بتقارير وطنية أو دولية لكون كل جهة متمسكة بما يتناغم ومزاجها من خلاصات، ذلك أنه يكفينا التوجه إلى أي سوق أو مدرسة أو مستشفى أو إدارة أو الجلوس في مقهى أو التجوال عبر شبه الدواوير داخل المدن ... ليتبين تلقائيا من خلال ملامح أو خطاب المواطن المغربي واقع الحال المعاش ومن تم واقع انعكاسات السبيل الاقتصادي والاجتماعي الذي سلكته الحكومة منذ ما يقارب السبع سنوات. لا فرق بين الحالية والفائتة لأنه كما يقول المثل " تلك لتلك مرآة". والأمل كل الأمل ألا يترك التحسين الفعلي للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجهول حيث يصعب ضبطه. أكثر من نصف نسبة الشباب المغربي في بطالة أي نصف الموارد البشرية الشابة وهذا كاف لاستنتاج سلبية التدبير الحكومي سابقا وحاليا. وهذه هي وبلغة أخرى "قنينة الغاز" القابلة ليس لارتفاع أو الإبقاء على سعرها بل والتي يحلو للحكومة أن تتخذها لهوا خطابيا، بل لقنابل موقوتة تجهل إمكانية حيلولة "الاطفاءي" دون انفجارها لكونها غير مؤطرة وبدون بوصلة. *باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected]