في الوقت الذي اعترف فيه رئيس الحكومة، سعد الدين العُثماني، بوجود اختلالات تعتري منظومة الأجور الحالية في المغرب وتأكيده عزم حكومته إعادة النظر فيها، باقتراح مجموعة من الإجراءات بعد نتائج الدراسة التي قام بها مكتب دولي مختص للدراسات بإشراف من وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية ووزارة الاقتصاد والمالية، عاد إشكال الهوة في الأجور بين موظفي الدولة في السلالم الوظيفية نفسها إلى الواجهة. وبعدما أكدت الحكومة أن التصور الجديد قائم على إصلاح جوهري لنظام الأجور لا يرتكز فقط على الدرجة أو السلم، لكن على أساس مفهوم الوظيفة، من كفاءات مكتسبة في ميدان المعرفة والمهارة، الأعباء والجهود المبذولة، المسؤولية والمخاطر المتحملة، وشروط العمل، يرى العديد من المختصين أَن "المنظومة الأجرية في المغرب تتطلب إعادة تركيب منظومة الوظيفة العمومية وفق معايير قانونية وتدبيرية جديدة، ووفق حقوق وواجبات تتماشى وطبيعة الادارة المراد بناؤها". وفِي هذا الصدد، قال نور الدين لزرق، باحث في المالية العامة، إن "أي إصلاح للوظيفة العمومية وضمنها منظومة الأجور يجب أن يكون إصلاحا شاملا للقوانين والأنظمة وللبنيات الإدارية وللوضعيات المهنية وللتدبير الإداري المبني على النتائج"، مضيفا أن "تقييم الأداء يجب أن يكون مرتبطا بإصلاح منظومة التقاعد والتغطية الصحية وبنيات الاستقبال داخل الإدارة العمومية". وأكد لزرق أن "مقاربة ارتفاع كتلة الأجور الذي يعد مبررا لمراجعة المنظومة مقارنة بميزانية الدولة (106 مليارات درهم سنة 2017) والذي يبدو ضخما، يحتاج إلى كثير من التدقيق"، موردا أنه "حينما نوزعه بين الأجور من جهة وبين ما تضمه من نفقات أخرى مرتبطة بالاقتطاعات، كالتقاعد والضرائب وغيرها، يتضح الفرق بين ما يتقاضاه الموظف وما يحتسب عليه". لزرق نبه في تصريح لهسبريس إلى أن "احتساب متوسط الأجور بين الأعلى والأدنى لا يعطي صورة دقيقة للوضع الأجري بالمغرب، الذي يتسم بوجود هوة كبيرة تصل إلى فارق 25 مرة"، مشيرا إلى أن "هذا التفاوت يعد إشكالا جوهريا يتطلب أن يبنى عليه أي إصلاح لمنظومة الأجور في المستقبل". وبعدما نبه الباحث المتخصص في المالية العمومية إلى أن "الأجور تتضمن الرواتب الأساسية والتعويضات"، اعتبر أن "الفكر الذي ساد طيلة المرحلة الماضية بني على الزيادة، في إطار الحوار الاجتماعي أو خارجه، في التعويضات عوض الحديث عن الراتب الأساسي"، موضحا أن ذلك "كان هدفه الأساسي هو الاستجابة الآنية للمطالب الفئوية أو لمجموعات الضغط، وأدى في النهاية إلى بنية أجور غير منسجمة وغير عادلة". "الإصلاح إذا لم يتوخ الوصول إلى العدالة الأجرية فهو سيعيد إنتاج الظلم الإداري والمهني الأجري نفسه بين موظفي الدولة"، يقول الباحث لزرق الذي أكد على أن "ربط الأجر بمفهوم الوظيف عوض الدرجات يقتضي توفر جميع الإدارات العمومية على مرجع الوظائف من جهة، وأن تكون المهام داخلها مجزوءة وفق اختصاصات محددة من جهة أخرى"، مبرزا أن ذلك "يفترض تحديد مسارات مهنية واضحة ومتناسقة، يعرف خلالها الموظف طريقه ومساره المهني ويشتغل على أساسه ويجدد كفاءاته".