لن نكون بحاجة إلى البحث في تراثنا الفقهي عما يجيز للمسلمين الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية أسوة بالبشرية جمعاء، كما لن نكون مضطرين لاستصدار أي تشريع من دعاة الكراهية ولا استفتائهم فيما يحقق لنا بهجتنا بأن نحتفل ونوفر أجواء الفرحة وبواعث السعادة في أسرنا وفي نفوسنا. لم يكن للناعقين مجال للنعيق قبل ثمانينات القرن العشرين ولا كان الإعلام يخدم استراتيجيتهم حتى مكّنتهم أنظمتنا السياسية من الهيمنة على المجال الديني خطابا فطغى فقه الكراهية وفتاوى التحريم وثقافة الحزن والنكد ليمتد البؤس إلى مناحي المجتمع فحوّل أعراس وأفراح كثير من الأسر إلى أشبه بالمآتم تنعدم فيها تجليات البهجة ومشاعر الفرح في تحريم تام للآلات والألحان الموسيقية. إنه الظلام والحزن والكره تزحف على المجتمع بتشجيع من الأنظمة وتواطؤ من الدول. وليس غريبا، بعد هذا المد التخريبي لكل ما هو ممتع ومبهج أن تنخرط المؤسسات الدينية للدولة، إما مباشرة عبر المساجد، في الترويج لخطاب الكراهية وفتاوى التحريم من أعلى منابر الجمعة، أو بشكل غير مباشر عبر الصمت المطبق إزاء فتاوى تحريم الاحتفال بالمناسبات العالمية (رأس السنة الميلادي، اليوم العالمي للمرأة...) دون أن تتصدى لها لجنة الإفتاء والمجالس العلمية ولا حتى المجلس العلمي الأعلى. واتسعت دائرة التحريم لتغزو المؤسسات التعليمية حيث ينصب منتسبو التيار الديني أنفسهم دعاة وشيوخا داخل الحجرات الدراسية ليشحنوا فلذات أكبادنا بمشاعر الكراهية وعقائد التكفير وفتاوى التحريم دون أن تتدخل القطاعات الحكومية المعنية للتصدي لهذا المدّ التكفيري والتحريمي الذي ينخر المجتمع. وكان أوْلى بوزارات التعليم والإعلام والأوقاف أن تصدر مذكرات تمنع الخوض في موضوع الاحتفال بمثل هذه المناسبات، وكذا تنظم ندوات وبرامج حوارية تبثها قنوات الإعلام العمومي تجيب عن أسئلة المواطنين وترفع عنهم الخلط والتضليل وتعيد فتح أبواب الفرح والانتهاج التي أغلقتها فتواي الكراهية والحقد والنكد. لا يكفي أن تبرمج هذه القنوات حفل رأس السنة الميلادية، بل لا بد من توفير الأجواء النفسية والفكرية والفقهية التي ترفع الحرج وتبطل التحريم وتجيز الاحتفال والفرح. تلكم مهمة هذه القطاعات الحكومية والقنوات الإعلامية العمومية حتى لا تترك المواطنين ضحايا التطرف الديني والانغلاق الهوياتي. تعالوا لنفرح ونمرح ونبتهج فليس ما يستحق الحزن والكدر. فالأصل في الأشياء الإباحة وطبيعة كل المخلوقات مجبولة على الفرح والابتهاج ولا تحتاج إلى ثقافة أو فتاوى أو تشريع يبرمج لها متى وكيف تفرح. فلا شيء يمنعها من الفرح والاحتفال والابتهاج. حتى الكتاكيت والخرفان تلعب وتلهو وتمرح، وكذلك الطيور والعصافير تفرح شدْواً وتبتهج تغريدا. كل شعوب الدنيا منذ وُجدت وحتى الآن وهي تبدع أدوات وأساليب التعبير عن الفرحة والابتهاج وإشاعتهما سوى الشعوب الإسلامية التي ابتلاها الله بتيار ديني موغل في التشدد والتحريم لا يعرف غير التنفير والتحقير والتكفير. تيار يشيع الكراهية ويشرعن القتل ويحب أن تشيع الفتنة ويتطلع إلى اليوم الذي يُطْبِق فيه على شعوب الأرض فيغزو ويسبي الفتيات والنساء، يفتك بأجسادهن وكرامتهن ويُفجِعهن وذويهن، لأن عقيدة المتطرفين هي نشر الفاجعة وإراقة الدماء باسم الدين والجهاد وإشاعة الفاحشة باسم الجنس المقدس. المغاربة بطبعهم شعب مرح يحب الحياة والفرح ويبدع في الأهازيج والفلكور ويترجم مشاعره وانتصاراته وكبواته إلى نكت ورقصات معبرة. شعب يقاوم فقره بالضحك ويتجاوز مآسيه بالرقص، ويواجه محنه بالغناء. هكذا تربى جيلي والأجيال التي سبقته على الانفتاح والتسامح ومشاركة الإنسانية قيمها واحتفالاتها العالمية. فنحن جزء من هذه البشرية نتقاسم معها كل المكتسبات وننتظم في حياتنا العامة كما الإدارية للتقويم الإداري نفسه الذي تعتمده البشرية على اختلاف أعراقها وأديانها ولغاتها. هكذا نحن المغاربة ولسنا بِدْعاً من البشر. دعونا أيها المتطرفون نفرح بطريقتنا ونشيع ما يُبهجنا ونُدخل الفرح والسرور على نفوس أبنائها وأهلنا، فما الدين حُزن ولا الفرح كُفر ولا الاحتفال مروق ولا الابتهاج فسوق.