الصحراء المغربية.. التقرير الأخير للأمين العام الأممي يجدد تأكيد الدعوة إلى التحلي بالواقعية وروح التوافق    هذه تفاصيل الدعم المباشر الذي ستشرع الحكومة في توزيعه على "الكسابة"    بعد 10 ساعات من المحاكمة... الحبس النافذ ل 16 شخصا في ملف "حراك جيل Z" ببني ملال    الأمين العام للأمم المتحدة يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    تمثل 22% من مجموع الإنفاق العام.. ميزانية 2026 ترصد زهاء 167.5 مليار درهم لفائدة نحو 51 "صندوقا خاصا"    مرسوم جديد يحدد شروط إنجاز واستغلال منشآت الإنتاج الذاتي للكهرباء    الخطوط المغربية تطلق 63 رحلة أسبوعياً نحو الأقاليم الجنوبية بأسعار تبدأ من 750 درهماً    ترامب: سأتخذ قرارا بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي    المؤرخ بوعزيز يخاطب "جيل زد": المستقبل بين أيديكم.. لا تُعيدوا إنتاج الاستبداد    النيابة العامة تصدر دليلا لوحدة معايير التكفل بالأطفال المهاجرين وحماية حقوقهم    الوداد الرياضي يعلن رسمياً ضم حكيم زياش    الدوري الأمريكي لكرة القدم.. ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي الى غاية 2028    بوريطة يدعو ببروكسيل الفاعلين الاقتصاديين البلجيكيين إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية    الصحراء المغربية.. الأمين العام الأممي يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    بايتاس: 165 ألف طفل سيشملهم دعم التعويضات العائلية الإضافية    كوتوكو الغاني: سنقاتل أمام الوداد    ايت قمرة.. سيارة اجرة ترسل سائق دراجة نارية الى المستشفى    جامعة الكرة تقيم حفلا تكريميا على شرف المنتخب الوطني المغربي للشباب    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء    الرباط ضمن أفضل خمس وجهات عالمية في 2026    وزير الفلاحة: نتوقع إنتاج مليوني طن من الزيتون.. وسعر الكيلوغرام لا يتجاوز حاليا 5 دراهم (فيديو)    طقس الخميس.. سحب كثيفة وكتل ضبابية بعدد من المناطق    القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء توضح ل"اليوم 24" أسباب تأخر مواعيد مقابلات الفائزين في قرعة أمريكا    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    الفنان محمد الرزين في ذمة الله    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    كرة القدم ..المغرب يستضيف بطولة " فيفا يُوحِّد: سلسلة السيدات" لعام 2025 يوم 26 أكتوبر الجاري (فيفا)    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    وللفوز أجنحة الفرح    تحت الرعاية الملكية السامية.. التزام مغربي متجدد لبناء فلاحة إفريقية صامدة ومبتكرة    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة قادمة. ماذا أعددنا لها؟
نشر في هسبريس يوم 28 - 12 - 2017

هذه بعض الاخبار والمستجدات التي طلعت علينا بها الصحف والمجلات المتخصصة والعامة في الأشهر الأخيرة:
- اختراق البريد الالكتروني لكلينتون وللحزب الديموقراطي أثر بشكل مباشر على نتيجة الانتخابات الأمريكية وأدى الى صعود ترامب. فالحروب الجديدة والتأثير على مراكز القرار يمر عبر الحواسيب والاسلاك. وهو ما رأيناه كذلك في تسريبات ويكيليكس وبناما بيبرز.
- الدانمارك فتحت في شهر أكتوبر الماضي سفارة لها في وادي السيليكون.silicon valley مما يعني أن هناك ديبلوماسية جديدة وجهتها الشركات التكنولوجية.
- المملكة العربية السعودية تمنح الروبوت صوفيا الجنسية السعودية وهو وان كان من باب الفرجة الاعلامية فانه مؤشر على تغير مفهوم المواطنة والعلاقات المجتمعية.
- أبل apple لديها احتياطي نقدي أكثر من 4 دول مجتمعة منها فرنسا والكويت مما يعني أن مؤشرات وتوجهات الاقتصاد تصنعها شركات الرقمية
- الذكاء الصناعي يعيد رسم خارطة سوق الشغل ويعلن ميلاد ثورة صناعية رابعة تغير بشكل جذري المهن والكفائات الضرورية للاندماج في سوق العمل
- البيتكوين bitcoin يصبح عملة رقمية عالمية مع صعود رهيب في قيمته والبلوكشين (سلسلة الكتل وهي التكنولوجيا التي تدعم البيتكوين) يؤسس لعهد جديد من المعاملات
- أبو ظبي تفتتح أول مكتب متكامل تم انشاءه بالكامل بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وهو ما يعيد النظر في قطاع البناء والمقاولات.
- تشغل الشركة الصينية الذائعة الصيت علي بابا في أحد مخازنها (مساحته 3000 متر مربع) 60 روبوت تقوم بأكثر من 70% من أعمال التخزين والنقل واللوجستيك
- تيسلا تطلق سيارة رياضية كهربائية ذاتية القيادة بمبلغ 35 مليون سنتيم في 2018 وتعلن عن شاحنة للبضائع بدون سائق. ونفس الشركة تطلق قطار فائق السرعة هيبرلوب يربط دبي وأبو ضبي في دقائق معدودة. وهكذا يستعد قطاع النقل لتحول نوعي وجذري.
- جيف بيزوس مؤسس أمازون يصبح أغنى رجل في العالم بثروة تفوق 100 مليار دولار بعد المبيعات القياسية لامازون في نهاية سنة 2017.
- فيسبوك، جوجل وأبل تطلق الانترنت المجاني المغطي في الثلاث سنوات المقبلة عبر تقنيات تعتمد على الطائرات بدون طيار (درون) والاقمار الصناعية الصغيرة والبالونات.
تبدو هاته الاخبار في بعض الاحيان غريبة وفي مرات أخرى مزعجة بل مخيفة لكن المستقبل قد يكون أكثر رعبا ان لم ننتبه الى المتغيرات ولم نصبح فاعلين فيها ومبدعين لها. فالابتكار والحس الابداعي لم يعد أمرا اختياريا بقدر ما صار ضرورة ملحة بل أصبح في كثير من الاحيان مسئلة حياة أو موت للافراد والشركات وللدول كذلك.
الثورة الصناعية والأزمة المالية
هنا لا بد للاشارة بأن معظم النظريات والمفاهيم المعمول بها حاليا هي نتيجة بشكل مباشر أو غير مباشر للثورة الصناعية وبعدها للأزمة المالية لسنة 1929. فالنظام التعليمي الحالي هو وليد الثورة الصناعية والصناعة الدوائية والنظام الصحي أفرزته متطلبات الثورة الصناعية. والانظمة المالية والمحاسباتية هي نتاج للأزمة المالية. بل حتى الانظمة السياسية الحالية ومفاهيم الديموقراطية، والعدالة وحقوق الانسان هي نتيجة تفاعلات مرحلة الثورة الصناعية.
قبل الثورة الصناعة كان الانسان يعيش في تجمعات محدودة حول الانهار والأسواق واهل العلم مما يفسر أسماء المدن والقرى في المغرب وفي العالم والتي تدور حول اسم النهر ويوم السوق ولقب الولي الصالح. كانت الحاجيات بسيطة لا تحتاج الى وظائف ووزارات وحكومة ثقيلة وكانت الأعمال تتمحور حول الزراعة والصناعة التقليدية والصيد والتجارة مع بعض مهام الأمن والعدالة والتعليم والتطبيب البسيطة.
ثم جاءت الثورة الصناعية نتيجة لتحرير العبيد في الولايات المتحدة الأمريكية وتحرر الأنظمة السياسية في أوربا من ربقة الكنيسة والنبلاء. فتغير نمط ونظام الحياة حيث تركزت مجموعات بشرية كبيرة في حيز جغرافي ضيق حول المصانع مما أفرز تحديات في الحكامة والصحة والتعليم والنقل لم تكن معهودة من ذي قبل. قام الانسان حيال هاته التحديات بابتكار منهجيات ونظريات في الحكامة والعدالة والاقتصاد والتعليم والصحة. وهي النظريات التي لا زالت تحكمنا في أساسياتها الى الآن رغم أن الواقع تغير بشكل كبير وطبيعة الأجيال الجديدة والتحديات المستقبلية تفرص علينا اعادة النظر فيها.
الثورة الرقمية والتقنيات الحديثة
فمن المؤكد أننا نعيش على أعتاب ثورة جديدة منطلقها ومفتاحها وعنوانها الرقمية والتكنولوجيا. ورغم أن كثيرا من المتتبعين يظنون أن التقنيات الحديثة في معظمها موضات زائلة سرعان ما تختفي او يخف وهجها مع الوقت. الا أنه في السنوات الأخيرة نشهد تقلبات -أو لعلها انقلابات وثورات- تحدثها التقنية و تؤثر بها في مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات الاستراتيجية والمجتمعية بالاضافة الى تأثيرها النفسي والصحي على الفرد وتأثيرها على العلاقات المجتمعية وعلى مجالات كبيرة كالصحة والتعليم والشغل بشكل غير مسبوق.
حينما نتحدث عن الرقمية والتكنولوجيا الحديثة فنحن نتكلم عن مزيج من التقنيات تنصهر في بوثقة ما أصبح يصطلح عليه "التحول الرقمي". من هذه التقنيات المؤثرة في الوقت الحالي :
- البيانات الضخمة big data : وهو مجال خصب واساسي يعتمد عل اعتبار المعطيات هي النفط الجديد والعملة الجديدة وهو المحدد الأساس لقوة وسطوة الأفراد والشركات والدول. هذا المجال ليس وليد اليوم بل يرجع الى بداية سبعينات القرن الماضي لكنه عرف طفرة مؤخرا بسبب تطور مستوى أداء المعالجات processors ويعتمد على استنطاق المعطيات المتوفرة من أكثر من مصدر وبجميع الاشكال لاستنباط المعرفة والذكاء باستخدام نماذج رياضية. وتم استخدامها بداية في المجال الامني لتعمم وتصبح تقنية اساسية في الصحة والفلاحة والمجال المالي.
- الذكاء الصناعي artificial intelligence وهو المحرك الاساسي للجيل الرابع من الصناعة المعتمدة بشكل كبير على الربوتات والدرونات. صارت تقنيات التعرف على الاشكال والأشياء والأصوات فائقة الكفاءة مع امكانيات للتعلم التلقائي machine learning تساهم في تطور مطرد لكفاءة و دقة الربوت وبالتالي محاكاته للتصرف البشري وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لاستخدامات كثيرة منها المفيد في مجالات الصناعة والصحة والتعليم ومنها الخطير كاستعمالها في الجرائم والجنح. هذا الجانب يفرض اعادة نظر في تركيبة القوانين وأشكال تطبيقها
- سلسلة الكتل blockchain ورديفتها العملة المشفرة أو البيتكوين وهي العملة التي أصبحث حديث الصحف والمواقع الالكترونية والمنتديات بعد ارتفاعها بشكل كبير والاعتراف بها من طرف دول وشركات ومؤسسات وازنة. وسلسلة الكتل تقنية تهدف الى الغاء الحاجة لوسيط في المعاملات باعتماد تصديق موزع عليها من طرف أشخاص يستحيل تواطئهم ومن خلال شفرة لا مركزية.
- الجوال والتطبيقات المحمولة mobile وهي تقنيات أصبحت الآن جزءا من حياتنا بما هو مرافق وصديق وجليس. تطبيقات الجوال سمحت بتوزيع خلق المحتوى وانتاج القيمة التي أصبحت بيد الجميع عبر هواتفهم ولوحاتهم الالكترونية. كما فتحت أبوابا للتواصل والتعلم والعمل لم تكن قط موجودة. ومن نتاجاتها تطور نوع جديد من الاقتصاد يسمى الاقتصاد التشاركي يعتمد على الغاء الوسيط، والتشارك عوض البيع والشراء وتحويل الخصوم (liabllities) ) إلى أصول (assets)).
- السحابة الالكترونية (أو الحوسبة السحابية) cloud computing وهو نظام يسمح بتخزين المعطيات والبيانات و معالجتها بشكل مركزة في خوادم بحيث تصبح متاحة في كل مكان ومن أي جهاز. هذه التكنولوجيا تؤسس لتحويل المعلوميات والحواسيب والبرامج من منتجات الى خدمات متاحة حسب الطلب مثل الماء والكهرباء والهاتف.
- الطباعة ثلاثية الأبعادD printing 3 : وهي تقنية تسمح بطباعة أشياء كالمفاتيح والأواني انطلاقا من نماذج في الحاسوب مع اختيار الأشكال والأحجام والمواد. وهو ما يتيح جعل التصنيع البسيط وفي بعض الأحيان المعقد عملية ذات جهد بسيط من حيث الانتاج ويحول المجهود المطلوب لانتاج النماذج. هذه التقنية تطورت بشكل سريع لتصبح الطباعة ثلاثية الابعاد قادرة على طباعة منازل ومكاتب كاملة.
- الشبكات الاجتماعية social networks وهي الآن مصدر المعلومة ومورد المتعلم ونافذة المتواصل ومقصد البائع والداعي والسياسي. صار انتاج المعطيات والمحتوى غزيرا عبر هذه الشبكات كما فقدت الخصوصية معناها واصبحت مجالا لتسويق الأشخاص والأفكار والمنتجات تحت شعار ان لم تؤدي ثمن المنتج فاعلم بأنك أنت المنتج والبضاعة والسلعة.
مجالات ومستويات التأثير
بتظافر هاته التقنيات تحدث تغيرات بنيوية في كثير من المجالات وعلى عدة مستويات بفضل الرقمية وتكنولوجيا المعلومات. من هاته المجالات :
-على مستوى الصحة
معظم الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا كجوجل وفيسبوك تستثمر في مجال الصحة والمعلوماتية الحيوية والانسان المدمج augmented human. وهي مجالات تخترق فيها تقنية المعلومات مجال الصحة. نرى كذلك كيف أن العلاقة بين المريض والطبيب تتغير على ضوء اطلاع المرضى وتتبعهم للمعلومات الطبية و امكانية الكشف الشخصي والكشف عن بعد بل واستخدام الذكاء الصناعي في الكشف والعلاج.
-على المستوى المالي والاقتصادي
من المتغيرات الكبرى في السنوات الأخيرة هو الصعود المطرد للتجارة الالكترونية التي أصبحت تمثل 2,5 مليار درهم في سنة 2017. (للمقارنة أمازون حققت 10 مرات هذا الرقم في يوم واحد هو آخر جمعة في نونبر black friday). ) كذلك تجدر الإشارة إلى أن البيتكوين صنفت العملة العالمية رقم 20 من حيث رقم المعاملات في هذه السنة. طبعا ستصاحب هاته المتغيرات التخفيف من دور البنوك المركزية والجهات الرقابية وتعويضها بسلسلة الكتل blockchain
-على مستوى التعليم
أصبح المحتوى التعليمي متاحا للجميع بحيث يستطيع كل طالب متابعة دروس عبر الانترنت في أرقى الجامعات ومن طرف أكفأ الاساتذة فينتقل التعليم من مركزية الاستاذ الى مركزية التعلم التشاركي مع أهمية تطوير كفاءات المستقبل كالبرمجة وتحليل المعطيات وتتبع المؤشرات عوض الكفاءات اللغوية و الحسابية.
-على مستوى التشغيل
كثيرة هي المهن التي هي في طور الانقراض بسبب تعويضها بالربوتات والذكاء الصناعي ومنها مراكز الاتصال والمهن اللوجستيكية البسيطة وكثير من المهن الصناعية. في المقابل تظهر مهن جديدة كعالم المعطيات data scientist، ومنقب البيتكوي bitcoin miner ومشغل الربوت robot controller. كذلك من المنتظر اختفاء الوظائف الحكومية والانتقال من الأجرة الى المقاولة الذاتية، الاجتماعية أو العادية. كذلك من الجدير بالملاحظة أن الرقمية تعيد صياغة مقر العمل وتفعل العمل عن بعد والعمل العرضي والدقيق micro jobs .
-على مستوى السياسة
يبدو أن النظام الديموقراطي وصل الر طريق مسدود مما أدى الى وصول outsiders كماكرون و ترامب الى سدة الحكم في أعتى الديموقراطيات.ولعل نموذج الديموقراطية التمثيلية يعيش آخر سنواته حيث لم يعد مستساغا للجيل الجديد أن تكون علاقته الوحيدة بحاكميه هي فترة الانتخابات وان تكون الطريقة الوحيدة التي يعبر بها عن رأيه هي الاقتراع. في هذا السياق من المفيد اعادة النظر في دور الاحزاب والنقابات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.
المفاهيم وما بعدها وراء هاته المتغيرات الظاهرية هناك تغيرات أعمق. فالثورة الرقمية الحالية تقلب و تخلخل مفاهيم أساسية في المجتمع :
- مفهوم الثقة حيث توضع الثقة في البرامج والشيفرات الموزعة عوض المؤسسات المركزية للرقابة أو المؤسسات الوسيطة. وهو ما يجعل المجتمع أكثر أمانا وثقة لكن أكثر هشاشة.
- مفهوم الملكية الذي يؤدي الى التحول المنتجات الى خدمات حسب الطلب مما يفقد الملكية أهميتها لان الملكية التشاركية أصبحت أقل كلفة وأكثر فعالية منالملكية الملكية الفردية.
- مفهوم العلم والمعلومة التي أصبحت متاحة ومتوفرة بشكل كبير مع تكسير حواجز الوصول الى العلم مع توفر المصادر المفتوحة. لا بد من الاشارة هنا الى أن كثرة المعلومة تقتل المعلومة حيث يؤدي توفرها ووفرتها الى فقدان قيمتها
- مفهوم الخبرة والتخصص يصبح مبنيا على الخبرة الجماعية لا الفردية وعلى التخصص التشاركي في اطار شبكة الممارسين. تجدر الاشارة هنا أن الحرب المقبلة ستكون حرب كفاءات وخبرات حيث وضعت معظم تلدول المتقدمة برامج تأشيرات خاصة وسريعة لاستقطاب المتميزين والمبتكرين ورواد الأعمال.
- العلاقات المجتمعية والتي أصبح فيها البعيد قريبا والقريب بعيدا مع تفسخ العلاقات الكلاسيكية وبناء انماط جديدة من العلاقات. علاقات العمل تعرف بدورها تطورا كبيرا نحو علاقات اكثر تحررا وأفقية.
- مفهوم الانتاج والاستهلاك حيث ننتقل الى مرحلة الاستهلاك المطلق مع تكسير جميع حواجز الاستهلاك (و منها الاتصال بالانترنت والدخل الاساسي المعمم) والانتاج الموزع الخصوصي حسب الطلب.
المواد الأولية وعلاقاتها بالتطور التكنولوجي
يبدو هذا التقدم التكنولوجي مثل قطار بدون فرامل او كوابح. فمع قانون مور يعتقد البعض انه لا نهاية للتقدم التكنولوجي من حيث سرعة المعالجات وصغرها لكن يبدو أن الامر أكثر تعقيدا من الظاهر. اذ أن معظم التقنيات الحالية تعتمد على توافر مواد أولية أساسية كالنحاس والكوبالت والماء والطاقة بشكل عام. وهي مواد أساسية لتصنيع وتشغيل البطاريات والحواسيب والربوتات. ولذلك فان هناك حرب خفية بين الشركات الكبرى على مصادر هذه المواد الأولية ( للاشارة لم تستطع فولكسفاجن التعاقد مع شركات انتاج الكوبالت نظرا لتسابق منتجي السيارات الكهربائية كتيسلا عليها).
لذلك يمكن الجزم أن هذا التقدم سيصطدم قريبا مع ندرة المواد الأولية ومع متطلبات التنمية المستدامة وبالتالي مع اساسيات حياة الانسان كما سيصطدم مع اعتبارات أخلاقية وقانونية خاصة بالاستخدامات الضارة للتكنولوجيا.
ما يجب فعله نستنتج مما سبق أنه مع هذه الثورة الجارفة لا بد من:
- متابعة الجديد و التمييز بين ما هو موضة عابرة مما هو تغيير بنيوي أصيل
- المشاركة في تطوير و تصميم التكنولوجيات الحديثة. وعلى عكس ما يظن البعض فهذا الامر أصبح أكثر سهولة مع امكانية الوصول للمعلومة و توفر البرمجيات والنظم التقنية المفتوحة المصدر.
- رصد المتغيرات على مستوى الفرد والمجتمع والدول لفهمها ومحاولة التأثير فيها
- تخليق التطور التكنولوجي وضبطه باولويات التنمية المستدامة وبمستقبل عيش الانسان وتوازن محيطه وعلاقاته.
كما أنه في خضم هاته المتغيرات لا بد أن نتشبت بقيم ومبادى أساسية تقينا من الانحراف بالتقنية من كونها وسيلة الى جعلها غاية. ومن هاته القيم :
- قيمة تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى عز وجل وهو مدار وجودنا وهدف خلقنا وميزان تفاضلنا.
- قيمة التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد لتحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض
- قيمة الأخوة والعمران الأخوي،مع مقاربة تدفع بالمشاركة و التشاركية عوض الفردية والأنانية.
- قيمة بناء الانسان وأهمية العامل البشري وتطوير القدرات مع تحقيق النفع للبشرية ودفع الضرر.
- قيمة التواصل والتعارف الذين يمثلان أحد مرتكزات وجود الانسان على الأرض وحافزا لبقائه و تطوره.
- قيمة الابتكار والابداع عل اعتبار أن العقل البشري (الذي هو نعمة من الله سبحانه وتعالى) ليس عقلا معيشيا فقط بل هو عقل منظم منظم صانع مبتكر.
*أستاذ باحث، مستشار دولي ومقاول في مجال التحول الرقمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.