شهدت سنة 2017 التي نودعها كثافة في الأحداث السياسية، جعلتها سنة مغايرة لما قبلها من السنوات الست التي أعقبت المصادقة على دستور 2011؛ فقد عرفت أطول أزمة حكومية في تاريخ المغرب ب"بلوكاج" تجاوز ستة أشهر، عقب فشل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في تشكيل الحكومة. وأجمع محللون استقت هسبريس أراءهم على كون زلزال الاعفاءات التي أقدم عليها الملك محمد السادس في حق مسؤولين حكوميين بسبب التقصير في إنجاز مهام مرتبطة بمشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، والمؤتمرات الحزبية التي أنهت الحياة السياسية لزعماء شغلوا الرأي العام لسنوات، وفي مقدمتها مؤتمر حزب العدالة والتنمية ومؤتمر حزب الاستقلال، من أهم الأحداث السياسية التي شهدها المغرب في 2017. الزلزال السياسي يرى محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن أبرز حدث شهدته السنة التي نودعها هو "تصدر واحتكار المؤسسة الملكية للفعل السياسي بالبلاد"، من خلال ما يسمى "الزلزال السياسي"، مؤكدا أن "الأعمال والقرارات الملكية تعد الحدث الأبرز خلال هذه السنة". وأكد الزهراوي في تصريح لهسبريس أن "هذا الاحتكار بدا جليا، سواء من خلال الخطابات الملكية بمناسبة عيد العرش أو خلال افتتاح الدورة التشريعية، وكذلك المبادرات والتوجهات الجديدة المتمثلة في تنزيل دستور 2011، خاصة الفصل الأول منه الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال إعفاء الوزراء وعدد كبير من المسؤولين". كلام الزهراوي زكاه المحلل السياسي الدكتور عبد المنعم لزعر، الذي أكد "بروز خطاب الدولة الرسمية خلال هذه السنة"؛ حيث أصبحت المؤسسة الملكية "منتجة للغة بمضامين غير معهودة"، مسجلا أن "استخدام مصطلح الزلزال السياسي مؤشر على مفعولية هذا التحول الذي بدأ ينهل من مرجعيات متقاطعة يتداخل فيها السياسي بالدستوري بالرمزي بالتدبيري، وهنا يشكل الاعتماد على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة واجهة من واجهات هذا التقاطب". ربط المسؤولية بالمحاسبة بدا واضحا أن المبدأ الذي قامت عليه هذه الاعفاءات التي طالت وزراء ومسؤولين كبارا بوزارة الداخلية جاء بناء على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وارتباط ذلك بتقييم عمل المراكز الجهوية للاستثمار التي سجل بخصوصها الدكتور عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "أهميتها لا ترتبط بالقرارات التي تم اتخاذها من قبل الملك علاقة بالمبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة"، مبرزا أنها "تجسد تفعيل القيم التدبيرية التي تجعل مختلف القرارات التأديبية التي يمكن أن تطال المدبر العمومي، سواء كان منتخبا أو معينا، أصبحت تستند إلى عمليات تفتيش أو افتحاص من قبل الهيئات المختصة". وقال أدمينو في تصريح لهسبريس: "هذه القرارات من شأنها أن تمنح قوة قانونية ومعنوية إضافية لهيئات التفتيش، وخاصة المفتشية العامة لوزارة المالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية"، موردا أن ذلك "جعل النتائج المترتبة عن الاختلالات التي يتم رصدها أساسا للعقوبات الإدارية أو الجنائية أو هما معا". وفي هذا الصدد، قال أستاذ التعليم العالي إن "هذه الأحداث تمنح تقارير المحاكم المالية المصداقية اللازمة من خلال جعلها أساسا لتطوير وتحسين التدبير العمومي من جهة، وكذا أساسا للمتابعات التأديبية أو الجنائية في حالة التقصير في أداء المهام والمسؤوليات، سواء من قبل الأطر الإدارية أو المنتخبين، من جهة ثانية"، مشددا على أهمية تحمل مسؤولية الاختيارات المتعلقة بالتكليفات، سواء كانت إدارية أو انتدابية أو انتخابية. وأضاف أدمنيو أن هذه الأحداث "ستعزز من مسؤولية جهات التعيين أو الاختيار من جهة الأحزاب السياسية في تقديم أفضل الأطر التي تجمع بين المحدد النضالي والتدبيري، ومسؤولية جهات الاقتراح، سواء كان رئيس الحكومة أو وزراء"، موضحا أن "ذلك سيثير مسؤولياتهم السياسية والتدبيرية على حد سواء، وهذا ما سيقوي الارتباط بين السياسي والإداري علاقة بإعداد وتنفيذ السياسات العمومية". نهاية زمن "الزعامات الشعبوية" محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، يرى بخصوص مجموعة الأحداث والتفاعلات التي طبعت سنة 2017 أنها مرتبطة بثلاث محطات، في مقدمتها نهاية زمن "الزعامات الشعبوية" التي هيمنت على الحقل السياسي طيلة السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن "أبرزها عبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، وحميد شباط، زعيم حزب الاستقلال". وقال الزهراوي في هذا الصدد: "بدأت معالم النهاية السياسية لزعيم الإسلاميين عندما أبعده الملك من مهمة تشكيل الحكومة، فيما تكفل رفاقه بالحزب بإقبار ووضع حد لطموحاته في الاستمرار على رأس الحزب لولاية ثالثة"، موردا أن "المصير نفسه لاقاه زعيم الاستقلاليين بعد مخاض عسير ومقاومة شديدة أبداها، إلا أنها باءت بالفشل". وفي هذا الصدد، يرى عبد المنعم لزعر، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، في تصريح لهسبريس، أن هذه الفترة "اتسمت كذلك بضمور قاموس الفاعل السياسي على مستوى الخطاب، الذي كان يستثمر في لغة سياسية معينة من قبيل محاربة الفساد، التحكم، الربيع، التنزيل الديمقراطي للدستور". وخلص لزعر في هذا المجال إلى أن التفاصيل السياسية لسنة 2017 تسوق عروضها تحت عنوان "انتهاء أثر البلوكاج السياسي وبداية أثر الزلزال السياسي"، مشيرا إلى وجود ترابط بين مختلف الأحداث السياسية التي شهدتها السنة؛ حيث كل حدث سياسي يؤثر في الآخر، وكل واقعة سياسية تمهد لواقعة أخرى، "فتسلسل الوقائع وترابطها هو مؤشر على عمق الحدث السياسي الذي ميز السنة"، وفق تعبيره. الاختباء وراء الملك من السمات الأساسية للأحداث السياسية التي شهدتها السنة التي نودعها، يرى الأستاذ بجامعة القاضي عياض محمد الزهراوي أنها مرتبطة بسلوك وواقع الأحزاب السياسية التي ترتكز إلى محدد أساسي هو "الانتظارية"، معتبرا أن "معظم الأحزاب تعيش تردي وضعف نخبها وعدم قدرتها على بلورة عرض سياسي جديد ينسجم مع التحولات التي يعيشها المجتمع المغربي". وقال الزهراوي إن هذه الأحزاب تميل أكثر إلى "الانتظار" والاختباء وراء المؤسسة الملكية عندما يتعلق الأمر ببعض الرهانات والتحديات مثل "حراك الريف"، موردا أن "تحديث وتطوير الحقل السياسي يستدعيان إعادة النظر في الحقل الحزبي وإعادة تجديده بشكل يساعد على تجاوز حالة الجمود والانتظارية التي تؤثر سلبا على المسار والتحول الديمقراطي بالمغرب". وفي مقابل ذلك، نبه لزعر إلى الطابع الترابطي للأحداث السياسية؛ "فتمظهرات هذه الأحداث تجعل من سنة 2017 سنة انتقالية في بعض أوجهها، وسنة تأسيسية في أوجه أخرى"، مبرزا أن "الحقل السياسي خلال هذه السنة سعى إلى تجديد رهاناته السياسية، وإعادة صياغة مضمون القانون الضمني المؤطر للحقل وطبيعة التعاقدات التي تتأسس عليها موازين القوى داخله".