لا يعاني سكان حي جنان السلاوي بمنطقة سيدي بوجيدة بفاس فقط من الروائح الكريهة التي تنبعث من مجرى واد زلاغ الذي يحمل المياه العادمة نحو مجرى نهر سبو، بل من تفاقم خطر مجرى هذا الواد الذي يزحف باستمرار نحو العمارات السكنية المحاذية له و"يأكل" حافته العميقة، كما أن مياهه تتسرب تحت أساسات البنايات، ما أدى إلى انهيار عدد منها، فيما باتت أخرى على وشك الانهيار. "شبح الانهيار يطاردنا" عدد من سكان حي جنان السلاوي أكدوا لهسبريس أنهم سئموا من الأضرار التي يلحقها واد زلاغ بمساكنهم، مجمعين على أن الشعور بالخوف يلازمهم باستمرار بسبب تواجد منازلهم على حافة الوادي الذي لا يكتفي، بحسبهم، بالزحف على حيهم بردم هذه الحافة بشكل متواصل، بل أيضا بتسرب مياهه تحت أساسات منازلهم، التي قد تنهار جراء ذلك في أية لحظة. "كانت حوالي 10 عمارات على حافة الوادي قبل هدمها، منزلي كان هنا، لقد تم إفراغ الكثير من الناس من هذا الحي، وأنا واحد منهم، ومجموعة من المرحلين سكنوا في مسجد الحي لمدة طويلة قبل إعادة إيوائهم في شقق طلب منهم أداء ثمنها"، يقول علي يوبراهيم، الذي أوضح لهسبريس أنه تم إفراغه من مسكنه قبل عشر سنوات. "على الأقل، هناك الآن تعويض يبلغ ألف درهم عن كل متر مربع، عكس السكان الذين تم إفراغهم في السابق، والذين وجدوا أنفسهم مرغمين على أداء أقساط بنكية للمساكن التي تم توزيعها عليهم"، يوضح علي الذي أبرز أنه تسلم شقة سكنية قبل أن يتفاجأ بتوصله بإنذار للأداء أو الإفراغ، مضيفا: "اضطررت للأداء خوفا على أبنائي من الطرد إلى الشارع". وإذا كان علي قد تخلص من شبح الخوف الدائم من الانهيار بعد أن انتقل للعيش في مكان آمن، فإن فاطمة الكولاي، في عقدها السادس، لازال الشعور بخطر الموت تحت الأنقاض يطاردها في كل حين، حيث رغم توصلها بقرار الإفراغ، بعد أن تم تصنيف العمارة التي تقطن فيها من الدرجة الأولى من حيث خطورة الانهيار، فهي لا زالت تقيم، رفقة زوجها وابنها المتزوج، بالعمارة التي سكنتها لعقود. "الوادي يحفر تحت منازلنا، هناك تهديد لحياتنا، ونحن نعيش في رعب دائم، إذا جاءت الأمطار والرياح نصاب بالذعر ونترقب في أي وقت أن تسقط البناية على رؤوسنا"، تقول فاطمة التي أوضحت لهسبريس أن المكان المحاذي للوادي أرضه طينية يسهل معها زحف الوادي نحو حيهم. "إما أن يصلحوا هذه الحافة أو يرحلوننا من هنا معززين مكرمين، لقد أخبرونا بالإفراغ ولكن مقابل تعويضات زهيدة"، تؤكد فاطمة، التي قالت إنها تقيم في شقة مساحتها 120 مترا والسلطات اقترحت عليها تعويضا قدره 11 مليون سنتيم، مضيفة: "أنا أعيش مع ابني المتزوج، نحن عائلة تتكون من 10 أشخاص، وزوجي طاعن في السن وعاطل عن العمل ومريض، كيف لنا أن نشتري بهذا المبلغ منزلا قادرا على استيعاب أسرتي؟". من جانبها، وصفت أسماء قبة، ناشطة جمعوية واحدة من ساكنة حي جنان السلاوي، مبلغ التعويض، البالغ ألف درهم للمتر المربع الواحد، بالهزيل، موضحة أن أصحاب الشقق التي تصل مساحتها إلى ألف متر مربع لن يتقاضوا سوى 10 ملايين سنتيم كتعويض، وهو مبلغ تؤكد المتحدثة لهسبريس أنه غير كاف لاقتناء شقة سكنية كيفما كانت مساحتها بمدينة فاس التي تعرف ارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات السكنية. "حتى الشقق التي يقترحونها على المتضررين تكون غالبا بضواحي المدينة، سيجد معها المستفيدون مشقة كبيرة في التنقل إلى مقرات عملهم"، تقول قبة التي أوضحت أن مباني جديدة تنضاف كل سنة إلى لائحة المباني المهددة بالانهيار. "السلطات أصدرت عدة قرارات بالإفراغ، وهناك بنايات مصنفة من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة الثانية من حيث خطورة الانهيار"، تؤكد الفاعلة الجمعوية ذاتها، موردة أن كل عمارة تضم عددا من الأسر، مضيفة: "قبل أربعة أشهر، كان هناك انجراف للحافة، أخبرنا القائد بالأمر وحل على وجه السرعة إلى عين المكان. وحضرت على إثر ذلك فيما بعد لجنة متخصصة من مدينة الدارالبيضاء، هي التي طالبت بضرورة الهدم بعد أن توصلت بخبرتها التقنية إلى أن المنازل آيلة للسقوط". تدابير لإعادة الإسكان سبق لمجلس عمالة فاس أن صادق، خلال انعقاد دورته العادية لشهر مارس من سنة 2016، على اتفاقية شراكة لإعادة إسكان حوالي 1200 أسرة من قاطني البنايات المهددة بالانهيار بالأحياء ناقصة التجهيز بمدينة فاس، ومن بينها بنايات كائنة بحي جنان السلاوي. وتندرج هذه الاتفاقية، التي خصصت لها وزارة السكنى وسياسة المدينة آنذاك اعتمادات مالية تقدر ب 48 مليون درهم وتكلف مجلس العمالة بتوفير الوعاء العقاري، في إطار البرنامج التكميلي للبرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء قاطني الدور المهددة بالانهيار على صعيد مدينة فاس. وتشمل هذه الاتفاقية البنايات المصنفة ضمن الدرجة الأولى من الخطورة وفق الخبرة التقنية التي أنجزها المختبر العمومي للتجارب والدراسات بالمناطق المعنية، خصوصا منطقة الجنانات والمنطقة الشمالية وسهب الورد وعوينات الحجاج. وبحسب اتفاقية الشراكة هاته، فإن هذا البرنامج يهدف إلى تمكين الأسر التي قامت بإفراغ منازلها بصفة استعجالية من الولوج إلى سكن بديل منخفض التكلفة، حيث تعهد مجلس عمالة فاس، بموجبها، بعملية تحديد الأسر المعنية والإشراف على عملية إجراء القرعة لفائدة الأسر المستفيدة من هذا السكن.