يقول المخرج الفرنسي فرنسوا تريفو إن السينما مزيج مثالي من الحقيقة والفرجة. هذا ما ينطبق على الفيلم الأخير للمخرج عزيز السالمي "دموع الرمال"، الذي يزاوج فيه بين تسليط الضوء على واقع أليم معاش والفرجة السينمائية في بعدها الفني والدرامي. يتطرق شريط "دموع الرمال"، الذي سيخرج إلى قاعات العرض عما قريب، إلى موضوع هام يخص تاريخ وذاكرة المغاربة؛ ألا وهو اختطاف واحتجاز المغاربة وتعذيبهم بزنازين تندوف من طرف ما يسمى البوليساريو. موضوع الفيلم له أهميته الوطنية من حيث إنه يسلط الضوء على قضية وطنية مصيرية بالنسبة إلينا كمغاربة لازالت تداعيتها سارية، وله أهميته الدولية لكون المغرب يحتكم إلى هيئة الأممالمتحدة من أجل إيجاد حل لهذا النزاع الحدودي الذي تتدخل فيه أطراف أخرى، كما أن له بعده الإنساني الذي يتجلى في معاناة أناس احتجزوا ظلما وعدوانا وعذبوا من طرف جلادين هوايتهم التعذيب. فيلم "دموع الرمال" الذي حصل على دعم المركز السينمائي المغربي، في غياب دعم القناتين الأولى والثانية، يحكي قصة استلهم أحداثها من الواقع، قصة عودة ثلاثة أسرى مغاربة (مولود وصلاح وموحا) إلى عائلاتهم بعدما اختطفوا من حافلة كانت تقلهم إلى الجنوب واحتجزوا قسرا مع مسافرين آخرين، وعذبوا في سجون البوليساريو سنوات عدة. عودة بقدر ما هي نهاية مأساتهم في تندوف، بقدر ما تعتبر بداية معاناة أخرى تتمثل في تغير الواقع الذي تركوه سنوات خلت، وفي انعكاسات وآثار التعذيب النفسية والجسدية عليهم التي ستبرز في الفيلم من خلال الفلاش باك أو الذهاب والإياب بين الماضي والحاضر، بين أماكن التعذيب وأماكن العودة. وهو الشيء الذي أعطى للفيلم قيمته الفنية فضلا عن قيمته الموضوعاتية. معاناة الشخصيات (ومن خلالها معاناة محتجزين مغاربة آخرين) ستزداد عندما يرون أن من كان يعذبهم أو أحد جلاديهم (الذين كانت لهم هواية واحدة هي التعذيب) أصبحت له مكانة مرموقة في المجتمع المغربي. لتلوح في الأفق فكرة الانتقام من الجلاد الذي مارس عليهم أبشع طرق التعذيب من قطع الأصابع إلى الاغتصاب مرورا بحرق الأعضاء التناسلية... يعتبر المخرج عزيز السالمي أن التطرق لهذا الموضوع نابع أولا من كونه مواطنا مغربيا يهتم بقضايا وطنه، وثانيا من كونه سينمائيا يتفاعل مع محيطه الاجتماعي وواعٍ بأهمية السينما ودورها في التأثير على الرأي العام، ويريد أن يعبر من خلالها عن غضبه تجاه مأساة استمرت 40 سنة لا يمكن السكوت عنها. وبالتالي فهو يريد أن يقربنا من تلك المأساة، وفي الوقت نفسه يقوم بتكريم الناجين من زنازين تندوف أو من سماهم ب"منسيو التاريخ". ويمكن اعتبار مثل هذا الموقف أفضل رد فعل على ما كان يقوم به الممثل الإسباني خافيير بارديم، الذي كان يستغل شهرته السينمائية من أجل الدفاع عن أطروحة البوليساريو المنافية للحقيقة وللتاريخ. لم يختر عزيز السالمي النوع الوثائقي المهيمن على موضوع الصحراء المغربية، وإنما اختار الفيلم الروائي الذي له خصوصيته السينمائية ويحتاج إلى حنكة فنية، خاصة عندما يتعلق الأمر بإعداة صياغة حقبة تاريخية معينة أو نقل شهادات حية وحياة شخصيات بعينها إلى الشاشة، شخصيات عاشت معاناة حقيقية في الواقع. حنكة فنية تبعد المخرج من السقوط في الخطاب المباشر والجاهز وفي الإدانة الفجة. وهو اختيار صعب ورهان يمكن القول إن المخرج عزيز السالمي استطاع أن يخوضه بنجاح كتابة وإخراجا، وسيكتشف المتفرج المغربي ذلك حينما يعرض الفيلم في القاعات السينمائية الذي لا شك سيكون له الوقع الكبير على نفسيته عندما يشاهد ما عانه المحتجزون المغاربة في سجون البوليساريو. وفي هذا السياق، يعتبر فيلم "دموع الرمال"، الذي يحمل عنوانا جد معبر لإيحاءاته إلى الصحراء (الرمال) وإلى المعاناة والعذاب (الدموع)، أول شريط روائي مغربي يعالج سينمائيا موضوع الصحراء المغربية، وخاصة معاناة ومأساة المغاربة المحتجزين وما تعرضوا له من تعذيب وحشي من طرف البوليساريو. الفيلم الذي أخذ وقتا طويلا في التصوير يضم نخبة من الممثلات والممثلين المرموقين والمقتدرين الذين أدوا أدوارهم باحترافية وتأثر كبيرين نظرا لمشاهد التعذيب الذي استعادوا أحداثه، نذكر من بينهم السعدية لاديب التي تلعب دورين مختلفين (الزوجة والابنة)، الفنانة نعيمة المشرقي، ومحمد الشوبي (في دور صالح)، وعادل أبا تراب (في دور الجلاد)، وعبد الله الشكيري (في دور مولود)، ومحمد قطيب (في دور موحا)، ثم الممثل محمد الكغاط (في دور جنرال جزائري)، وحميد جناح، إضافة إلى مشاركة أحد ضحايا الاحتجاز والتعذيب في الفيلم السيد عبد الله لاماني، وهي مشاركة من المؤكد لها قيمتها الدرامية في الفيلم ومصداقيتها من حيث مشروعية الطرح الذي تقدم به المخرج. إن "دموع الرمال"، الفيلم الذي بذل فيه المخرج عزيز السالمي جهدا كبيرا هو وطاقمه الفني والتقني، يعيد إلى السينما دورها الريادي في معانقة هموم وقضايا الإنسان المغربي والنبش في ذاكرته بآلامها وأفراحها. ومن المؤكد سيكون حافزا لسينمائيين آخرين، خاصة من جيل الشباب، في إخراج أفلام مماثلة وفي التعاطي مع ملفات وطنية أخرى. *ناقد سينمائي