داخل ملعب أولاد زيان بقلب مدينة الدارالبيضاء، كل مظاهر انتهاك الكرامة الإنسانية موجودة، مظاهر تخدش صورة المغرب الحقوقية تبدو جلية. "مخيم" بكامل المواصفات؛ ذلك الذي يقطنه المهاجرون المتحدرون من دول جنوب الصحراء، لكن السلطات بعمالة الفداء مرس السلطان تبدو غير مكترثة باحترام كرامة هؤلاء! مخيم لانتهاك كرامة الهاجرين خلال محاولة السلطات ترحيل المهاجرين المستوطنين بالمخيم المذكور، مساء الجمعة، على غرار اليومين السابقين، تمكنت هسبريس من ولوج المكان، والانغماس وسط عالم آخر بعيد عما يجري وراء أسوار الملعب المتواجد أمام محطة أولاد زيان الطرقية. خيمات بالعشرات يتخذونها غرفا للمبيت، أقل ما يمكن القول عنها إنها ستنهار بمجرد أول تساقطات مطرية، وسيصير معها ما يمكن تسميته تجاوزا فراشا في مهب الريح! شباب في مقتبل العمر، وآخرون قاصرون، كلهم حلوا هاهنا وعينهم على "الفردوس الأوروبي". وسط هذه "البيوت" المتراصة والمقسمة بحسب الدول التي يتحدر منها هؤلاء المهاجرين، يتواجد شباب اختاروا طهي الطعام بكميات كبيرة لتوزيعه وبيعه. هنا مجموعة منهم تتعاون على إعداد الأرز والشاي، مستعملين أدوات بعضها متسخ لغياب الماء. يقول أحد الشباب من المهاجرين الغاضبين من طريقة تعامل السلطات المحلية والحكومية معهم، في حديث لهسبريس، "لا يمكن أن نتحدث عن النظافة ونحن نعيش في هذه الظروف، الحقوق والكرامة منتهكة". لكن الطامة الكبرى التي تقض مضجع هؤلاء، فيما السلطات والجمعيات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان غير مكترثة بذلك، أن المهاجرين الذين يفوق عددهم المائتين بالرغم من ترحيل بعضهم في الأيام الماضية، لا يتوفرون على مرحاض، ويضطرون لقضاء حاجتهم بالقرب من "بيوتهم"، فتشكلت "ضاية" من البول؛ ما ينذر بكارثة صحية في صفوفهم قد تنتقل إلى مواطنين آخرين. السلطات مسؤولة عن وضعنا أبدى هؤلاء المهاجرين غضبهم وهم يتحدثون إلى ميكروفون هسبريس من طريقة تعامل السلطات معهم، خاصة بعد واقعة المواجهات التي تمت قبل أسبوع بإحدى الحدائق التي يستوطنون بها على مقربة من ملعب أولاد زيان. فالسلطات، بحسب تعبيرهم، ضيقت الخناق عليهم، وصارت تتلقف أي واحد منهم يتواجد بالقرب من إشارات المرور، ويتم ترحيله صوب مدينة الداخلة أو تزنيت وباقي مدن الجنوب في الحدود مع موريتانيا. يقول أحد المهاجرين تم تكليفه من طرف أربعة رؤساء مجموعات بالمخيم للحديث إلينا: "لقد كذبوا علينا حين اتهمونا باغتصاب فتاة وبالتالي نشوب مواجهات في الحديقة المذكورة"، مؤكدا أن "المهاجرين لم يغتصبوا ولم يقوموا بشيء وإنما يدافعون عن أنفسهم". وأردف: "نحن متعبون، نريد فقط العمل، وعلى السلطات التي وقعت على اتفاقيات الهجرة لاستقبالنا أن تتحمل مسؤوليتها"، مشددا على أنه "طالما لا يرغبون في وجودنا، فعليهم إرجاعنا إلى بلداننا وليس استقبالنا ومعاملتنا بهذه الطريقة، ونحن ننتظر منهم اعتذارا لنا". وسط هذا المخيم الذي تنعدم فيه أبسط شروط الحياة والكرامة، لم يفت هذا المواطن المهاجر أن يؤكد على أن باقي المهاجرين المتواجدين به "يريدون الأكل والعمل وأن نقضي حاجاتنا، نحن اليوم ممنوعون حتى من قضاء حاجاتنا في المرحاض"، موضحا أن الأمن الخاص بمحطة أولاد زيان يمنعهم من ولوج المحطة لقضاء حاجتهم. ولا تقتصر معاناة هؤلاء فقط على غياب مرحاض وشروط العيش، بل أضحوا يتخوفون من مغادرة المكان؛ فقد يتعرضون للتعنيف والاعتقال في حالة ما ولجوا إحدى مقاهي الأنترنت لمحادثة أفراد أسرهم. الأمهات المغربيات سند لنا مقابل هذه الصورة السوداء التي لم تستطع السلطات الإقليمية تغييرها منذ مدة، فإن هؤلاء المهاجرين الأفارقة "ما نساوش الخير" ونوهوا بالأسر المغربية، وخاصة النساء. يقول أحد الشبان الذي منحه مسؤول في "المخيم" الضوء الأخضر للحديث إلينا: "أشكر النساء المغربيات، فهن أمهات قدمن مساعدات كثيرة لنا، وأتمنى لهن حياة أطول ودخول الجنة". وأوضح هذا الشاب الذي قطع آلاف الأميال من كوت ديفوار ليصل إلى المغرب ومنه يمكنه العبور إلى أوروبا، أنه بفضل الأمهات المغربيات "نحن هنا ولا زلنا أحياء، ولولاهن لما استمررنا في البقاء هنا"، موضحا أنهن "أكثر عطفا علينا؛ إذ يمنحنا الأكل واللباس وكل ما نحتاجه". وتابع المهاجر الإيفواري: "نحن نحب المغاربة ولا مشكل لنا مع المواطنين، وأشكرهم لأنهم يقدمون يد المساعدة لنا بشكل يومي". مناشدة للملك في ظل عجز السلطات، واستيائهم من طريقة تعاملها معهم، لم يتبق لهؤلاء المهاجرين سوى اللجوء إلى الملك محمد السادس ومناشدته التدخل وإنقاذهم من الوضع المزري الذي يعيشونه. يقول الشاب المسؤول بالمخيم في حديثه لهسبريس: "مع كل احترامي للملك، فأنا أقول لا بد من إيجاد حل لأنكم تؤكدون أن المغرب صار بلد استقبال"، معبرا عن احترامه لدفاع الملك عن المهاجرين وحقوقهم. أما الشاب الإيفواري، فقد أكد ضمن تصريحه: "إذا كانوا يريدوننا ألا نعيش هنا بينهم، فأنا أطلب من جلالة الملك إن شاهد هذا الفيديو أن يعيدنا إلى بلداننا". "تركت أبي وأمي في كوت ديفوار، ونحن هنا نطلب العمل فقط، والكثير منا يتوفر على ديبلومات، وأتمنى من الملك ابن إفريقيا أن يقوم بشيء ما لصالحنا".