قد لا ينتبه الكثيرون إلى أننا نعاني من معضلة ذات طبيعة سيكولغوية تتمثل في الاستعمال المفرط لضمير الغائب أو الفعل المبني للمجهول أثناء تحليلنا للوضع السياسي. و للتوضيح فضمير الغائب المفرد و الجمع يعبر عنهما ب "هو" و "هم" " ON" فيما يستعمل "أنا" و "نحن " كضمير متكلم و " أنت" و "أنتما"و "أنتم" و "أنتن" كضمائر للمخاطب. و الواقع أن من شأن أي برنامج لإحصاء نوع الضمائر المستعملة في النقاشات المتعلقة بالشأن العام أو غيره أن يكشف عن تصريف "Conjuguer" كل أفعال تحديد المسؤولية في ضمير الغائب أو المبني للمجهول. فما إن يبدأ أي حديث حتى ينطلق عداد إحصاء الأفعال المصرفة في ضمير الغائب المجهول، مثل : مداروش، ما صلحوش، ما بغاوش يصلحو، هما لي خططوا، زوروا، تواطؤوا، كلاوا الميزانية، غشوا فالبني، غشوا فالطريق، سرقوا، كيحاربونا، مخلاوناش نخدمو، ضعفوا الأحزاب، نشروا الفساد، كيتحكموا فكلش.... و لم تقتصر ثقافة خطاب الغائب المجهول على ملايين المغاربة بل شمل هذا الخطاب الشعبوي رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران الذي جسد فاعل الغائب المجهول في التماسيح و العفاريت. يتعلق الأمر إذن بأزمة سيكولغوية حادة يجب الانتباه إليها حتى لا تستفحل و يتوه ضمير المغاربة باختزال ضمائر لغتهم في الغائب المجهول. على المؤسسات المغربية ومراكز الدراسات والمؤسسات التربوية و التعليمية والإعلامية أن تدرك حجم خطورة الاستعمال المفرط لضمير الغائب، و ترد الاعتبار لضمير المتكلم "je" "أنا و نحن" كفاعل و مبدع و مخطط و متفاعل مع محيطه و قادر على التأثير. و حري بالتذكير أن نهضة أوروبا انطلقت بالضمير المتكلم "je" عندما قال ريني ديكارت : " Je pense, donc je suis "أنا أفكر إدن أنا موجود. و انتقل عالم الحداثة الغربية من الضمير المتكلم المفرد"أنا" " مع ديكارت إلى الضمير المتكلم الجمع "نحن" مع ألان توران الذي ربط الحداثة بالتاريخانية وقدرة"النحن" على فهم السلوك الجمعي و اكتساب القدرة على تغييره و تعديله و بناء النمودج الثقافي و الاقتصادي الخاص به. عرفت إذن أوروبا الحدود الثلاثة: فرد، ذات فاعلة، فاعل. فالذات الفاعلة حسب توران هي .الانتقال من الهو إلى ضمير المتكلم المفرد"je" و هي الرقابة الممارسة على المعاش لكي يكتسب معنى شخصي من أجل أن يتحول الفرد إلى فاعل يندمج في علاقات اجتماعية مع العمل على تغييرها و لكن دون التطابق مع اية مجموعة، لأن الفاعل ليس هو الذي يتصرف وفقا للمكانة التي يشغلها في التنظيم الاجتماعي بل هو الذي يعمل على تعديل البيئة المادية و الاجتماعية التي يوجد فيها. مسافة طويلة تفصل الضمير المغربي المجهول"on" هو" و بين الضمير الغربي المتكلم"أنا" "je "، مسافة بين تفكير شعبوي ميطا اجتماعي "Meta social "عنوانه التماسيح و العفاريت و بين تاريخانية مجتمع حداثي يتحدث لغة واضحة. مسافة تزداد شساعة كلما تأخرنا في تشخيص معضلتنا النفس-لغوية " psycholinguistique"، و إشكالية تنطلق مسؤولية مباشرتها من القرار السياسي للدولة و يتعين على الأحزاب السياسية و المؤسسات التعليمية و وسائل الإعلام و المجتمع المدني أن ينخرط في معالجتها. أما في اللغة الغربية فلم ينته الدفاع عن ضمير المتكلم"je" فأضحت الذات و التدويت حاشدة بالحركات الاجتماعية ، لأن التوجهات الثقافية بهذه المجتمعات لا يمكن فصلها عن الشكل الاجتماعي الذي تعطيه لها حالة الصراعات الاجتماعية، و هو شكل يذهب من التطابق الكلي مع مصالح الطبقة المسيرة إلى الاستقلالية القصوى، و يتعارض التذويت مماهات العقلنة بمصالح الطبقة المسيرة. و إذا كانت "je" حركة اجتماعية حسب "توران" فباسم انتقادات الحداثة التي أطلقها نيتشه و فرود من أجل التأكيد على أنه بقدر ما يكون المجتمع حديثا بقدر ما يخترزل إلى النمودج العقلاني منظومة من التقنيات و من الأشياء. الأمر الذي يجعل من الضروري الدعوة إلى فكرة الذات "je" من أجل كسر الانحجاز داخل ما أسماه ماكس فيبر" القفص الحديدي للمجتمع الحديدي".