تقدم أطفال صغار مجموعات من الرجال الذين وفدوا على العديد من المساجد والمصليات بمختلف مدن ومناطق المملكة، وهو يحملون ألواحا خشبية تضم آيات قرآنية تشير إلى طلب الرحمة من الله، في مشاهد تذلل وتضرع لمن يملك مفاتيح الغيث وإطلاق سراح أمطار اشتاق إليها ملايين المغاربة. ويسأل المغاربة "رب الأمطار" أن ينظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، ويهطل عليهم ماء السماء، بتقديم الأطفال حفظة القرآن في صلاة الاستسقاء، وهم يرتدون أسمالا بالية، ويرددون آيات قرآنية، طلبا للغيث الذي لم ترتشفه الأرض هذا العام إلا نادرا، فقست القلوب وارتفعت الأسعار، وكثرت الحوادث والفواجع. ويلجأ المغاربة إلى الأطفال خصوصا في صلاة الاستسقاء وطلب استدرار الأمطار من السماء، خشية شبح الجفاف الذي لا يبقي ولا يذر، لعلهم يتوسطون بينهم وبين الله في نزول الغيث، كما يقلب البعض ما يرتدونه من جلابيب وملابس، في طقوس مغربية ترتبط بممارسات قديمة. واعتبر خطباء الجمعة اليوم في أكثر من مسجد بالمغرب أن لطقوس الاستسقاء في البلاد مغازي ومعاني إيمانية وروحانية، فتقدم الأطفال لقوافل الرجال يعود إلى الاعتقاد بأن الأطفال لم يذنبوا في حياتهم بعد ماداموا لم يبلغوا الحلم، ولم يصبحوا مكلفين مثل الراشدين والبالغين. وفسر خطباء تقديم الأطفال جموع طالبي الغيث من الكبار، بأن الأطفال والشيوخ خصوصا هم في الغالب مستجابو الدعاء، واستحضروا في هذا الصدد حديثا قدسيا يقول مضمونه "وعزتي وجلالي لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، لخسفت بكم الأرض خسفا، ولمنعتكم لقطر من السماء". وأما موضوع قلب الملابس والجلابيب وارتداء النعال والأحذية بطريقة مقلوبة، فعزاه خطباء الجمعة إلى أنه دلالة على الرغبة في قلب حال انحباس الأمطار إلى حال الخصوبة وانهمار الأمطار، معتبرين أن هذا السلوك يجد جذورا قديمة له في ممارسات المجتمع المغربي. واعتبر الخطباء أن انحباس الغيث في موسم الأمطار هو نوع من الابتلاءات التي يجرب فيها الخالق إيمان وصبر عباده، وأنها ليست بالضرورة عقوبة إلهية أو غضبا ربانيا، وقد تصيب الطائعين والعصاة على السواء، لكنهم شددوا على أن الله ينزل غيثه دائما بعدما يقنطون، مصداقا لقوله تعالى "هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد". وتأتي صلاة الاستسقاء التي أمر بها الجالس على عرش المملكة، وفق ما أورده بلاغ سابق لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في وقت تتوقع مديرية الأرصاد الوطنية هطول بعض الأمطار في عدد من مناطق البلاد، خلال الأيام القليلة المقبلة، وخصوصا بحر الأسبوع المقبل. ويتساءل عدد من المغاربة عن دلالات موافقة صلاة الاستسقاء لهطول الأمطار بعدها مباشرة، كما حدث في مناسبات سابقة سواء في عهد الملك الراحل أو العاهل الحالي، وإن كان الأمر يتعلق ب"بركة الملوك المغاربة" الذين ينحدرون من الدوحة النبوية، أم أنه "دهاء" صناع القرار الذين يعلنون عن وقت الصلاة لما تصلهم تقارير الأرصاد بقرب هطول الغيث.