إن مناسبة إعادة وضع هذا السؤال الخالد خلود السؤال الكلاسيكي الأم "ما هي الفلسفة؟" هي حلول موعد تعزيز نسيج الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة بتجديد وإحياء الفرع الإقليمي للناظور يوم الأحد 26 نوفمبر الجاري. بالرغم من تغير الأيام وتعاقب الحقب والأزمان، يبدو أن عمل الفلسفة والفلاسفة ظلّ قريبا من روح يومه (بالمعنى العام ) لكن دون الانشراط به؛ فلقد تكرس الدرس الفلسفي، منذ سقراط، باعتباره درسا للتربية على اليقظة. لسائل أن يسأل: إذا كانت اليقظة هي نقيض النوم، فهل الإنسان المعاصر، المطوق بالصخب والضجيج من كل جانب، أحوج إلى اليقظة أم إلى سنة نوم في هدوء مفقود؟ هو سؤال بريء؛ لكن بسعة غير قليلة من السذاجة. لا مراء في أن العالم بات يعج اليوم بالصخب والضجيج؛ فالرصاص يلعلع باستمرار في أكثر من مكان على كوكب الأرض والعنف الدموي والفتك بالآدميين على الهوية والانتماء لا يتوقف، فضلا عن أن الإنسان يوجد اليوم في حالة استعجال دائم، بالرغم من أن العالم صار في متناول يده يبحر فيه عن طريق جهاز الهاتف المحمول الذكي من موقع إلى آخر دون أن يحتاج إلى أن يبرح مكانه؛ غير أن المفارقة الصارخة تكمن في كون هذا المناخ الموحي، في الظاهر، بالجلبة والحركية والتدافع المميت ومن ثمة باليقظة، بما هي نقيض للغفوة وللنوم، هو أبعث على الغفلة وعلى النوم منه على اليقظة. إن الوجود البشري لم يعرف من قبل وضعية باعثة على الانقياد والاتباع والتراخي الفكري وملائمة للتنويم والاستبلاد مثل الوضعية الراهنة. واضح أن المقصود هنا ليس النوم الطبيعي البيولوجي المعتاد بل النوم الوجداني والذهني. لعل معنى "التضبيع " كما استعمله الأستاذ المرحوم محمد جسوس في تشخيص وتحليل الحالة المغربية في اشتغاله على سوسيولوجيا الحياة اليومية، هو الأقرب إلى المعنى المقصود هنا. أن تكون مدرسا للفلسفة اليوم معناه، إذن، أن تمارس الفلسفة كفعالية فكرية متيقظة بما هي فعالية مضادة للتطبيع مع التنميط والتكرار والتنويم؛ لكن الفلسفة الخبيرة لا يفوتها أيضا إدراك أن "الإنسان الرقمي"، أي الإنسان المعاصر الذي صار يمشي حاملا رأسه في يده، عفوا هاتفه، إن كان في حاجة إلى اليقظة فهو محكوم عليه أيضا بالذكاء. يرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل سير، في إشارة ألمعية منه، أن المهمة الأساسية الملقاة على الإنسان اليوم هي أن يكون ذكيا؛ فإذا كانت التكنولوجيا الرقمية للاتصال قد وضعت المعطيات والمعلومات حول الكون بين يدي هذا الإنسان، فإنها قد أتاحت له بذلك فرصة التفرغ لممارسة الذكاء. وإذا كانت هذه هي روح هذا العصر فإن الفلسفة، وهي المنخرطة دوما في روح عصرها والداعية إلى انخراط الإنسان في روح عصره، هي الفرصة والمجال بل والملاذ أيضا للتربية على اليقظة واستثمار الذكاء البشري لصالح الإنسان.