يمر الكثيرون بمواقف تجمعهم بأشخاص ذوي احتياجات خاصة، فيرمونهم ببعض النظرات أو الكلمات دون أن يدركوا أنهم أناس يعيشون بشكل طبيعي، وربما تشكل تلك الكلمات أو اللحظات فارقا كبيرا في حياة بعضهم، وكريمة مطيع نموذج حي لذلك الإصرار الذي أنتج إبداعا تحدى كل المعيقات. كريمة الرسامة إنسانة تحدت نظرات مجتمعها وجعلت كل من حولها يقف مندهشا أمام لوحاتها، بعزيمتها وقدرتها الهائلة على تفريغ كل ما يخالج صدرها في لوحات حازت اهتماما واسعا داخل المغرب وخارجه. ووجدت الفتاة، البالغة 27 عاما، نفسها بلا ذراعين وبدون ساقين منذ ولادتها؛ غير أن تلك العاهة الخلقية لم تحبطها ولم تؤثر عليها سلبا كباقي الحالات وتجعلها تتوارى خلف كواليس الحياة، وإنما واصلت وعاشت حياة طبيعية متحدية جميع العوائق. وتكيفت مع حياتها ونفضت غبار الإحباط عن مستقبلها؛ وهو ما جعلها تضيء فانوس النجاح والتفوق وأقنعت كل من حولها بأنها لا تريد شفقتهم، فانتزعت احترامهم لموهبتها النادرة، وتمكنت بعزيمتها القوية من الوصول إلى مبتغاها في ظرف وجيز، بمساعدة محيطها الداخلي. وشحنت نفسها بالأمل لتتجاوز عاهتها المستديمة معتبرة أن ولادتها بتلك الإعاقة اختبار لها، ولا يمكنه أن يفتّ من عزيمتها نحو تحقيق مبتغاها بوصول لوحاتها إلى بيوت مختلف القارات كون ما تقدمه رسالة سامية في التحدي. في لقاء خاص بهسبريس، فتحت كريمة مطيع قلبها وباحت بما يخالج ذهنها من أفكار ظلت حبيسة أربعة جدران لمدة طويلة، موضحة أن "الكثيرين يستغربون لعزيمتي وإرادتي في قهر هذه الإعاقة؛ ولكنهم لا يدركون أني قهرت كل الصعاب بإرادتي وعزيمتي القويتين وصفقت لنجاحي بيدي المبتورتين". تقول كريمة وهي تتذكر تفاصيل التحاقها بمقاعد الدراسة: "في البداية، كان صعبا جدا الاندماج في محيطي الجديد، والأمر الأكثر تعقيدا هو انعدام الولوجيات والتنقل؛ وهو الأمر الذي دفعني إلى مغادرة الدراسة في وقت باكر والتخلي عن أحلامي الصغيرة والتي تبخرت حالما أدركت واقع المعاق ببلادنا". وأثبتت الشابة المفعمة بالحياة قدرة هائلة في التأقلم مع محيطها؛ لكن انقطاعها عن الدراسة في سلك الابتدائي يظل جرحا لا يفارق ذهنها، مضيفة في لقائها بهسبريس: "لن أنسى ما حييت اللحظة التي غادرت فيها المدرسة نهائيا... ومع ذلك ما زلت أحلم بالرجوع للتمدرس مرة ثانية وتحقيق ما عجزت تحقيقه سابقا". وأثار إصرارها بإمساك الريشة والرسم بيديها المبتورتين إعجاب الكثير من متابعيها ولم تقف الإعاقة حاجزا في وجه إبداعاتها، تقول كريمة: "أعتمد على نفسي في جميع التفاصيل التي تخصني وأقضي أغراضي اليومية بنفسي"، مضيفة: "لكن في الوقت نفسه أجد صعوبة في مواجهة للعالم الخارجي نظرا لانعدام الولوجيات". ولقيت الفتاة حب وتعاطف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة في لقائها بالجريدة أن "الإعاقة منحتني حب واحترام وتقدير الكثير من المتابعين"، وزادت قولها: "أتلقى تعليقات محفزة من لدن فنانين مغاربة تزيدني أملا في الحياة". وفي خيام لقائها بهسبريس، تشير المتحدثة إلى أن الإعاقة لم تكن يوما حاجزا في وجهها، بالعكس تماما، لقد أضافت لها الكثير وعلمتها كيف تتشبث بالأمل في الحياة دون الإحساس بالنقص أو الإحباط.