في الوقت الذي يشرع فيه المغرب في إعادة النظر بشكل جذري في منظومة الوظيفة العمومية التي تعود إلى سنة 1958، خصصت حكومة العثماني، لأول مرة في تاريخ المغرب، أزيد من نصف عدد مناصب الشغل المحدثة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2018 للتوظيف بالتعاقد؛ حيث بلغ عدد مناصب الشغل المحدثة حوالي 19 ألف منصب، بالإضافة إلى 20 ألف منصب شغل ب"الكونطرا". ولأول مرة، ترفع الحكومة عدد مناصب الشغل بالعُقدة أكثر من تلك المخصصة لنظام الوظيفة العمومية، بعدما كانت حكومة بنكيران قد خصصت في قانون المالية السابق 11 ألف منصب شغل بالعقدة، بينما ضاعفت حكومة العثماني ذلك ليصل إلى 20 ألف منصب بالتعاقد على مستوى قطاع التعليم، الذي سيبلغ المشتغلون فيه، في إطار التعاقد، حوالي 55 ألفا ما بين 2018-2019. وكشف التوجه الجديد لحكومة العثماني تخوفات كثيرة بعد تغليب كفة التعاقد على حساب التوظيف في مشروع قانون المالية المرتقب عرضه على البرلمان، وتساءل كثيرون عن انعكاسات ذلك على النظام الحالي للولوج إلى أسلاك الوظيفة العمومية. في هذا الصدد، يرى عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، أن التوجه الجديد الذي أبانت عنه الحكومة من خلال مشروع قانون المالية يهدف إلى "ضرب التشغيل في نظام الوظيفة العمومية عوض التشجيع على الاستقرار والعمل الدائم". وأوضح الإدريسي، ضمن تصريح لهسبريس، أنه على الرغم من عدم ظهور مشاكل مرتبطة بالتشغيل ب"الكونطرا" في الوقت الحالي، لكنها ستتعمق مستقبلا في حالة تخلي الدولة عن "مُوظفي العقدة". ولفت القيادي النقابي إلى أن الصندوق المغربي للتقاعد هو أكبر الخاسرين من جراء سياسة التوظيفات بالعقدة التي ستبلغ 55 ألفا ما بين 2018-2019، لأن "المتعاقدين ليسوا منخرطين في هذا الصندوق، بل في الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد الخاص بغير المرسمين، وهو ما سيضيع على CMR مداخيل مالية مهمة بإمكانها أن تساهم في حل الأزمة التي يمر منها". وتوقع الإدريسي أن توسع حكومة العثماني التوظيف بالعقدة في جميع القطاعات الحيوية، تمهيدا "للإجهاز على نظام الوظيفة العمومية بصفة عامة". في المقابل، تؤكد الحكومة أنه "لا يوجد أي فرق بين المناصب المالية المحدثة في إطار قانون المالية لسنة 2018، وبين المناصب التي تم الإعلان عنها في قطاع التعليم بالعقدة"، وتُشير إلى أن القانون ينص على أن المتعاقدين يتمتعون بالحقوق نفسها. وتتجه الحكومة إلى تغيير نظام الوظيفة العمومية بعدما قررت سابقا فتح مشاورات وطنية مع جميع المتدخلين؛ وذلك من أجل إدخال تغييرات جذرية على مفهوم الموظف العمومي بالمغرب. وسبق للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية أن أكد أن هذه المراجعة ستتم بناء على مبدأ التعاقد من أجل تقييم أداء موظفي الدولة في الإدارات التابعة لها. وشدد المسؤول ذاته، خلال اجتماع حكومي سابق، على أهمية اعتماد منهج التدبير بالنتائج القائم على مبدأ التعاقد كنظام للتقييم في اتجاه تكريس معايير الاستحقاق والكفاءة والمردودية، إلى جانب تيسير وتخفيف مسطرة اختيار المرشحين للمناصب العليا ومناصب المسؤولية.