احتفاء مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري بذكرى تأسيسها العاشرة يوم السبت 30 شتنبر 2017 هو احتفاء بجهود صاحبها وإسهاماته في ميدان الثقافة والعلم والفكر والسياسة. رجل مسارات عطائه متعددة وازنة، له في كل ميدان صولات وجولات، فهو السياسي والأديب واللغوي والصحافي. ولا بأس في هذا المقال من التنويه بعطاء الأستاذ العلامة عبد الهادي بوطالب من خلال محطات منها: الأستاذ بوطالب الصحافي المتألق: اهتم منذ شبابه المبكر بالكتابة الصحافية، فكان عمود "هذه سبيلي" في جريدة الرأي العام، لسان حزب الشورى والاستقلال، وتناسلت هذه الأعمدة فجمعها في كتاب بنفس العنوان ويقع في جزأين سنة 1980. شخصية عالم وسياسي: لا بد أن تغري الصحافيين لإجراء حوارات معه حول حياته السياسية والدبلوماسية والثقافية وحول مواقفه في اللحظات العصيبة في تاريخ المغرب قبل الاستقلال وبعده، فلم يتردد ولم يبخل برأي أو معلومة، بل كان دفقا ثرّاً لمعلومات سجلتها الذاكرة اليقظة. وأثمرت تلكم الحوارات عن رصيد من المذكرات منها: ذكريات، شهادات ووجوه: وهي مذكرات نشرتها جريدة الشرق الأوسط في حلقات سنة 1990، وصدرت في جزأين سنتي 1990، 1992، وفيها يتطرق إلى ملامح عصر النهضة في العالمين العربي والإسلامي، كما يتناول الحديث عن المعركة الوطنية التي خاضها وهو مسؤول سياسي ووطني؛ فالكتاب يحكي تجربة الأستاذ في الميدان السياسي بصفة عامة. نصف قرن في السياسة: وهو مجموع حوارات مع جريدة الشرق الأوسط حول حياته السياسية في عهد الملوك الثلاثة، وعن مواقفه وهو رجل سلطة من الأحداث التي عرفها المغرب قبل الاستقلال وبعده. وصدر الكتاب سنة 2001 ضمن منشورات الزمن. هذه قصتي: وهو أيضا حوارات مع جريدة الأحداث المغربية سنة 2004، وتم نشرها ضمن كتاب الشهر العدد 15 سنة 2005. وتتناول هذه الحوارات قضايا وخبايا وأسرارا عن المغرب وأحداثه ورجاله على مدى ستين سنة. وفي إطار هذه الحوارات أجرت معه قناة الجزيرة حوارات متلفزة من خلال: شاهد على العصر: وهو سبع حلقات سجل خلالها الإعلامي أحمد منصور مع الأستاذ بوطالب حوارا ساخنا حول حياته الثقافية والسياسية، وإن كانت الأسئلة ملغزة ومستفزة، فقد كان الأستاذ يحسن الجواب بتحليل دقيق حينا ومقتضب حينا آخر؛ وذلك سنة 2008. بلا حدود: وهي حلقة متلفزة قام بتنشيطها الإعلامي أحمد منصور من قناة الجزيرة أجاب خلالها الأستاذ بوطالب عن أسئلة المشاهدين المباشرة أو عن رسائلهم، حول ما قدمه من معلومات وشهادات في حلقات شاهد على العصر، كانت الأسئلة تتمحور حول لاءاته المتعددة التي أثارت استغراب المشاهدين، وكانت الأجوبة مؤكدة صدقه في ما قال: فهو يعمل القول المأثور: قل كلمتك وامش. زيارة خاصة: وهي حلقة متلفزة أيضا مع قناة الجزيرة بثت سنة 2003، أثيرت فيها موضوعات متنوعة عن المغرب وأوضاعه السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، منها حالة الاستثناء وأحداث 23 مارس 1985 وغيرها. وكانت الخلاصة التي يتمسك بها الأستاذ بوطالب: خير يضُرُّ خير من باطل يسُرُّ . الأستاذ بوطالب.. الكاتب الأديب: مؤلفات الأستاذ بوطالب تحكي قصة الأستاذ الباحث المتمرس بالبحث والدرس، الشغوف بالكتابة والتأليف في الموضوعات التي تشغل فكره وتحرك قلمه بأناة وتبصر وحسن أداء، فهو لم يكتف بالتأليف في موضوع واحد، وإنما هي موضوعات متنوعة عديدة تؤكد موسوعيته ونبوغه وغنى مؤهلاته. يقول الأستاذ بوطالب: "يبلغ عدد مؤلفاتي واحدا وسبعين مؤلفا في التاريخ والأدب والقصص التاريخي والقانون الدستوري"، ومن ثم فهو: العالم اللغوي: وله ثلاثة كتب: الحقوق اللغوية، معجم تصحيح لغة الإعلام، دور الإعلام في رفع التحديات التي تواجه العالم الإسلامي. السياسي والقانوني: وهو الأستاذ الجامعي والمدير العام لمنظمة الإسيسكو أول إنشائها، من مؤلفاته: المرجع في القانون الدستوري، والمؤسسات السياسية في جزأين، النظم السياسية المعاصرة، الحكم والسلطة والدولة في الإسلام، في القضايا العربية والإسلامية، وغيرها. الأستاذ الأديب: صاحب رواية "وزير غرناطة"، وهي أول رواية نالت حظها من الدرس وصدرت سنة 1950، وهي اليوم في طبعتها السابعة الصادرة سنة 2004.. في رحاب تفسير القرآن الكريم: قبسات من نور الذكر الحكيم، وصدرت في خمسة أجزاء، من سورة الفاتحة إلى سورة الأنعام. الأستاذ في المعهد المولوي والجامعة المغربية الأستاذ المحاضر في المنتديات العلمية أنشطته في الألفية الثالثة: وتتناول مشاركاته العديدة في الندوات العلمية التي يُستدعى لها من طرف الجامعات والمؤسسات العلمية والسياسية بموضوعات تصب في الوضع العالمي الراهن، منها: من هندسة عولمة الثقافة إلى تصنيع ثقافة العولمة، حتمية الحوار بين الثقافات والحضارات والديانات لتلافي صدامها، حقوق الإنسان وحقوق الأسرة، الأسرة المغربية ورهان التنمية، الجامعة في عهد العولمة بين التكوين والتنوير، إلى غيرها من الموضوعات. الأستاذ بوطالب عضو أكاديمية المملكة المغربية وعضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بعمان، حصل على جائزة الاستحقاق الكبرى للمملكة المغربية سنة 1990 وجائزة المغرب الكبرى للثقافة سنة 1994 ووسام الاستحقاق الفكري للمملكة الأردنية الهاشمية سنة 2002، وعلى وسام الاستحقاق من منظمة الإسيسكو سنة 1992، وعلى وسام العرش من طرف الملك الراحل الحسن الثاني وعلى وسام الحمالة الكبرى لوسام العرش من طرف جلالة الملك محمد السادس، كما حصل على درع أكاديمية المملكة المغربية. لقد أحسنت المؤسسة صنعا بتخليد الذكرى والحديث عن منشوراتها التي تؤرخ لأنشطتها، من هذه المنشورات: عبد الهادي بوطالب مسارات في الفكر والحياة، المرأة بين مقتضيات الشريعة والقوانين الدولية، تأملات في فكر عبد الهادي بوطالب، كرسي عبد الهادي بوطالب للفكر الإسلامي. كما أنجزت المؤسسة العديد من اللقاءات حول فكر عبد الهادي بوطالب في الدارالبيضاء وفاس والرباط، وعملت على عقد اتفاقيات تعاون علمي بين جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس بإشراف كلية آداب ظهر المهراز، وذلك بإحداث كرسي عبد الهادي بوطالب للفكر الإسلامي، كما تمَّ توقيع اتفاقية تعاون بين المؤسسة وكلية آداب عين الشق بالدارالبيضاء تبنَّتْ إحداث جائزة عبد الهادي بوطالب للصحافة وتدشين جناح بالكلية يحمل اسمه، وكذلك إحداث ماستر للصحافة والإعلام بنفس الكلية. كانت الذكرى أيضا مناسبة للاحتفاء بمن انضم إلى المؤسسة من الأكاديميين والمثقفين ورجال الفكر كأعضاء شرفيين، وكذلك ممن انتسبوا إلى جهازها الإداري رغبة في الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم وتعاونهم للسير بالمؤسسة نحو المؤمل من النجاح ولتحقيق إشعاعها في ما اهتمَّتْ به من مشاريع مستقبلية.