تقول أساطير اليونانيين الأولين إن سيزيف سخر من الآلهة وسرق أسرارها فحكمت عليه بأن يرفع صخرة بلا توقف ولا انقطاع حتى إن دنا من بلوغ قمة الجبل سقطت الصخرة بسبب ثقلها ثانية ليعيد الكرة من جديد. لقد ظنوا لسبب معقول أنه ليس هنالك عقوبة وعقاب أشد بشاعة من العمل التافه الذي لا أمل فيه. سيزيف كان أشد الفانين حكمة وحصافة إذا ما صدقنا قول هوميروس، وقد اختلفت الروايات والآراء بشأن السبب الذي جعله يعمل بلا هدف ولا جدوى في العالم السفلي. كما يقال بأنه لقربه من الموت دفعته الرغبة إلى اختبار حب شريكته مطالبا إياها برمي جثته غير المدفونة وسط الساحة العامة، ليستيقظ في العالم السفلي. وهناك، حين ضايقته الطاعة المناقضة للحب البشري، رخص له بلوتن بالعودة إلى الأرض لمعاقبة شريكته ولكنه حين رأى مرة ثانية وجه هذا العالم وما فيه من شمس وماء وصخور وبحار، رفض العودة إلى الظلام الجهنمي. بالرغم من نداءات وتحذيرات وعلامات غضب الآلهة، عاش سيزيف سنوات مواجها تقوس الخلجان وتألق البحار وابتسامات الأرض حتى جاءه عطارد (إله البلاغة) بأمر من الآلهة بالقبض على سيزيف الصفيق من ياقته، وقيادته بالقوة إلى العالم السفلي حيث الصخرة المعدة له في انتظاره. هذه اللعنة السيزيفية نعاينها يوميا في معاشنا، تعددت أشكالها وكثرت تمظهراتها في حين اختلفت أسماء العناوين التي نعطيها إياها، لعنة سيزيف تلاحقنا كلما أردنا حل مشاكلنا القديمة بتجريب المناهج نفسها والطرق القديمة في توقع وانتظار نجاحها. تلاحقنا هذه اللعنة حتى في علاقاتنا الإنسانية المتشعبة المليئة بالأسئلة متعددة أبعاد بلاغتها مثل: لماذا أنا وليس الآخرون؟ لماذا هجرني وتركني؟ لماذا لم يعد حبها لي مثل الأول؟ يستريح ويميل جل المغاربة للجواب المتشبع بالقدرية، حتى الأسئلة قد تكون صدفة والصدفة عند جلهم هنا خير من ألف جواب. ولكن كلمة القدر كجواب للوهلة الأولى لا يمكنها البتة الصمود أمام السؤال، على سبيل المثال، "لماذا لم يعد حبها لي مثل الأول؟"، هو بداية رفع ودحرجة الصخرة بلا توقف ولا انقطاع حتى تبلغ قمة الجبل. تبحث للوصول للأجوبة لكي تطرد عنك لعنة السؤال. وكلما كنت قاب قوسين أو أدنى من جواب تسقط عليك صخرة السؤال بسبب ثقلها ثانية لتعيد الكرة من جديد. تحاول ثم تجرب ثم تعيد التكرار بفرصة أو ربط علاقة جديدة أو حوار أو قرار تختصره جملة "فلنبق أصدقاء"، في حين يستحيل عليك معرفة لماذا توقف وتغير شعور حبها تجاهك. هي أصلا ربما كما قال محمود درويش: لا تحبُّكَ أَنتَ. وأنت ترفع تلك الصخرة بلا توقف بغاية بلوغ قمة الجبل، لم تفكر أن المشكلة والإشكال في الصخرة وأن حل الإجابة يكمن في تخليك عن إعادة دحرجة الصخرة. لفك هذه اللعنة عليك بالوصول إلى العقدة القفل بالتوقف والانقطاع عن دحرجة الصخرة، هو تمزيق الصفحة، كما يقول مالك حداد، دون مجهود بحث عن الإجابة ولو كانت متعلقة بالقدر. ليس مهما، هو جواب لجميع الأسئلة. فما الذي يهم؟ لا شيء ولا أمر مهم، إذا كان هذا هو الجواب فهو بداية رفع ودحرجة الصخرة بلا توقف ولا انقطاع من جديد. في هذه الحياة ما يهم. يهم أن تتحمل المسؤولية دون إعفاء سواك منها، يهم تعلم العبر والدروس دون حاجة إلى تكرار مستمر في رفع ودحرجة الصخرة، يهم الإدراك أن كل شيء ربما يقع لسبب لا نعرفه إلا بقراءة عكسية للوقائع والأحداث، والأهم هو أن تصالح وتسامح وتصارح نفسك وغيرك وتتقبل وضعك وتقبل وضعيتك الجديدة. أخيرا، الحب عاطفة إلهية المنبع وإنسانية المصب، إن الإنسان، أي إنسان، يقول بأن الحياة خلقت فقط للعمل أو للدراسة فقد كذب، إنما خلقت الحياة للحب وكلما كانت هذه الحياة مثيرة أكثر، يقول ألبير كامو في رواية الغريب، كانت نسبة فكرة فقدانها أكبر. الإنسانية هي الحل.