يكاد يجمع أغلب المحللين والمتتبعين للانتخابات الألمانية على أن هذه الاستحقاقات على حجم كبير من الأهمية، وستشكل منعطفا مهما في المشهد السياسي الألماني. لؤي المدهون، خبير في الشأن الألماني، وفي إطار حوار أجراه معه مركز هسبريس للدراسات والإعلام بالعاصمة برلين، وبمقر قناة الدويتشة فيلة الألمانية، أكد أن السياق الذي تمر فيه هذه الانتخابات "استثنائي". ويتعلق الأمر بتنامي شعبية حزب البديل ذي النزعة اليمينية المتطرفة، والذي يمكن أن يلج المؤسسة التشريعية لأول مرة بعد سبعين سنة من التخلص من الأحزاب النازية، مقابل تراجع طفيف في شعبية الاتحاد المسيحي الديمقراطي وتهاوي سمعة أحزاب الاشتراكي الديمقراطي واليسار والخضر، مع إمكانية عودة الحزب الليبرالي بعد أن كان خارج أحزاب الولاية السابقة، والذي حكم ألمانيا لمدة طويلة. هذه المؤشرات ستدفع الناخبين الألمان إلى المشاركة الحثيثة للحفاظ على ثوابت السياسة الألمانية المعتدلة تجاه الجميع، وعدم التراجع عن عدد من المكتسبات التي قدمتها ألمانيا سواء في ملف الهجرة واللجوء أو الامتيازات الاجتماعية الممنوحة لبعض الفئات الهشة والمسنة في المجتمع الألماني. الحزب الديمقراطي المسيحي قدم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أجل نيل ولاية رابعة في إطار ضمان الاستقرار السياسي والحفاظ على السياسة نفسها المتبعة في الملفات ذات الأهمية القصوى، والحزب الاشتراكي الديمقراطي يحاول جاهدا المنافسة ضدا على استطلاعات الرأي التي تمنيه بهزيمة قاسية بسبب تراجعه عن دعم مكتسبات الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. وعلى العكس مما يشاع بأن الحملة الانتخابية كانت مملة، فإن الأحزاب الصغيرة كحزب البديل اليميني وحزب الخضر المساند للمهاجرين قدمت مقترحات جديدة ووجهات نظر تؤسس لمفهوم مجتمعي جديد للدولة الألمانية، كل من زاوية معالجته، وهذا ما سيدفع الناخب الألماني إلى التفكير مليا قبل التصويت، إما الحفاظ على الأداء السابق نفسه، بالرغم من سلبياته، أو المجازفة بحمل إيديولوجية جديدة إلى كرسي الحكم. باستثناء حزب البديل الذي يغرد خارج السرب وينشر ثقافة الكراهية، فبالنسبة إلى ملفات الهجرة واللجوء وتحديد البلدان الآمنة، كل الأحزاب الألمانية المشاركة متفقة على ضرورة التصدي لإشكالية الهجرة المتنامية، عبر معالجة أسبابها داخل الدول المصدرة للمهاجرين، لذا فلا يتوقع أن تخرج الحكومة الألمانية عن السياسة الأوروبية المعتمدة، يضيف المدهون، لكون ألمانيا تعتبر فاعلا رئيسا في اتخاذ السياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة من جهة، ومن جهة أخرى هناك تنسيق قوي بين مختلف اللاعبين الكبار من أجل وضع استراتيجية واضحة المعالم بدل القيام بإجراءات محدودة وقصيرة المدى. ألمانيا مستعدة جيدا من أجل أن تمر الانتخابات في أحسن الظروف وبضمانات عالية من النزاهة والوقاية الأمنية من أي تدخل خارجي، بهذا الجواب رد ضيف هسبريس على سؤال متعلق بإمكانية دخول الاستخبارات الروسية على خط الانتخابات الألمانية كما وقع في الانتخابات الأمريكية والفرنسية. كما أن رغبة العديد من الأحزاب الألمانية في بناء علاقة جيدة ومستمرة مع روسيا، وهذا أمر يعلمه الرئيس الروسي فلادمير بوتين جيدا، سيدفعه إلى عدم التسرع في مغامرة غير مضمونة بالنظر إلى قوة الإجراءات الأمنية الألمانية، واستعدادها المسبق. لم تتبق إلا ساعات قليلة لمعرفة نتائج الانتخابات الألمانية التي يتوقع الكثيرون بأنها ستؤشر على استمرار "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" على رأس الجهاز التنفيذي الألماني بقيادة أنجيلا ميركل مع احتمال تغييرات متوقعة على تشكيلة الحكومة المقبلة.