عندما قررت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، النزول يوم 20 مارس للتظاهر الى جانب شباب حركة 20 فبراير، كتبنا مقالا اخترنا له هذا العنوان: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحركة 20 فبراير أي أفق؟. من بين الأمور التي تم التأكيد عليها في هذا المقال الاستقرائي للعلاقة بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحركة 20 فبراير ما يلي: -1- إن قبول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيىة، بالإبقاء على حالة المجاز الدستوري قائمة، يفسر بأن هذا الحزب، اقتنع بضرورة استبدال خيار الديمقراطية بخيار التوافق مع الدولة، على قاعدة المصالح المتبادلة بينهما خارج سياق مطالب المجتمع. -2- الاتحاد الاشتراكي حزب لم يستفد من أخطائه الثلاث، التي تناولها كتاب الاختيار الثوري للمهدي بن بركة، وثقافة نخبه وهواجسها السياسية المحكومة بمنطق الريع السياسي والاستفادة من الوضع القائم، ثقافة خربت الحزب وشتت قواعده وأخرت المجتمع كثيرا. -3- حركة 20 فبراير، كانت بمثابة الفرصة التاريخية، التي لم يستفد منها الحزب في إجراء المصالحة التاريخية المطلوبة مع جزء كبير من الشعب، الذي كان له الفضل في إطلالة الملك يوم 09 مارس، وفي فرملة الوافد الجديد الذي كان يعد لمشروع الاستبداد السياسي باسم التخليق ومحاربة الفساد وإعمال توصيات الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية، وفي كشف أوراق الأجهزة الأمنية ومناوراتها المخابراتية لإخراس كل مطالب الإصلاح والتغيير، وعورات ونزعات السياسيين الخائبين المنتفعين من نعم الجالس على العرش والمستفيدين من الوضع. -4- حسابات الاتحاديين أكبر من حسابات الوطن ومصير الشعب، ومصالح نخبه السياسية الغارقة في الريع أكبر أيضا من ضرورة الإصلاح والتغيير في الدولة والمجتمع. -5- الاتحاد الاشتراكي، لم يخرج يوم 20 مارس للاصطفاف إلى جانب الشباب وتبني مطالبهم العادلة والمشروعة، بل خرج لابتزاز حلفائه السياسيين في إطار لعبة الدعاية السياسية لمرحلة 2012، ولممارسة الضغط على الدولة من أجل جني ثمار منافع سياسية أخرى تنضاف لقائمة منافعه التي تراكمت بالنسبة للبعض مند الستينات والبعض الآخر مند مرحلة التناوب وما بعدها. -6- محاولة الاتحاد الاشتراكي اقتسام الشارع مع مكونات التنسيقية الوطنية لدعم ومساندة حركة 20 فبراير، لها أبعادها وخلفياتها، التي لن تخرج عن نطاق التفتيت في القادم من الأيام. -7- الإرهاصات الأولى لمنطق التفتيت بدأت مع شباب هذا الحزب من داخل تنسيقية الدارالبيضاء، وهاهي اليوم، تتم من خلال بعض شبابه أيضا بمدينة الرباط، الذين دخلوا في لعبة الاستقطاب الدبلوماسي الدولي بشأن قضايا في الأول والآخر هي أمر داخلي يخص المغاربة، الذين يظل لهم ولوحدهم، كامل الحق في اختيار نظامهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. -8- الاتحاد أمام مسؤولية تاريخية إلى جانب كل القوى المؤمنة بالتغيير السلمي والهادئ، من أجل بناء دولة المواطنة والكرامة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والقطع مع أساليب القهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومحاربة الفساد بكل أشكاله وصوره حفاظا على وحدة هذا المجتمع واستقراره وحمايته من كل السياسات الطبقية التي أفرزت لنا مند عقود المغرب النافع والمغرب غير النافع. مرت تظاهرة 20 مارس التي خرجت فيها قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الى جانب حركة 20 فبراير للاحتجاج على الفساد واقرار الديمقراطية ودولة الحق والمؤسسات، ومر كذلك الاستحقاق الدستوري الذي صوت فيه الحزب "بنعم " التي قال بعض قيادييه أنها مشروطة بإصلاحات سياسية كفيلة بخلق شيء من الثقة بين الدولة والمجتمع. لا أحد ينكر اليوم، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوجد على صفيح ساخن، وأن جزء كبير من مناضليه بالفروع والأقاليم وبالمحلس الوطني والمكتب السياسي، غير راضين تماما على التدبير البيروقراطي للمرحلة الراهنة من طرف قيادتهم. تصويت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على دستور 2011، فيه نوع من الانسجام السياسي مع تصويته على دستور 1996 الذي أسس لمرحلة التناوب من الناحية السياسية، لكنه في العمق يخفي تفاصيل مفاوضات ووعود سرية يمكن أن تكون قد تحكمت في موقفه من الدستور الحالي ومن حركة 20 فبراير. فالثابت سياسيا، أن تصويت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على دستور 96 بشكل ايجابي، لم يكن خيار قواعده انداك، أو يعكس قناعات دستورية لقيادة الحزب بشأن المسألة الدستورية، بل لم يكن يعكس حتى قناعات العديد من أعضاء لجنته المركزية الذين فضلوا التصويت بنعم، نزولا لرغبة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي اتفق مع الملك الراحل الحسن الثاني على ترتيبات انتقال السلطة بشكل سلس الى ولي العهد انداك الملك محمد السادس. نعم المشروطة التي تحدث عنها حزب الاتحاد الاشتراكي، تخفي وراءها الكثير من الأمور، بل تعطي الدليل على أن الاتحاد الاشتراكي، الذي دخل تجربة ما سمي بالتناوب السياسي في العام 1998 بناء على القسم القرآني، كائن سياسي ديماغوحي ،يكرر نفس الأخطاء ولا يستفيد من العبر ضمانا لمصالح نخبه الهرمة. فبعد التصويت المشروط على الدستور، لم يعد مقبولا في المستقبل، من الاتحاد الاشتراكي درف دموع التماسيح على الشعب ببيانات "راديكالية " لمكتبه السياسي على غرار بيان المنهجية الديمقراطية الذي نعى من خلاله الحزب تجربة حكومة التناوب التي قادها اليوسفي. بعيدا عن الدستور، وارتباطا بحركة 20 فبراير، الاتحاد الاشتراكي نجح في توظيف شبيبته الاتحادية - مند 20 فبراير الى يوم اعلان ترشيح أسامة الخليفي باسمه بدائرة سلا في مواجهة امام البيجيدي وشيخه عبد الالاه بنكيران- بشكل جيد من أجل الضغط على الدولة لانتزاع مكاسب سياسية من جهة، وللتخندق داخل الحركة وبعثرة أوراقها كما حصل بكل من البيضاءوالرباط من جهة. أخرى. التوظيف السياسوي الفج من قبل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للحراك السياسي والاجتماعي - الذي قادته حركة 20 فبراير، وانخرطت فيه محموعة من الهيئات السياسية والنقابية والفعاليات المدنية والحقوقية - ورهانه على استمرارية مصالح نخبه السياسية الغارقة في الريع والفساد، ورقة خاسرة تنضاف الى أوراقه الأخرى التي راكمها مند تجربةالتناوب الى يومنا هذا. اعلان الحزب عزمه ترشيح أسامة الخليفي - الشاب الذي كان يصدح صوته برفصه لدستور لجنة المنوني ومطالبته بحل الحكومة والبرلمان ومحاكمة رموز الفساد ومحاربة الريع- بدائرة سلا بمبرر واهي يتمثل في مواجهة بنكيران، فيه اساءة للحزب أكتر من إساءته لأسامة الخليفي. أولا ترشيح الحزب لأسامة يعني أن هناك صفقة غامضة ذات صلة بهذا الترشيح. فمن غير الجائز ولا المقبول، أن يتحول موقف أسامة بين لحظة وعشية من مناضل ثوري رافض للدستور ولطبيعة المؤسسات و للحزب ولقياداته التي قال في ريعها وفسادها ما لم يقله مالك في الخمر، الى واحد من مرشحيه في الانتخابات القادمة؟؟؟ صفقة أسامة الخليفي أكدت بالملموس بأن الاتحاد الاشتراكي ومعه ما يسمى بأحزاب الصف الوطني، جزء أساسي من جبهة الممانعة والرفص لإحداث الاصلاحات الديمقراطية الكبرى للانتقال من عهد الملكية التنفيذية التي يسود فيها الملك ويحكم، الى الملكية البرلمانية القائمة على أسس المساءلة والمحاسبة وفصل المال عن الثروة وعدم افلات الجلادين من العقاب. بموازاة الموقف من الدستور وحركة 20 فبراير، السلوك السياسي اليومي لحزب الاتحاد الاشتراكي، سواء داخل المؤسسات الدستورية، أو في العلاقة مع المجتمع، يشي بطبيعة التحول الجوهري في مسار هذا الحزب الذي طبع الحياة السياسية المغربية مند التأسيس الى حدود التسعينيات، من حزب جماهيري شعبي قادر على قيادة المجتمع وتحريكه في سبيل الاصلاح، الى حزب نخبوي ريعي وفئوي مدافع شرس عن التقاليد البالية ومناهض للتغيير والاصلاح. الحزب الذي خلف بالسجون مئات المعتقلين السياسيين في سنوات الرصاص السوداء الشاهدة على ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وأعطى عرسان الشهداء، وحوكمت قياداته بالداخل والمنفى بمئات السنين وصدرت في حقها أحكاما بالإعدام، لا يستحييى اليوم قادته من اثارة زوبعة سياسية وتدبيج بيانات استنكارية للاحتجاج على حرمان أحد أعمدته بسوس من تقديم فروض الطاعة والولاء وتكريس الأعراف البالية.