كشفت الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في بعض المدن المغربية مؤخرا تدني نسبة المشاركة السياسة للمغاربة إلى أدنى مستوياتها، بشكل غير مسبوق، إذ لم تتجاوز 5 في المائة في دائرتي تطوانوسطات؛ كما كشفت تراجع شعبية الحزب الأول في المغرب الذي فقد آلاف الأصوات. ويرى محللون سياسيون أن نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة مؤشر خطير على تراجع ثقة المغاربة في اللعبة السياسية، في ظل المناخ السياسي العام في البلاد، وما تعيشه الأحزاب من تجاذبات داخلية، بالإضافة إلى تداعيات احتجاجات "حراك الريف" على المواطنين. ففي تطوان مثلاً، رغم أن مرشح حزب العدالة والتنمية، محمد إدعمار، استطاع استعادة مقعده البرلماني؛ إلا أنه فقد أزيد من 11.000 صوت، كما تراجعت ثقة الساكنة المحلية في المدينة على حساب البوادي؛ في حين حصلت فيدرالية اليسار الديمقراطي على ما مجموعه 3745 صوتاً، مسجلة تقدماً طفيفاً مقارنة مع اقتراع 7 أكتوبر. أما في مدينة سطات فاستطاع مرشح حزب الأصالة والمعاصرة أن يفوز في الانتخابات الجزئية، وهزم مرشح حزب الاستقلال؛ فيما لم يتمكن مرشح حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة من الفوز. دواع تنظيمية وعموماً، يرى العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، أن الانتخابات الجزئية في العالم تعرف نسبة مشاركة سياسية متدنية لاعتبارات متعددة، أولها أن الانتخابات العامة تشهد تعبئة جميع الأطراف لدفع الكتلة الناخبة إلى المشاركة، بما فيها دور الدولة والإعلام والمؤسسات الحزبية والمجتمع المدني؛ في حين تبقى الانتخابات الجزئية مرتبطة فقط بالأحزاب المشاركة في إعادة الاقتراع. وعن خسارة حزب العدالة والتنمية لأصوات مهمة في مدينة تطوان، يوضح العمراني بوخبزة، في تصريحات لهسبريس، أن مرشح الحزب الذي يسير مجلس المدينة يعيش على وقع مشاكل متعددة، سواء داخل الحزب أو على مستوى التوافق مع الأغلبية لتسيير المدينة. ولفت المتحدث ذاته إلى أن حصول "البيجيدي" على غالبية أصواته من "البادية" راجع بالأساس إلى الدعم الذي قدمته أحزاب الأغلبية الحكومية، التي تتوفر على قاعدة واسعة في البوادي. وخلافاً للتبريرات التنظيمية التي قدمها بوخبزة، فإن الباحث في العلوم السياسية محمد شقير يرى أن نسبة مشاركة المغاربة في الانتخابات الجزئية تعكس الجو السياسي العام في المغرب، الذي يتسم ب"الرتابة وفقدان الثقة في العمل السياسي بصفة عامة". تأثير "حراك الريف" وقال شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "إذا استثنيا الفترة التي كان فيها بنكيران رئيساً للحكومة، فإن اهتمام المغاربة بالسياسية بدأ يسجل تراجعاً ملحوظاً، خصوصا بعد إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة، إذ إن هناك من يتساءل عن جدوى إجراء هذه الانتخابات ما دامت الإدارة الشعبية لا تحترم في نهاية المطاف". أسباب أخرى تقف وراء تدني المشاركة في الانتخابات الجزئية، حسب شقير؛ وهي تداعيات "حراك الريف" المتواصلة منذ حوالي سنة، لافتاً إلى أنه "حتى الكتلة الناخبة التي كانت مهتمة بالسياسية فقدت الثقة بسبب اندلاع الاحتجاجات في مختلف مناطق المغرب، بالإضافة إلى ما تعيشه الأحزاب الثلاثة الأولى من مخاض عسير. ويشرح "حزب العدالة والتنمية يعيش على وقع التوتر الداخلي والتجاذبات بخصوص تجديد ولاية ثالثة لبنكيران، وحزب الاستقلال يعيش على وقع أزمة غير مسبوقة منذ شهور، والصراع حول ملامح مرحلة ما بعد شباط، ثم وضع حزب الأصالة والمعاصرة الداخلي بعد استقالة أمينه العام، إلياس العماري"، على حد قوله. وخلص الباحث السياسي ذاته إلى أن نسبة مشاركة المغاربة في الانتخابات الجزئية "مؤشر خطير على أن المرحلة المقبلة ستعرف تراجعات كثيرة بشأن اهتمام المغاربة بالسياسية والانتخابات"، داعياً في الصدد ذاته إلى ضرورة إعادة النظر في اللعبة السياسية بصفة عامة.