"تفريد العقوبة أو الجزاء الجنائي": هي واحدة من أهم القواعد الأساسية في مجال التجريم والعقاب، والتي يستند إليها القاضي الزجري في إصدار العقوبات والأحكام. والتفريد قد يكون تشريعيا وقد يكون قضائيا، ويعني تخويل هيئة الحكم أو القاضي الفردي سلطة تقديرية في اختيار العقوبة المناسبة في نوعها ومقدارها للأفعال الإجرامية المرتكبة. ولهذا الغرض، نجد أن القانون الجنائي ينص غالبا على سقفين للعقوبة، كحد أدنى وحد أقصى، مع تمكين القاضي من سلطة تشديد أو تخفيض العقوبة بحسب الأعذار القانونية وظروف وملابسات القضية. هكذا فضّل مصدر قضائي الاستدلال بهذه التوطئة في تصريح لهسبريس، ذات الصبغة القانونية، للرد على أصحاب التعليقات الرافضة لحكم 20 سنة سجنا نافذا الصادرة في حق أحد المتابعين في قضية أحداث إمزورن، مشددا على أن "هذه العقوبة الجنائية هي الملائمة لطبيعة وجسامة الأفعال الإجرامية التي ارتكبها الشخص المحكوم" بتعبير المتحدث. وفي تعليق على هذا الحكم الذي أثار نقاشا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، استطرد المصدر القضائي بأن النيابة العامة كانت قد التمست في دفوعاتها الحكم بالسجن المؤبد أو السجن المحدد لثلاثين سنة في حق الشخص المعني بالأمر، مستندة في ذلك إلى خطورة الجرائم التي ارتكبها والمتمثلة في إضرام النار عمدا في بناية تأوي عناصر الشرطة ومحاولة القتل العمد ووضع أشياء في الطريق العمومية من شأنها تعريض حياة الأشخاص للخطر... وهي عقوبات يفرد لها المشرع الجنائي عقوبات جنائية تصل إلى السجن المؤبد. وأردف المصدر ذاته، بأن الثابت من ملف القضية بأن الشخص المحكوم أقر في جميع مراحل الدعوى، سواء أمام الشرطة القضائية خلال مرحلة البحث التمهيدي أو أمام قاضي التحقيق خلال سريان التحقيق الإعدادي، بأنه ساهم في إضرام النار عمدا في بناية الشرطة في 26 مارس 2017، مما نجم عنه إصابة 93 موظف أمن بإصابات جسدية منها إصابات وصفت بالخطيرة، فضلا عن تعييب وتخريب ممتلكات عامة وخاصة. وفي معرض الرد على التدوينات والتعليقات التي اعتبرت بأن هذا الحكم هو إشارة سلبية تحول دون تهدئة الوضع في مدينة الحسيمة، رفض المصدر القضائي هذه التعليقات على اعتبار أنها تتناقض مع فلسفة وسلطة القانون، وتشجع على الإفلات من العقاب، متسائلا-باستغراب- كيف يمكن للقاضي أن يتجاهل خطورة وجسامة الجرائم المرتكبة لمجرد أن الملف هو موضوع نقاش عمومي؟ وحتى في حالة استحضار مثل هذه الخلفيات، فإن القاضي سيكون مُنكرا (بكسر الكاف) للعدالة وهي جريمة منصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون الجنائي. يذكر، أن هذا النقاش القانوني جاء في أعقاب التعليقات التي أصدرها مجموعة من النشطاء على صفحات "فايسبوك"، على خلفية إدانة المعتقل جمال ولد عبد النبي بعشرين سنة سجنا نافذا في قضية أحداث إمزورن التي وقعت في 26 مارس 2017، والتي طالبوا فيها بتخفيف هذه العقوبة بعدما اعتبروها قاسية، في وقت كان فيه لرجال منتمين إلى سلك القانون والقضاء موقف آخر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعدما شددوا على مشروعية الحكم وملاءمته للأفعال الإجرامية المرتكبة.