تشتهر مدينة قلعة مكونة، الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب، بتنوع العادات والتقاليد التي توارثها الآباء عن الأجداد عبر قرون، ومن بينها زي "الجلابة والبلغة"، "اقراب" بالنسبة للرجال و"تشتاط" مطرزة ب "موزون" "والشربيل"، وهو ما يعده أهل المنطقة لباسا ملكيا للمرأة في قلعة مكونة ونواحيها. ولا تزال مدينة قلعة مكونة، أو ما يسمونها بالأمازيغية "تيغرمت نيمكون"، متمسكة بفنونها وعاداتها القديمة. فما زالت "تشتاط" تمثل هوية نساء المنطقة؛ فهي الزي التقليدي الذي ترتديه المرأة ويميزها عن غيرها، وتتميز هذه "اللبسة" بتفصيلاتها الخاصة التي تطفي عليها نوعا من التميز عن باقي الألبسة النسائية، وتجعل كل من لبستها أميرة. لا يمكن للمرأة بقلعة مكونة ونواحيها أن تتصور نفسها يوم العيد، أو في مناسبة أخرى، دون لباس "تشتاط"، التي غالبا ما تكون مطرزة بأنواع مختلفة من أشكال وألوان زاهية، تجعل منها قطعة جاهزة تضفي على مرتديتها الجمال وتجذب إليها الأنظار عوض أن تردها عنها. تقول حليمة اسافو إن "المرأة القلعاوية تحرص على ارتداء تشتاط في كل المناسبات العائلية المختلفة. النساء هنا بقلعة مكونة وبومالن دادس لا يمكنهن الاستغناء عن هذه اللبسة المميزة، رغم غلاء سعرها"، موضحة أن صانعي هذه الألبسة يتفنون في تقديم الجديد المميز مع الحفاظ على روح "تشتاط" القديمة. تعد "تشتاط" القلعوية أحد أجمل الملابس التقليدية المغربية إن لم تكن أجملها على الإطلاق، وتشبه ملابس الأميرات حتى أصبح الكثيرون يلقبون كل من تلبسها ب"أميرة الورد"، وهي تتكون من قطع ثوب من النوع الجيد وتاج مخطوطي مطرز، وقد أطلق عليه هذا الوصف العامي المحلي نسبة إلى مجموعة من الأشكال المطرزة التي تزين جبين المرأة القلعاوية، وترتديه في العيد، ثم تحتفظ به لارتدائه في مختلف المناسبات والأفراح. حجاب اجتماعي تتميز تشتاط المحلية بلونها الأسود وثوبها الرخيص. ورغم أن الموضة العالمية تزحف على مميزاتها وتحاول جاهدة جعلها في ألوان أكثر تنوعا وفي أثواب راقية، غير أن الإقبال يكثر على تشتاط بمميزاتها التي توارثتها الفتاة عن أمها، حتى إن المرأة المحلية قد تكون محط الشكوك الاجتماعية عند تعنتها في عدم ارتداء "تشتاط" أو استبدالها بأثواب أو ألوان مختلفة. وتعد "تشتاط" رمزا للعفة والهوية. وإذا كان أهل المنطقة يعتبرونها كذلك، ففي واقع الأمر لا يمكن اعتبار "تشتاط" حجابا أو غطاء للتستر، لكونها رداء شفاف غير ساتر، بقدر ما هي تعبير عن تقليد عريق وهوية متأصلة. وفي هذا الصدد، يقول مصطفى ملو، باحث في التراث المحلي، "بمجرد ما تقع عينك مباشرة أو على شاشة التلفاز على امرأة بهذا الزي، ستكتشف أنها من واحة مكون أو دادس. فتشتاط بذلك عبارة عن بطاقة تعريف للمكونيات والدادسيات". وأضاف ملو، في حديثه لهسبريس، أنه "بعدما كانت تشتاط رمزا للعفة والطهر في ثقافة مجتمع امكون وايت دادس، أصبحت اليوم عبارة عن موضة تقبل عليها المتزوجات وغير المتزوجات والقادمات من مدن أخرى؛ فبدأت تظهر ألوان أخرى وإن بشكل ضئيل، كالأحمر والأزرق، وتحولت إلى موضة أقرب إلى عرض أزياء". حماية من الأوساخ يعتبر اللون الأسود أحد أركان "تشتاط"، وتتناقل الروايات المحلية أسباب اعتماد المرأة المحلية لهذا اللون دون غيره بأن قدرة هذا اللون على مقاومة الأوساخ وتحمله لحرارة الصيف وبرودة الشتاء عوامل جعلت منه أنسب اختيار. كما أن هناك روايات دينية مختلفة تربط هذا اللون بالحزن، غير أن العوامل التقنية للثوب ومقاومته لتغيرات المناخ تظل أكثر الأسباب واقعية. وهذا ما يؤكده الباحث في التراث المحلي مصطفى ملو، الذي قال إن "اعتماد اللون الأسود مرده، حسب الروايات الشفوية للنساء المكونيات، إلى قدرة هذا اللون على تحمل الأوساخ والغبار والأتربة، خاصة إذا علمنا أن تشتاط تلبس خارج البيت حيث أشغال الحقل وجمع الحطب"، وأضاف: "إذا كان اللون الأسود هو السائد في الأيام العادية، فإن اللون الأبيض يحل محله في الأعراس والمناسبات مثل الأعياد، حيث يرمز إلى الفرح والطهارة والعفاف". ضد "العين" في واحة مكون يجد المرء أن هذه المعايير تختلف، فإذا كان ارتداء تشتاط إجباريا بالنسبة للمتزوجات، حتى إن رجال قلعة مكونة قديما كانوا ينظرون إلى المرأة التي تخرج بدونها كأنها عارية تماما، فإنه في المقابل كان اختياريا بالنسبة لغير المتزوجات، مما يعني أن "تشتاط" لم تكن مقياسا لتمييز المتزوجة عن غيرها، مادام من حق العازبة ارتداؤه أيضا؛ لذلك فقد وضع أهل منطقة قلعة مكونة ونواحيها معايير أخرى للتفريق بين المتزوجة والعازبة، أهمها الكحل. فالأولى، أي المتزوجة، هي التي يحق لها وضعه، سواء في المناسبات أو في الأيام العادية، أما الثانية (العازبة) فوضعه يعني أنها سافرة ومتبرجة ولا تصلح للزواج. وإلى جانب الكحل يعتبر وضع الحناء للأرجل مقياسا للتفريق بينهما، وينطبق عليه نفس ما ينطبق على الكحل (ممنوع وعيب على العازبة، مسموح به للمتزوجة). نصيب الرجال الرجال بدورهم لهم ألبسة خاصة يلبسونها في الأعياد والمناسبات. فإذا كان القاطنون في المدن يفضلون لباس "العصري" و"جبادورات"، فإن أهل البوادي والمناطق شبه القروية، منها قلعة مكونة، يفضلون اللباس التقليدي، ك"الجلابة والرزة والبلغة". "الجلابة" تتميز لدى أهل قلعة مكونة، كغيرهم من سكان الجنوب الشرقي، بكونها لباسا طويلا فضفاضا ذا أكمام طويلة، وعادة ما ترفق بغطاء للرأس يسمى محليا "الرزة"، أو بالطربوش الأحمر، المعروف بالطربوش المخزني. ويلبس الرجل "البلغة"، عوضا عن الحذاء، عند ارتداء الجلابة.