اهتز الرأي العام إثر تداول شريط على مواقع التواصل الاجتماعي، يوثق لواقعة هتك عرض فتاة تعاني من تأخر ذهني على متن حافلة للنقل الحضري بمدينة الدارالبيضاء. كما عبر كثير من المواطنين عن غضبهم وشجبهم وامتعاضهم من هذا التصرف الإجرامي والهمجي الغريب عن المجتمع المغربي، نظرا لأن المجرمين تفننوا في إذلال المجني عليها وتعريضها لأنواع الإهانة الجنسية من خلال لمس مناطق حساسة من جسدها، في محاولة لاغتصابها أو هتك عرضها، مع تصويرها بكاميرا جهاز الهاتف النقال وهي تستغيث. وهذا الحادث البشع يمكن مناقشته من عدة زوايا، قانونية واجتماعية وتربوية ونفسية، غير أننا سنقتصر في مقالنا هذا على الجانب القانوني . هل الحالة التي نحن بصددها تعتبر جريمة اغتصاب أم جريمة هتك عرض حتى يمكننا معرفة العقوبة الواجب إنزالها على الجناة، خاصة أن كثيرا من الناس لا يميزون بين الاعتداء الجنسي والاغتصاب وهتك العرض. 1- بالنسبة لجريمة الاغتصاب : الاغتصاب كما عرفه الفصل 486 من القانون الجنائي، هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من 5 إلى 10 سنوات. غير أنه إذا كان سن المجني عليها يقل عن ثماني عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة. ومن خلال ما تضمنه الفصل فإن مفهوم الاغتصاب يذهب إلى الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، وتكون فيه الأخيرة مكرهة على ذلك الفعل ومرغمة عليه. ولكي يتحقق الاغتصاب لا بد من توفر ركنيين أساسيين؛ الركن المادي والركن المعنوي. وينصب الركن المادي إلى وقوع الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، وعدم الرضا، أو الغصب؛ أي عدم قبول المرأة الاتصال الجنسي مع الجاني. أما الركن المعنوي فيقصد به النية الإجرامية للجاني التي انصرفت إلى مواقعة المرأة غصبا عنها، بإكراهها على إتيان ذلك الفعل أو استغلال ضعفها الجسمي أو العقلي. 2- بالنسبة لجريمة هتك العرض : هتك العرض هو فعل جنسي يرتكب على جسم من وقع عليه الفعل دون إرادته، وهي جريمة تنطوي على المساس بالشرف وحصانة الجسم. وقد تناول الفصل 484 من القانون الجنائي المغربي هتك عرض من لم يبلغ خمس عشر سنة ذكرا كان أم أنثى بغير عنف، وحدد عقوبته في سنتين إلى خمس سنوات. وأما الفصل 485 فتناول عقوبة جريمة هتك العرض بالقوة أو العنف، ونص على ما يلي: "يعاقب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف. غير أنه إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن 18 سنة أو كان عاجزا أو معاقا أو معروفا بضعف قواه العقلية، فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة". 3- خلاصات : بالنسبة للاغتصاب، لا تقع الجريمة إلا على أنثى ولا يمكن أن تتحقق بوقوعها على ذكر، لأن مضمونها إيلاج الرجل قضيبه في المكان المخصص للإيلاج لدى المرأة بالقوة ودون رضاها. أما في الحالة التي نحن بصددها فلم تتم مواقعة الفتاة من قبل الجناة، وبالتالي فإن تطبيق فصول جريمة الاغتصاب مستبعد فيها. أما هتك العرض فيمكن أن يتحقق على ذكر، ويمكن أن يتحقق على أنثى، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الفصل 485 من القانون الجنائي تطرق إلى "هتك العرض"، وأيضا "محاولة هتك العرض"، ولم يميز بينهما من حيث تطبيق العقوبة، فسواء حصل هتك العرض أو محاولة لهتكه تطبق العقوبة نفسها على الجاني. وعلى هذا الأساس فإن الجناة ارتكبوا محاولة لهتك العرض، تمثل في تمزيق ثياب الفتاة والشروع في لمس مناطق حساسة في جسمها، بدون رضاها، تهييئا لهتك عرضها، مع استعمال العنف لإخضاعها، هذا مع العلم أن المجني عليها تعاني من ضعف عقلي. لذلك تكون مقتضيات الفصل 485 من القانون الجنائي واجبة التطبيق، وتتراوح العقوبة بين 10 و20 سنة. ناهيك عن جريمة التشهير بهتك عرض الفتاة في مكان عمومي وتصويرها في وضعية مخلة للحياء، ما له انعكاس نفسي واجتماعي على الضحية وأسرتها والمجتمع برمته. كل هذه العوامل تبرر ظروف تشديد العقوبة، التي قد تصل إلى 20 سنة سجنا نافذا. هذا مع العلم أن جريمتي الاغتصاب وهتك العرض تعتبران جريمتين شنيعتين؛ وهما من أبشع أنواع العنف الممارس على النساء، وتشكلان مسا خطيرا بكرامتهن. هاتان الجريمتان لا تلحقان الأذى فقط بجسد المرأة، بل تخلفان اضطرابات نفسية وانعكاسات سيكولوجية تصاحب الضحية طول حياتها؛ ذلك أنه ليس من السهل محو آثار الاعتداء الجنسي على كل من كان عرضة له. ومن هذا المنطلق، يجب عدم التساهل والتسامح في مثل هذا النوع من الجرائم، بل أكثر من ذلك يجب على المشرع إعادة النظر في مقتضيات القانون الجنائي المتعلقة بجرائم الاغتصاب وهتك العرض، بهدف تشديد العقوبات بشأنها. *رئيس الائتلاف ضد الاعتداءات الجنسية على الأطفال