منذ خمسة أشهر والأسد يقتل شعبه، ولا يرى تناقضا بين اقتحام المدن والقرى بالدبابات في الليل، وبلاغة الخطاب على الإصلاح في الصباح. نظام البعث المقيت في سوريا هو نموذج للأنظمة التي نخرها الفساد والدكتاتورية، ولهذا فالأسد يعرف، أكثر من غيره، أن الإصلاح مستحيل، وأنه إذا أدخل نظامه إلى غرفة العلاج السياسي سيموت. ولهذا فهو يفضل أن يقتل الأطفال والنساء والشباب عوض أن يضحي بإرث الوالد الذي مات وترك الحكم في عهدة الابن والأقارب والطائفة التي لا ترى لها وجودا لأنها أقلية أمام الأغلبية السنية. رغم أن الثورة السورية كانت ومازالت سلمية وتعددية ومطالبها ديمقراطية، فإن النظام المخابراتي هناك واجهها بالدبابات والقصف العشوائي ورصاص القناصة من على الأسطح، بلا رحمة لا شفقة ولا إحساس بالمسؤولية. الآن سقط أكثر من 2000 شهيد في بلاد الشام، والعالم العربي يتفرج على الدم يسيل أنهارا في القنوات العربية، وحدها الدول الغربية تندد وتهدد وتتوعد. تركيا، التي أصبحت قوة إقليمية مهمة، حذرت الأسد، أكثر من مرة، من أنه يتجه إلى نقطة اللارجعة، ولم يسمع طبيب العيون سوى قادة مخابراته ورؤساء فرق الموت ورجال الأعمال الذين تحولوا إلى مافيات تستبيح اقتصاد البلاد وكرامة العباد. أمس استيقظ الضمير الإنساني لدى العاهل السعودي، الملك عبد الله، فاستدعى سفيره في دمشق للتشاور تعبيرا عن رفض المملكة لاستمرار شلالات الدم في التدفق في سوريا، وتبعت السعودية الكويت التي صنعت نفس الشيء، فيما جامعة الدول العربية مازالت تطمع في أن يعود الرشد إلى ماهر الأسد الذي يرجع إليه الفضل في تذكير العالم بمذبحة حماة سنة 1982 على يد الوالد حافظ الأسد. تطوع ماهر فأعاد تشغيل فيلم الرعب في حماة، ورجع ودك المدينة التي لم تنس قط 40 ألفا من شهدائها الذين قضوا تحت أرجل الجيش السوري «البطل» الذي قتل من أبناء وطنه ما لم يقتله من جنود إسرائيل التي مازالت تحتل هضبة الجولان منذ 1967، ومازال البعث «العظيم» يحررها كل يوم في صفحات جرائده الرسمية، وعلى منابر الخطابة «المتخشبة»، ووراء السيناريوهات المكتوبة باللغة العربية الفصحى للدراما الجميلة التي تخفي وجه نظام قبيح. أما في المغرب، فإن وزير خارجيتنا، الطيب الفاسي الفهري، مازال صامتا، ولا يعتبر أن ألم المغاربة وتعاطفهم مع إخوانهم في سوريا أمام مجازر الأسد يستحق رد فعل من قبل دبلوماسيته الإنجليزية التي تحتفظ بدمائها باردة في ثلاجة كبيرة في وزارة الخارجية. نعرف أن بلادنا انسحبت من الساحة العربية منذ سنوات، وما عادت لنا مكانة في خرائط كثيرة للعلاقات الدولية.. تحرك يا وزيرنا في الخارجية، إذا لم يكن لاعتبارات سياسية فعلى الأقل لاعتبارات إنسانية، واطلب من سفير البعث بالرباط مغادرة البلاد، واستدع سفيرنا في دمشق، وقل للنظام السوري إننا بلاد لا يشرفها أن تكون ل«بول بوت» العربي سفارة على أرضها.