اعتبر المركز المغربي لحقوق الإنسان ما يشهده المغرب حاليا ينذر بانهيار منظومة القيم الإنسانية في نفوس الشباب، "على نحو يوشك أن يصيب المجتمع بعطب قيمي وإنساني رهيب، حيث بات غالبيتهم ممزق الهوية ومنحلا عن القيم الإنسانية والأخلاقية، فضلا عن الدينية"، مرجعا ذلك إلى انكفاء الأسر المغربية عن مستلزمات تربية الأبناء، بسبب انشغالهم المرير بالبحث عن لقمة العيش، فضلا عن السقوط في نزاعات تفضي إلى التفكك الأسري، بالنسبة إلى فئات عريضة مهمشة أو معدمة. وشدد المركز على أن من أسباب انهيار منظومة القيم الإنسانية اضمحلال الدور التربوي والأخلاقي للمدرسة العمومية، "في وقت باتت تشكل محورا أساسيا في تكوين شخصية المواطن في الدول الديمقراطية"، زيادة على انتشار وسائل الإصابة بالإدمان، وتهييج غرائز اليافعين، عبر شبكات التواصل الافتراضي، والتباهي بالممارسات اللاأخلاقية، وتمييع العلاقات الإنسانية، داخل الأسرة وخارجها. المركز الحقوقي أكد، في بلاغ له تفاعلا من محاولة اغتصاب "فتاة الحافلة" وتصاعد حدة الجريمة في المغرب، "ضعف الرادع القانوني في الحد من الاختلالات الاجتماعية الخطيرة، والتي ترى طريقها نحو المؤسسات الأمنية والقضائية، بسبب ممارسات فاسدة وغلبة المال والنفوذ والشطط، بما يفضي بالنهاية إلى الإفلات من العقاب، مما شجع تباعا على انفراط الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني في نفوس المعتدين، مساهم رئيس في الحالة العامة للبلد"، وفق تعبير الوثيقة. وأضاف المصدر مواصلا التشخيص: "إضافة لتشجيع رسمي مكشوف للإعلام التافه، تصرف عليه ميزانيات ضخمة من الأموال العمومية، وغايته إفراغ الأجيال الصاعدة من انتمائهم الهوياتي، من خلال تحريك الغرائز بدل العقول، وتنمية أفاعيل الغش والخداع والخيانة، وثقافة الشوفينية في عقولهم، بدل قيم المبادئ والأمانة وروح الانضباط". وأكد المركز المغربي لحقوق الإنسان أن ما تشهده شوارع وأزقة ومسالك مدن وقرى المغرب، وما تعرفه وسائل النقل العمومية، وأحيانا داخل بيوت آمنة، من اعتداء على المواطنين، ظاهرة مسترسلة خطيرة، وليست حالات معزولة، و"لعل بعض المدن، كالدار البيضاء وفاس وطنجة، باتت مسرحا لاعتداءات متكررة على مواطنين ومواطنات في واضحة النهار، دون أن تتمكن الجهات الأمنية المختصة من ضبط الوضع، لأسباب موضوعية، وأخرى ذاتية". التنظيم اعتبر أن تفاعل الرأي العام مع حادثة "فتاة الحافلة" غير كاف، ومثير للاستغراب، "حيث رغم أن الجريمة المرتكبة في حق الفتاة ثابتة وتستلزم إنزال العقوبة بأولئك المجرمين، فإن المغرب قد شهد ولا يزال حالات لاعتداءات إجرامية بشعة، لم تنل الاهتمام والضغط اللازمين، لفرض تغيير للقوانين ولسلوك المؤسسات في ضبط الوضع؛ كحالة اغتصاب خديجة بمدينة ابن جرير من لدن وحوش آدمية، وإطلاق سراحهم من قبل القضاء، مما دفعها إلى الانتحار؛ وحالة الطفلة فاطمة الزهراء من مدينة تيفلت، التي تعرضت للاختطاف والاغتصاب، قبل أن يجهز عليها الجاني ليرديها قتيلة، بعد أن أشبع غريزته البهائمية في جسد طفلة بريئة". وبعد استعراض حالات أخرى، شدد المركز على أن وضع العطالة في صفوف الشباب وغياب محفزات التحصيل واستثمار الطاقة وانعدام الآفاق كلها عوامل أدت إلى انتشار مظاهر الإدمان في صفوفهم، و"جعلهم ضحية الضياع، الذي أسقط بعضهم تلقائيا في عالم الإجرام، وباتوا خطرا على أنفسهم وعلى المجتمع برمته، مما يدفع إلى التساؤل عن السبب من وراء ذلك، ولخدمة من هذه السياسة المدمرة لمستقبل المغرب". وفي هذا السياق، حمّل المركز الحقوقي المسؤولية إلى "السياسات العمومية غير الديمقراطية، التي أدت تداعياتها إلى انهيار وشيك لمنظومة القيم الإنسانية في المجتمع، وفي صفوف الشباب على وجه التحديد"، مطالبا الدولة المغربية بمراجعة مقاربتها في تدبير الخدمات الاجتماعية، والبنى التحتية، المرتبطة بالحقوق الأساسية، كالتعليم البناء والصحة للجميع والتشغيل للجميع وبالاستحقاق، وإيلاء الجانب الاجتماعي والرعاية التربوية، "ما يجب من أجل النهوض بقيم المجتمع، بدل التنصل منها، بدعوى العبء المالي الذي تتحمله الدولة، مما سيتسبب في تدميرها تدريجيا". وفي رسالة موجهة إلى الأحزاب السياسية وإلى المجتمع المدني، طالبها المركز بالاضطلاع بمهامها المجتمعية، من خلال العمل على إدماج الشباب في برامجها وتمكينهم من الفعل والمبادرة، داخل هياكلها، ووضع مخطط اجتماعي وطني لإدماج الشباب، خاصة من الأسر المعوزة والمعدمين، في أنشطة وبرامج للتنافس العلمي والرياضي والثقافي، وتحفيز روح الابتكار والإبداع في نفوسهم، بما يمكن من استثمار مواهبهم، "التي تذهب سدى بفعل الضياع والتشرد، وبما يمكن من غرس قيم الإنسانية وروح المواطنة في نفوسهم، بغية إنقاذ مستقبل المغرب من عواقب قد لا تحمد عقباها".