يخوض المغرب غمار خامس محاولاته الظفر بشرف استضافة مونديال كرة القدم. أولى المحاولات تمت في العام 1987 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني الذي أراد حينها استثمار حالة الانتشاء التي عمت البلاد عقب الظهور المشرف للمنتخب الوطني في مونديال مكسيكو 1986، مستهدفا من تقديم الترشيح تحقيق دعاية واسعة للمغرب. الحسن الثاني والفيفا والحقيقة أن جزءا كبيرا من المغاربة قبل غيرهم لم يؤمنوا بتنافسية بلادهم وقدرتها على استضافة هذه التظاهرة الكبيرة، فلم يكن هنالك إلا ملعبان يحتاجان إلى ترميمات ضخمة، مع نقص حاد في البنيات التحتية التي تحتاجها مثل هذه التظاهرات، إلا أن عقيدة الملك الراحل الحسن الثاني حينها كانت تذهب إلى أن المغرب قادر على رفع هذا الرهان الضخم.. "امنحونا التنظيم وسنتدبر التمويل اللازم لنكون جاهزين في الموعد" مخاطبا جو هافلانج، رئيس الفيفا. ولم يكن المغرب يوما أقرب إلى تنظيم المونديال من تلك المحاولة الأولى، فأمام الضعف البين للملف البرازيلي، لم يكن هنالك سوى منافس رئيسي وحيد هو الولاياتالمتحدة الأمريكية، وكثير من الأعضاء في اللجنة التنفيذية للفيفا لم يكونوا متحمسين لمنح شرف التنظيم إلى دولة تأتي فيها كرة القدم في مؤخرة طابور الرياضات الشعبية بعد البيزبول وكرة السلة وألعاب القوى وغيرها. لكن إستراتجية جو هافلانج حينها كانت تنظر إلى المكسب المادي لإمبراطورية الفيفا، فقد رأى في منح التنظيم للولايات المتحدة الأمريكية الفرصة السانحة لزيادة شعبية اللعبة في هذا البلد العملاق بإمكانياته الكبيرة وفضائه التسويقي الضخم، الأمر الذي رجح كفة الولاياتالمتحدة الأمريكية التي فازت ب10 أصوات مقابل 7 للمغرب وصوتين للبرازيل. سنة 1991 عاود المغرب ترشحه أمام بلدين أوربيين هذه المرة، هما فرنساوسويسرا. كان ضعف الترشيح المغربي بينا؛ فبعد أربع سنوات من زيارتها الأولى برسم الترشيح الأول، وجدت لجنة التقييم التابعة للفيفا الوضع نفسه في الميدان.. ملعبان اثنان بطاقة استيعابية تستجيب للمعايير لكنهما يحتاجان إلى تجديدات كبيرة، وملاعب على المجسمات maquettes فقط، وبنيات استقبال دون المعايير المتطلبة.. انسحبت سويسرا وبقي الصراع محتدما بين المغرب وفرنسا التي حسمت الاستضافة ب12 صوتا مقابل 7 أصوات للمغرب، موسعة الفارق مع الترشيح الأول بخمسة أصوات. خيبة أمل في 2002 لم يتقدم المغرب بترشيحه لانصراف نية الفيفا إلى منح شرف التنظيم للقارة الأسيوية لأول مرة، لكنه عاد في 1999 لتقديم ترشيحه مرة أخرى لاستضافة نسخة 2006 أمام ثلاثة ملفات قوية لألمانيا وانجلترا وجنوب إفريقيا، لم تتغير المعطيات التقنية للملف المغربي كثيرا مقارنة بالترشيحين السابقين، فكان أن حصل الترشيح المغربي على أسوأ نتائجه، إذ لم يحز إلا على صوتين في الدور الأول ليخرج من التنافس الذي حسمته ألمانيا في الدور الثالث ب12 صوتا مقابل 11 لجنوب إفريقيا. حمل الخروج المشرف لجنوب إفريقيا وملابسات حسم ألمانيا لشرف التنظيم متغيرا هاما، هو وعد جوزيف بلاتير، رئيس الفيفا، جنوب إفريقيا باستضافة النسخة المقبلة التي ستخصص لإفريقيا في نطاق سياسة تناوب القارات. الوعد سيساهم إلى جانب تأثير الشركات متعددة الجنسيات ذات المنشأ الانجلسكسوني، وأقداح النبيذ التي حصل عليها بعض الأعضاء المعروفين في اللجنة التنفيذية للفيفا بالمتاجرة بأصواتهم في حسم النزال للقوة الاقتصادية الأولى في القارة ب14 صوتا مقابل 10 للمغرب. ورغم ذلك شهد المتتبعون بقوة الملف المغربي مقارنة بكل سابقيه، فبجانب الإرادة الملكية التي توخت اتخاذ المونديال دعاية للنموذج التنموي الذي يقوده الملك، والالتزام المالي للحكومة المغربية بتخصيص الاعتمادات اللازمة، عرفت البنيات التحتية تحسنا كبيرا في جميع المجالات، وحتى الملاعب التي كانت مجرد مجسمات في الترشيحات السابقة، أصبحت حقيقة على الأرض مع جاهزية ملعب فاس وانطلاق أوراش ملعبي طنجةوأكادير. الترشيح الخامس على أبواب غمار الترشيح الخامس، تغيرت معطيات عدة، فمن الناحية المسطرية لن يختار البلد أو البلدان التي ستحظى بشرف تنظيم نسخة 2026 أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا كما جرت العادة، فقد أفضت الشكوك التي لازمت منح دورتي 2018 و2022 لروسياوقطر إلى ضرورة تغيير طريقة التصويت، وصار لزاما على البلد المرشح أن يقنع ممثلي 211 جامعة واتحادا كرويا منضوية تحت لواء الفيفا، لأنها هي التي ستصوت على اختيار البلد المنظم في الجمع العام للفيفا. وأصبح مفروضا على المرشحين أن يخوضوا مارطونا دبلوماسيا طويلا لإقناع جميع الاتحادات الكروية في العالم، لأن التصويت أصبح شأنا يهم الدول، ولم يعد حلقة ضيقة قاصرة على ممثلي الاتحادات القارية الرئيسية؛ ما يعني أن تأثير رئيس الفيفا وإمبراطوريته وعامل الرشوة لن يكونا المحدد الرئيسي في الترجيح كما في الإسنادات السابقة، ولكن التصويت ستتحكم فيه التحالفات والمصالح الاقتصادية والشراكات بين دولية. إذا تجاوزنا عائق المسطرة، يواجه المغرب مستجدا صعبا يتمثل فيما تم إقراره أخيرا من طرف الفيفا باقتراح من رئيسها جياني إنفانتينو، باعتماد مونديال من 48 فريقا مقسمة على 16 مجموعة من ثلاث فرق ابتداء من دورة 2026، والداعي لهذا التوسيع معلوم، وهو الرغبة في زيادة حقوق النقل التلفزي وعوائد الإشهار بزيادة عدد المباريات، بجانب الاستجابة للطلبات المتزايدة على التنظيم عن طريق تشجيع التنظيم المشترك الثنائي والثلاثي بين الدول. ويعلم المتتبعون أن المغرب كان بإمكانه تنظيم مونديال ناجح ب24 فريقا، وكان سيجد صعوبة أكبر في تنظيم مونديال من 32 فريقا، لكن تنظيم كأس من 48 فريقا يجعل المهمة أصعب وتفوق بكثير إمكانيات دولة واحدة، إذا علمنا أن استضافة 80 مباراة في شهر من الزمن يحتاج إلى حظيرة من الملاعب لا يمكن في أسوأ الحالات أن تنزل بتقديرات الفيفا نفسها عن 12 ملعبا كحد أدنى؛ أي إن المغرب يحتاج على الأقل إلى 12 مدينة جاهزة لاستقبال التظاهرة ببنيات تحتية عالية، وبنيات إيواء معتبرة توفر ما بين 25 و30 ألف سرير بمواصفات سياحية على الأقل، وهو ما لا يتأتى حاليا إلا لمدينتين هما مراكشوأكادير. والتنظيم نفسه لا يتوقف على التجهيزات الرياضية والإيواء وحدهما، وإنما يرتكز أيضا على الجوانب اللوجيستيكية، ومنها الاتصالات وسهولة تنقل الجماهير. على سبيل المثال وفي مونديال 2006، أنفقت ألمانيا، وهي القوة الاقتصادية الرابعة عالميا، على تحديث خطوط مواصلاتها أربعة ملايير أورو خارج ميزانية التنظيم، فكم يلزم المغرب في هذا المجال وفي غيره؟. ميزانية تنظيم المونديال إن ميزانية تنظيم مونديال كرة القدم هي قطب الرحى، وتعرف ارتفاعا صاروخيا من دورة إلى أخرى، ففي مونديال 1998 أنفقت فرنسا 360 مليون أورو، وفي مونديال 2006 حملت ألمانيا الرقم إلى 430 مليون أورو، الرقم ارتفع في جنوب إفريقيا 2010 إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايير أورو؛ ثم استقر في مونديال البرازيل 2014 في حدود 13 مليار أورو. وتشير التوقعات إلى أن مونديال روسيا 2018 سيكلف 21 مليار أورو. وأعلنت قطر استعدادها لرصد 200 مليار أورو لإنجاح دورة 2022، وهو مبلغ بمقدوره أن يكفي العالم أجمع آفة المجاعة لمدة سبع سنين. ولقد قادت هذه الأرقام الفلكية كثيرا من المتتبعين عبر العالم إلى التساؤل عن الجدوى الاقتصادية من التنظيم بالنسبة للدول؛ فمنذ أن أعلنت إسبانيا الخسائر التي تكبدتها من جراء تنظيمها لمونديال 1982، لم يثبت أن حققت دولة مستضيفة أرباحا من التنظيم. وتعود هذه الظاهرة إلى أن التنظيم ينهض بالانفاق العمومي وحده دون مساهمة وازنة من القطاع الخاص، ما يرهق ميزانيات الدول ويلقي بأعباء ثقيلة على دافعي الضرائب، لهذا السبب جوبه المونديال الأخير بالبرازيل بمعارضة من فئات واسعة من الشعب البرازيلي التي رأت في القطاعات الاجتماعية الأحق بالاستثمارات الضخمة التي وجهت لتنظيم التظاهرة العالمية. والحقيقة أن الدول المستضيفة بحكوماتها المركزية وجماعاتها المحلية هي التي تتحمل عبء التنظيم. وتشير التقارير الرسمية البرازيلية إلى أن المدن التي استضافت المباريات ارتفعت مديونياتها بنسبة 51 % مقارنة بنظيرتها من المدن التي لم تستضف المباريات. من حيث هيكلة التنظيم، تعهد الفيفا بالتنظيم للجنة محلية تسمى اللجنة المنظمة للمونديال، عادة ما ترتبط بالاتحاد الكروي الوطني، وميزانيتها تبقى محدودة بالنظر إلى الكلفة الإجمالية للتنظيم، ومهامها لوجيستيكية محضة تقتصر على تنسيق جهود التنظيم وتدبير بيع التذاكر وتوظيف السواعد وتولي تسيير التنظيم. أما تجهيز البلد لاستقبال التظاهرة فيبقى من مهام الحكومة المحلية. وحدها الفيفا تخرج من كل دورة باعتبارها الكاسب الأكبر، فحسب دفتر تحملات استضافة المونديال لا يمكن للبلد المنظم أن يفرض على الفيفا وهيئاتها وشركائها أي رسوم أو ضرائب بمناسبة كأس العالم، ما تترتب عنه خسائر جبائية للبلدان المنظمة تقدر بملايين الدولارات، تذهب لجيوب الفيفا خالصة من الضرائب، في حين أن المنطق الاقتصادي يفرض أن تٌضخ في ميزانيات الدول المستضيفة. وتمثيلا لهذه الوضعية بلغت أرباح مونديال جنوب إفريقيا 2010 3.5 مليارات دولار، ذهبت منها 2 مليار دولار إلى حسابات الفيفا.. وضع يعيدنا إلى سؤال الجدوى الاقتصادية من استضافة ثاني أكبر تظاهرة على الكرة الأرضية بعد الألعاب الأولمبية الصيفية؟ تأثيرات اقتصادية تساءل كثيرون عن تأثير تنظيم المونديال على نسب النمو في الدول المستضيفة. ولقد أفضى استقراء تجارب الدول المضيفة منذ إسبانيا 1982 حتى البرازيل 2014 إلى ملاحظة ضآلة تأثير استقبال المونديال على النمو الاقتصادي بالبلد المستقبل، وحتى إذا قاربنا التنظيم من منظور القطاعات الاقتصادية، نجد أن قطاعين اقتصاديين فقط ينتعشان بمناسبة المونديال؛ هما قطاع البناء والأشغال العمومية في مرحلة الإعداد وقطاع السياحة خلال الدورة التي لا يتعدى حيزها الزمني 32 يوما. وحين تنصرم فترة الإعداد يفقد قطاع الأشغال مناصب الشغل التي استحدثها التظاهرة، وحتى الانتعاش السياحي يبقى محدودا، إذ إن عدد الوافدين خلال دورتي جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014 جاء بعيدا عن التوقعات التي سطرها البلدان المستقبلان. ينقسم الإنفاق الموجه لتنظيم كأس العالم إلى قسمين؛ إنفاق موجه لبناء الملاعب والتجهيزات الرياضية، وإنفاق موجه للبنيات التحتية الأساسية المساعدة على حسن استقبال التظاهرة. ويستغرق القسم الأول جزءا مهما من ميزانية التنظيم، لكنه بات يندرج ضمن الاستثمار غير المنتج. فإذا كان المونديال يتطلب حدا أدنى من الملاعب بمواصفات معينة تحددها دفاتر التحملات، فإن بناء الملاعب مكلف من جهة، وتشير التقديرات إلى أنه يعرف تزايدا مضطردا من دورة لأخرى، فقد بلغت تكاليف تشييد الكرسي الواحد في ملعب كرة القدم 3380 دولارا في ألمانيا 2006، وارتفع الرقم إلى 3640 بجنوب إفريقيا 2010 ثم إلى 6230 دولارا بالبرازيل 2014. ولو منح المغرب شرف التنظيم فيتوقع أن تقارب تكلفة الملعب الكبير للدار البيضاء المليار دولار بمقاييس التكلفة في 2026. ومن جهة ثانية يصعب في كثير من الحالات تحقيق مردودية متناسبة مع قيمة الاستثمار في بعض الملاعب بعد انتهاء المونديال، تكفي فقط الإشارة إلى أن ملاعب جنوب إفريقيا المشيدة أو الموسعة بمناسبة المونديال لم تستطع أن تحقق بعد انتهاء المنافسات سوى نسبة ملء تراوحت مابين 5 إلى 10 % من طاقتها الاستيعابية، وبعيد مونديال البرازيل 2014 كلفت أربع ملاعب مبالغ طائلة، لكنها سميت بالقلاع الفارغة بعد انتهاء المنافسات لكون الفرق المحلية التي تلعب فيها تزاول في القسم الثاني أو ما دونه، ولا تستطيع أن تحقق نسبة ملء معتبرة مقارنة مع ضخامة الاستثمار في بناء هذه الملاعب. وهناك حالات تم فيها تفكيك الملاعب بعد انتهاء الدورة كما في دورة أمريكا 1994. وأعلنت قطر أنها ستفكك الملاعب التي ستستحث بمناسبة دورة 2022 لانتفاء حاجاتها إلى هذه المنشآت الضخمة بعد المونديال. ورغم ارتفاع كلفة إعداد الملاعب، فإن القسم الأكبر من ميزانية المونديال تذهب للبنيات التحتية الأساسية. وثمة قاعدة أضحت ثابتة في الدورات السابقة، وهي أن كلفة التنظيم تكون أقل في الدول المتقدمة لتوفرها على البنيات التحتية الأساسية (الولاياتالمتحدة الأمريكية، فرنسا، ألمانيا)، بينما ترتفع التكلفة بالنسبة للدول النامية (جنوب إفريقيا والبرازيل) لحاجتها لاستثمارات ضخمة في البنيات التحتية؛ على أن الإيجابي في هذا القسم من ميزانية التنظيم أن الاستثمار في البنيات التحتية لا يذهب هباء، لأن البلد يستفيد من البنيات التي يخلفها المونديال. المغرب والبنيات التحتية وعلى عكس الشائع لدى غالبية الناس من أن تنظيم المونديال هو مجرد إعداد الملاعب والتجهيزات الرياضية، تركز لجان التقويم التابعة للفيفا على مؤشرات متصلة بالبنيات التحتية، ومنها شبكة الاتصالات من هاتف وإنترنيت وجاهزية البلد لاستقبال العالم لمدة 32 يوما، وبنيات الإيواء السياحية من فنادق وأسرة، ثم شبكة المواصلات من مطارات وخطوط للسكك الحديدية ونقل طرقي مع تركيز على النقل الحضري وسهولة تنقل المشجعين ورجال الإعلام بسلاسة داخل المدن المستقبلة للمباريات، دون إغفال الأمن وبنيات التطبيب، والمطعمة وغيرها من وسائل الراحة. ومن الطرائف أن إحدى اللجان التقنية سألت بمناسبة إحدى الترشيحات السابقة عن توفر المغرب على مراحيض عمومية في المدن المرشحة لاستضافة التظاهرة. وينبغي الاعتراف بأن المغرب حقق تقدما ملموسا في كثير من البنيات التحتية الأساسية مقارنة بما كانت عليه في ترشيحاته السابقة، لكن ينبغي أيضا ألا نغض الطرف عن خصاص ونقط ضعف مجموعة من البنيات التحتية الأساسية، كالملاعب (باستثناء طنجةومراكشوأكادير)، ثم ضعف الطاقة الإيوائية من الأسرة السياحية في كثير من المدن المرشحة لاستقبال المباريات (باستثناء مراكشوأكادير)، وعدم قدرة شبكات النقل الحضري على ضمان تنقل سلسل لآلالف المشجعين والمهنيين. ولن نكون عدميين بالنسبة للأمن والتطبيب، لأن المغرب قادر على كسب الرهان بالنسبة للمؤشر الأول، أما الثاني فلن يتعرض لضغط كبير لأن كل الضيوف لن يتعرضوا لإصابات أو وعكات صحية أثناء التظاهرة إلا ما ندر. ولفرض نيل شرف التنظيم، يتوقع العارفون ببواطن تنظيم هذه التظاهرة العالمية الضخمة أن يحتاج المغرب إلى استثمار ضخم لا يمكن أن يقل في كل الحالات عن حجم مديونيته الخارجية الحالية في أضعف الحالات بمقاييس التكلفة المتوقعة في 2026، وهي تضحية بالغة في بلد يعاني من محدودية موارده المالية وعجز مرتفع في ميزانيته العامة، وانتظارات اجتماعية مرتفعة في سقفها. وحتى لا نعدم المغرب إمكانياته، يحتاج مونديال من 48 فريقا مقسمة على 16 مجموعة بواقع 80 مباراة في 32 يوما إلى 12 ملعبا على الأقل بمعايير وتقديرات الفيفا، أي إلى 12 مدينة جاهزة لاستقبال المونديال. ويتوفر المغرب حاليا على ست مدن فقط جاهزة لاستقبال المونديال هي الدارالبيضاء، الرباط، طنجة، مراكش، فاس ثم أكادير، بمعنى أن المغرب ملزم بأن يؤهل ست مدن أخرى من مدنه من جميع النواحي، قد تكون تطوان، وجدة، مكناس، الجديدة، سطات ثم القنيطرة أو العيون. من المبررات التي دافع الرئيس الجديد للفيفا جياني إنفانتينو أثناء طرحه لنظام 48 فريقا الرغبة في الاستجابة للطلب المتزايد على التنظيم بتشجيع التنظيم المشترك بين الدول، وثقل الصيغة الجديدة من المونديال وصعوبة تنظيمها من طرف دولة واحدة هي التي منعت كثيرا من الدول من تقديم ترشيحاتها، وهي التي جعلت ثلاث دول كبرى في أمريكا الشمالية تلتئم في نطاق ترشيح ثلاثي مشترك. ولهذا الاعتبار أيضا رأى كثير من المتتبعين أنه كان الأفضل للمغرب أن يقدم ترشيحه بشكل مشترك مع دولة أو دولتين. ولقد دار في الكواليس أن المغرب حاول أن يقدم ترشيحا مشتركا مع جارتيه الإيبيريتين إسبانيا والبرتغال، إلا أن هذه الصيغة رفضتها الفيفا لالتزامها بالتناوب بين القارات. وشاع في الكواليس اقتراح نقل مباريات بعض المجموعات في الدور الأول إلى إسبانيا. كما تردد بكثرة اقتراح المغرب لتنظيم مشترك على بعض شركائه الأفارقة ككوت ديفوار ونيجيريا، لكن أي بلد إفريقي لم يتحمس لفكرة التنظيم المشترك لغياب الاعتمادات المالية. ويرى كثير من المحللين أن الأمثل كان أن يتقدم المغرب بتنظيم مشترك مع الجزائر وتونس، لكن خطوة مثل هذه ذهبت كما ذهبت كثير من المشاريع الواعدة التي دفعت ضريبة إفشال البناء المغاربي. ترشيحات ملكين نستطيع القول إن ترشيحات الملك الحسن الثاني كانت مجرد محاولات ينقصها الإصرار، لكن ميزة ترشيحات الملك محمد السادس استنادها إلى إرادة صلبة في الحظوة بشرف التنظيم بغية تسويق الزعامة الإقليمية والقارية للمغرب ووضعه كبلد نام في كامل تطوره الاقتصادي والحضاري. وبين الترشيح الأول والترشيح الخامس تغير وجه المغرب كثيرا، لكن الحجم الذي سيصير عليه مونديال 2026 من حيث عدد الفرق وتكلفة التهييء، لا شك سيصعب مهمة المغرب مقارنة بمحاولاته الأربعة السابقة، فهل سيكون مآل الترشيح الحالي نفس سابقيه أم أن الخامسة ستكون هذه المرة ثابتة؟ ويظل التساؤل العميق الذي ينبغي أن نطرحه جميعنا هو هل للمونديال جدوى اقتصادية لبلادنا أم أنه مجرد خضر فوق الطعام بالتعبير المغربي الدارج؟ فالبعض يجزم بأن كثيرا من الدول المستضيفة لو أعاد الزمان عجلته إلى الوراء لما تهافتت على تنظيم مونديال مكلف لا يعود بكبير منفعة على مستضيفه. والحقيقة أن هذه التظاهرة الكبيرة ينطبق عليها مثل مغربي آخر يقول "عرس ليلة تدبيرو عام". والعرس نفسه قد يكون آفة عندما يتكلف العريس فوق طاقته، فيبرز بالتعبير المغربي الدارج في ليلته، ليرهن بعدها مستقبله ووضعه المالي لسنوات لاحقة.