استقالة الياس العمري من الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة قرار شجاع ينسجم مع قناعاته الشخصية التي عبّر عنها في الكثير من المناسبات. وهي سابقة أولى من نوعها في ترك الزعماء السياسيين للكرسي. قرار ترك الرجل للكرسي بإرادته سيسجله التاريخ السياسي للمغرب. تعرض الرجل للكثير من الهزات، ورغم تدبيره لمرحلة جد صعبة ورغم تحقيقه لنتائج مبهرة للحزب وفوزه، مارس نقدا ذاتيا وقال إن برلمانيين ومنتخبين خذلوه... ليعلن بعدها الانسحاب من قيادة الحزب بإرادته. استقالة الأمين العام مثال القدوة في العمل والتضحية، وفي الالتزام والتجرد، وفي تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وفي حب الوطن. ونموذج لممارسة السياسة بشكل مغاير. أكيد أن الصدمة كانت قوية، واستقالة الأمين العام حدث مفصلي في مسار الأصالة والمعاصرة، وهو تعبير عن حراك سياسي قوي داخل الحزب، وبالتالي فهو امتحان جديد لمناضلي الحزب ودعوة للجميع لإعادة الحسابات ومراجعة الذات ووضع خريطة طريق جديدة لتصحيح المسار ولملمة الأخطاء التي قد تكون ارتكبت؛ وذلك من أجل الخروج بمؤسسة أكثر قوة وأكثر انسجاما وأكثر ديمقراطية وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية. إن ما تتطلبه المرحلة الراهنة يقتضي التقاط الرسالة والعمل بشكل جدي لتصحيح مسار وممارسة وسلوك الحزب في علاقته بالمجتمع ليظل تدبير الشأن العام بعيدا عن المصالح الشخصية والحزبية. والمغزى هنا واضح، إحداث تغييرات في القيم والمفاهيم، لاسيما ما يتعلق منها بمفهوم المسؤولية وممارسة الشأن العام، وأن المسؤولية هي الالتزام بتوجيهات وقرارات الحزب واحترام لمدونة سلوك الحزب، وكذلك هي الاهتمام والإنصات لانشغالات المواطنين، وغير ذلك فهو تقصير، ومن ثم يجب المحاسبة والمساءلة التزاما بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة واحتراما للشعار الذي رفعه الحزب خلال حملته الانتخابية، وهو التغيير الآن. جاء الخطاب الملكي الأخير ناقدا وغاضبا حاملا لرسائل قوية ودالة، شكل تنبيها جديدا للنخبة السياسية، فقد وضع الخطاب النقاط على الحروف في جميع الملفات ذات العلاقة بممارسة الشأن العام، وهو بمثابة خارطة طريق للعمل يجب أن يلتزم بها الجميع. *عضو المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة